تكفلت الثورة التحريرية منذ اندلاعها بالطالب الجزائري، ووجهته توجيها سليما، لتصنع منه جنديا ناجحا في معركته وفي نضاله المستديم ضد الاحتلال الفرنسي.
هيئت الثورة له كل أسباب النجاح حتى صار مستعدا للمشاركة في المعركة الشعبية المصيرية تقديرا منه للمسؤولية المنوطة به، مثلما يؤكده الباحث عمار هلال في كتابه” نشاط الطلبة الجزائريين إبان حرب التحرير1954″.
أناروا طريق الثورة التحريرية من مصر وسوريا
يقول الدكتور هلال:” على غرار إخوانهم الطلبة في العالم تتبع طلاب الجزائريين في الشرق العربي أحداث الثورة التحريرية وتطور أحداثها، وساهموا في التظاهرات الثقافية وغيرالثقافية ليعرفوا بها الجماهير العربية، وقد كانوا مهيكلين في أربع (4) منظمات محلية، قاموا بنشاط مكثف بعدما تضاعف عددهم ما بين 1957 و1958 بسبب قدوم الطلبة من الجزائر وتونس.
عرفت الحركة الطلابية في سوريا انسجاما وتلاحما بالثورة التحريرية، قادها الطلبة الجزائريين الذين هاجروا إلى هذا البلد طلبا للعلم موفودون من طرف جمعية العلماء، ثم من طرف الحكومة المؤقتة بمساعدة الحركات الطلابية الجزائرية، و تذكر تقارير أن المكتب الإداري للجنة الطلبة الجزائريين في سوريا، ترأسها أعضاء ناشطون وقد كانوا طلبة عرف لهم مستقبلا فيما بعد الثورة أي الاستقلال من بينهم محمد مهري، عبد القادر بن صالح، أبو القاسم خمار وعبد العزيز سعد.
كان مكتب الطلبة بدمشق، عبارة عن نادي ثقافي تعقد فيه أسبوعياالأمسيات الشعرية النضالية والمحاضرات الفكرية والعلمية، والتي كانت تهدف للتعريف بالقضية الوطنية، ونشر أخبارها بين الجماهير الشعبية العربية، وقد تعدد نشاط الطلبة الجزائريين بسوريا لكنه ظل مرتبطا بالقضية الأساسية التعريف بآفاقها وتطور أحداثها داخليا وخارجيا، وقد قاموا بتأسيس “رابطة طلاب المغرب العربي “، وانشئوا مجلة كفاح المغرب العربي صدر منها 4 أو 5 أعداد، تضمن معظمها أحداث الثورة التحريرية وكفاحها البطولي.
نضال طلابي وتطوع في جيش التحرير الوطني
لم يقتصر النشاط الطلابي في سوريا، فحسب بل امتد إلى تونس ومصر، حيث التحق الطلاب الذين يدرسون بالقاهرة بالثورة منذ الأشهرالأولى من اندلاعها، حيث تطوع عدد لا باس به منهم في صفوفهاللاستعداد عسكريا للثورة منهم الرئيس الراحل هواري بومدين.
ويذكر أن الطلابالجزائريين بالقاهرة، تظاهروا أمام السفارة الفرنسية، وسلطوا عليها وابلا من الحجارة و هددوا أعضاء الدبلوماسية الفرنسية هناك، وقد قاد المظاهرات الراحل هواري بومدين، الذي كان طالبا آنذاك، وكان قد أبدى الطلبة الجزائريون استعدادهم للتطوعفي صفوف جيش التحرير بأعداد كبيرة، وسجلوا أنفسهم في قوائم طويلة، عندما أشعرتهم الجبهة أنها تحتاج البعض منهم للعمل في الإدارة، أو القضاء أو السلك الطبي.
النشاط الطلابي في القاهرة كان حثيثا، دار كله حول التعريف بالقضية الوطنية ونشرها في الأوساط الطلابية العربية، من مظاهر التطوع الطلابي بمصر في صفوف الثورة مساهمةكل طالب حسب طاقته في تسيير الشؤون الإدارية لمنظمة الحزب هناك، وتمثيل الحكومة المؤقتة في جميع التظاهرات الثقافية التي عقدت في الشرق العربي، كما ألزم الطلاب الجزائريون أنفسهم بإحياء ذكرى اندلاع الثورة التحريرية في كل سنة باسم جبهة التحرير الوطني.
اهتم الطلاب الجزائريون بالجانب الإعلامي لما له من دور فعال في نقل الثورة وتطوراتها، حيث كان الإعلامالإذاعيآنذاكأكثر فاعلية من المكتوب، حيث خصصت إذاعة صوت العرب التي تبث من القاهرة منذ الأشهرالأولى من اندلاع الثورة ضمن برامجها حصة إذاعية عرفت باسم “كلمة الجزائر”، ساهم في تحريرها وقراءتها ثلة من الطلبة الجزائريين منهم محمد فضوري، رابحتركي ، عبد القادر بن قاسي، يحي بوعزيز …وغيرهم من الطلبة ذوي الأصوات المعبرة الرنانة، ومن جهة أخرى، كان المكتب الإداري للطلاب يقوم بتوزيع جريدة المجاهد لسان حال جبهة التحرير على جميع الروابط والنوادي المحلية بالقاهرة.
شكل النشاط الثقافي والسياسي بالنسبة للطلبة الجزائريين في مصر المحور الأساسي، الذي دارت حوله اهتمامات الطلاب، وكانت اللجنة الثقافية في القاهرة، تستضيف من حين لآخر أساتذة بارزين في ميدان العلم والثقافة من مصر وغيرها من الأقطار العربية الأخرى، وقد بلغ أقدام هؤلاء الأساتذة حد التنافس فيما بينهم، لما كانت الجزائر وثورتها تتمتعان به من شهرة وسمعة بين كل الأوساط العربية.