ألحقت معركة جبل مونقورنو، التي جرت وقائعها في 30 ديسمبر 1958 بمنطقة الزوبيرية (غرب المدية) هزيمة نكراء بقوات فرنسا الاستعمارية، محطمة بذلك مزاعم الجيش الفرنسي بأنه قوة عسكرية لا تقهر، حسب شهادة مجاهدين عايشوا الحدث.
لم يكن أحد يتوقع خلال ذلك اليوم من نهاية شهر ديسمبر منذ 64 سنة ، إمكانية تحول اشتباك عسكري بسيط إلى معركة ضارية، أجبرت فرنسا الاستعمارية على تجنيد وسائل عسكرية ضخمة لمواجهة مجموعة من مجاهدي جيش التحرير الوطني بأسلحة بسيطة.
ولكن بعزيمة قوية وإيمان عميق بقضيتهم، تغلبوا على جيش العدو، مثلما يؤكده المجاهدان بن يخلف بوشريط، و بن عيسى صابور، عشية ذكرى هذه المعركة.
تفاجأت أركان قيادة الجيش الفرنسي بمواجهة بمثل تلك الصلابة والضراوة، و الخروج بهزيمة نكراء أمام كتائب جيش التحرير الوطني المنتشرة آنذاك في المنطقة الثانية من الولاية التاريخية الرابعة، بالرغم من قوة فرنسا العسكرية مقارنة بالإمكانيات البسيطة التي كانت تتوفر للمجاهدين.
ويعتبر بوشريط و صابور من بين المجاهدين القلائل، الذين نجوا من جحيم تلك المعركة التي كانت “وليدة الصدفة”، حسب شهادات أكدت أن المعركة تسببت في إحباط كبير لمعنويات الجيش الفرنسي المحتل آنذاك.
ففي 29 ديسمبر 1958، توجهت أولى عناصر كتائب “الزوبيرية” و “الحمدانية” و “العمارية” المنتشرة بمعاقل المنطقة الثانية إلى مرتفعات أولاد بوعشرة، و كانت قيادة الولاية الرابعة تسعى إلى تشكيل كتيبة قادرة على إفشال الإستراتيجية العسكرية للعدو، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان.
بلغت قيادة الولاية الرابعة معلومات تفيد بوجود مكثف لقوات العدو بمنطقة أولاد بوعشرة، فأعطت الأمر للكتائب بعين المكان بالانتشار في المعاقل المجاورة و الاستعداد للقتال، حسب شهادة المجاهد بوشريط، الذي كان عضوا في كتيبة الزوبيرية التي كانت توجد يومها بجبل مونقورنو، على بعد كيلومترات قليلة من المكان المحدد للقاء.
وفي فجر 30 ديسمبر 1958، انتشرت عناصر من كتيبتي “الزوبيرية” و “الحمدانية” بالمرتفعات الغابية بغرض تأمين المنطقة، و ضمان انسحاب عناصر قيادة الأركان الموجودة بعين المكان بأمان.
وأطلقت الرصاصات الأولى، في حدود الساعة العاشرة صباحا، معلنة عن بداية إحدى أكبر المعارك التي قادتها وحدات جيش التحرير الوطني خلال ثورة التحرير.
و تمكنت كتائب جيش التحرير الوطني بفعل عامل المفاجأة من إرغام قوات الاحتلال على التوقف عن الزحف باتجاه منطقة أولاد بوعشرة و دخول المعركة بجبل مونقورنو.
وازداد وطيس المعركة حدة مع مرور الساعات وامتدت الاشتباكات إلى مناطق أخرى لم يسبق لها مواجهة العدو، مثلما يتذكر المجاهد بن عيسى صابور، الذي قال أنه كان ضمن الصفوف الأولى للمجاهدين.
وأمام بسالة المجاهدين، استعان الجيش الاستعماري بسلاح المدرعات و الطيران ليتأجج لهيب المعركة أكثر فأكثر، حسب المجاهد نفسه، الذي شهد بعين المكان استشهاد العديد من رفقائه و هم يحملون السلاح، ويؤكد أن ميدان المعركة تعرض للقصف لساعات طويلة جدا إلى الحد، الذي خيل له أن النيران كانت تتهاطل من السماء.
ويضيف انه لا يزال يتذكر إلى يومنا هذا حركات الطائرات العسكرية و هي تلقي بقنابلها على مواقع كتيبتي “الزوبيرية” و “الحمدانية” في محاولة يائسة لتجنب الهزيمة، التي ارتسمت ملامحها نهاية يوم 30 ديسمبر 1958.
ويشير المجاهد بوشريط، إلى استقدام العدو لتعزيزات عسكرية كبيرة من البليدة و الجزائر العاصمة لتشديد الخناق على المجاهدين، الذين أبلوا بلاء حسنا بالرغم من قلة عددهم و عدتهم.
وتواصلت طلقات الرصاص إلى غاية غروب الشمس، لكن بحدة أقل بكثير من تلك المسجلة عند منتصف النهار، ما مكن عناصر جيش التحرير الوطني،و المصابين بجروح خفيفة من الانسحاب، لتجنب تطويقهم من طرف قوات العدو، حسب شهادة المجاهد صابور.
وبالفعل، تمكن بعض المجاهدين من الإفلات من قبضة العدو في الوقت، الذي استشهد العديد من رفقائهم في ساحة المعركة، لتفقد بذالك الجزائر ما لا يقل عن 140 شهيدا من خيرة أبنائها المنضوين تحت لواء كتيبتي “الزوبيرية” و “الحمدانية” في معركة جبل مونقورنو، يقول المجاهد بن عيسى صابور.
وقد استشهد معظم مجاهدي كتيبة “الحمدانية”، حرقا بقنابل “النابالم”, حسب شهادات المجاهدين بن يخلف بوشريط ، الذي أصيب بجروح في هذه المعركة، و بن عيسى صابور.
وتفيد بعض المصادر بتكبد جيش فرنسا الاستعمارية خلال هذه المعركة لخسارة فادحة في الأرواح تقدر ب900 قتيلا، في حين تشير مصادر أخرى إلى مقتل 600 جنديا فرنسيا.