مر اليوم الثلاثاء الذكرى الـ 66 لإعدام شهداء المقصلة الـ 5 بوهران، بسجن القصبة بوهران والتي تعد جريمة بشعة تبقى وصمة عار في جبين فرنسا.
ففي هذه الذكرى تستحضر وهران كفاح هؤلاء الأبطال، الذين ضحوا بالنفس والنفيس من أجل استقلال الجزائر، وهم أحمد بوعشرية، سيدي يخلف يخلف، محمد بن طيب، ميلود كبداني و فوال بن أعمر، الذين نفذت فيهم قوات المستعمر الفرنسي حكم الإعدام بالمقصلة.
وذكر المؤرخ وأستاذ التاريخ بجامعة وهران 1، محمد بلحاج، أن هذه الجريمة التي يندى لها الجبين ستبقى وصمة عار في جبين فرنسا الاستعمارية، كشفت الوجه الحقيقي للمحتل الذي طالما تغنى بقيم الإنسانية والعدالة والديمقراطية.
كان الشهداء الخمسة، الذين ينحدرون من جبالة وعين تموشنت و بني صاف ينشطون مع مجاهدين آخرين بناحية غرب الجزائر بمناطق معروفة بالتواجد الاستيطاني الكبير ببلديات الرمشي (تلمسان)، بوتليليس (وهران)، سيدي بلعباس وعين تموشنت.
وكان نشاطهم يرتكز خاصة على منطقة أغلال، التي كانت تسمى سابقا “مالرب” و يهدف إلى ضرب مصالح المعمرين واقتصاد المحتل الفرنسي وفق تعليمات قيادة المنطقة الغربية لجيش التحرير الوطني في إطار امتداد هجمات الشمال القسنطيني إلى المنطقة الغربية ، وفقا لما أفاد به الباحث.
وقام هؤلاء المجاهدون، الذين كانت أعمارهم تتراوح بين 19 و 45 سنة باستهداف في ماي 1956 مزارع معمرين بمنطقة أغلال و محاصيلهم الزراعية خاصة القمح والحمضيات و الكروم، التي كانت تتميز بها المنطقة و المستودعات، التي كانت تخزن فيها أنواع الخمور التي تصنع في الجزائر و توجه إلى فرنسا، يضيف بلحاج.
وأشار إلى أن وسائل الإعلام آنذاك تحدثت عن أشخاص استعملوا وسائل في منتهى البساطة على غرار المولوتوف مكبدين خسائر كبيرة و مروعة للمعمرين.
وأحدثت هذه الأعمال البطولية خوفا كبيرا لدى المعمرين جعلت السلطات الاستعمارية تصدر تعليمات بزيادة تسليحهم و إصدار قوانين جديدة على غرار قانون الطوارئ، الذي كان يمنح صلاحيات واسعة للقوى الأمنية في التعامل بكل ضراوة مع من يكافح ضد فرنسا و يهدم اقتصادها ويمس رموزها.
سجلت حالة استنفار لدى القوات الفرنسية بكل من تلمسان و سيدي بلعباس و وهران و عين تموشنت، التي قامت بحملات بحث واسعة في صفوف السكان وتمكنت من القبض على المجاهدين الخمسة أحمد بوعشرية، سيدي يخلف يخلف، محمد بن طيب، ميلود كبداني و فوال بن أعمر.
إضافة إلى المجاهدين جلول بوعزة و محمد عيدوني، الذين حولا إلى وهران التي كان حاكمها “بيير لومبير” من أشد الفرنسيين كرها للجزائريين.
كان هذا الحاكم يحمل حقدا دفينا لكل ما يمت بصلة للجزائري، و يستخدم أبشع أساليب التعذيب في حق كل من يعارض فرنسا أو يحمل السلاح أو يتفوه بكلمة ضدها حتى الأوربيين المتعاطفين مع القضية الجزائرية، يضيف المؤرخ.
وبخصوص ظروف اعتقالهم و محاكمتهم، ذكر بلحاج، أن فرنسا حاولت إيصال رسالة للجزائريين عبر إظهار صور الموقوفين و مظاهر التعذيب واضحة على وجوههم و أجسادهم و لسان حالها، يقول “كل من تسول له نفسه الوقوف في وجه فرنسا يكون مصيره مثل هؤلاء”.
وقد حوكموا بالمحكمة العسكرية في وهران في ظرف قياسي بتهمة الإضرار بمصالح فرنسا الاقتصادية و إصدار حكم الإعدام فيهم نهاية ماي 1956 ،استقبلوا بقاعة المحكمة بالتهليل “الله أكبر و تحيا الجزائر”.
تميزت فترة سجنهم التي قاربت 9 أشهر بالتعذيب و التنكيل و الإذلال اليومي على الرغم من حكم الإعدام، الذي أصدر في حقهم و الذي من المفترض أن يمنع مثل هذه الممارسات، التي استمر فيها الجلاد الفرنسي إلى غاية استشهادهم يوم 7 فبيفري 1957 بالمقصلة بسجن القصبة، مثلما أكده الباحث.
وأضاف أن إعدام هؤلاء لم يمت بصلة لا بالإنسانية و لا بالقوانين الدولية، التي تقضي بحفظ كرامة المحكوم عليهم بالإعدام، حيث إتضح أن السلطات الفرنسية العسكرية و السياسية أرادت من خلال هذه الإعدامات إيصال رسالة سياسية واضحة للجزائريين، قصد تخويفهم و ترويعهم و ترهيبهم ليتخلوا عن قضيتهم.
جدير بالذكر أن عملية الإعدام جاءت أياما فقط بعد إضراب الثمانية أيام (من 28 جانفي إلى 4 فيفري1957)، الذي حقق نتائج باهرة و أظهر للسلطات الفرنسية تصاعد الوعي الوطني في صفوف الجزائريين.
جرى تنفيذ الإعدام قبيل السادسة من صباح يوم 7 فيفري 1957 الواحد تلو الآخر في توقيت لم يتعد عشرة دقائق و مع ذلك ثبت الشهداء الخمسة مثل الأسود أمام المقصلة وسط تكبيرات إستجاب لها نزلاء السجن، قال الدكتور بلحاج.
ووصف العملية بالطريقة الأكثر جبنا و لا تمت بصلة للإنسانية ووصمة عار في جبين فرنسا.
وفند المؤرخ، ما جاء في كتابات ادعت بأن الشهداء الخمسة كانوا من بين العناصر المشاركة في عملية باخرة “أتوس”، التي كانت محملة من مصر بالأسلحة للثورة الجزائرية بقيادة أحمد بن بلة، ومحمد بوضياف، واعترضتها القوات الفرنسية و حجزت في أكتوبر 1956، وأكد أن الشهداء المعدمين كانوا أنداك يقبعون بسجن وهران.