الشيخ محمد الصالح بن عبد الرحمن، المدعو محمد بن جار الله، ولد حوالي 1849 بقرية جار الله من عرش آيث بوسليمان، ينتمي إلى الطريقة الرحمانية ويرتبط اسم هذا البطل بأهم مقاومة في الشرق الجزائري وهي مقاومة الأوراس.
اندلعت مقاومة الأوراس في 1879 لتثبت للإحتلال الفرنسي أن عهد المقاومات مازال قائما وأن التواجد الإستعماري في الجزائر لا يختلف بين نظامه العسكري ونظامه المدني فهما وجهان لعملة واحدة هي الإستعمار الفرنسي، خاصة وأن المعمرين في ظل النظام المدني وجدوا ظالتهم في تطبيق سياستهم على أساس أنهم سعوا إلى إقامته منذ أمد لأن النظام العسكري لم يحقق لهم مطالبهم بل كان عائقا كبيرا أمام مصالحهم، لذلك جاءت هذه المقاومة لتبرهن مرة أخرى أن الجزائريين يرفضون كل أشكال الإحتلال من خلال مقاومته التي لم تنقطع خلال القرن التاسع عشر.
مرت مقاومة 1879 بالأوراس بمراحل هامة بدأت المرحلة الأولى بإنطلاق الشرارة الأولى في 30 ماي 1879 عندما وقعت محاولة اعتقال إمام مسجد الحمّام وسط فرقة اللحالحة، وهو الذي أصبح الزعيم الروحي لهذه المقاومة.
لتبدأ آنذاك مرحلة الهجوم على المتعاونين مع السلطات الفرنسية وعلى رأسهم القيّاد. بعد ذلك كان الهجوم على القائد السي “الهاشمي بشتارزي”، الذي تحصن ببرج “تكوت”، وقد تمكنوا من قتله ليعودوا إلى منطقة “العناصر”، بعدها تمركز كل من القائد “محمد بن بوضياف” وقائد “آث وجانة”، و “محمد سديرة” قائد “الأعشاش”، بمحاذاة منطقة “العناصر”، إستعداداً للهجوم على الثوار في 1 جوان 1879 مدعمين بقوة فرنسية، لكنهم فوجئوا بهجوم ليلي غير منتظر، قتل فيه القائد بوضياف، ليأتي دور القائد “الحسن بلعباي”، مع خليفته “دعاس”، وقد كلّلت هذه المرحلة بالنجاح وزرع الرعب في نفوس القيّاد الذين كانوا الأداة الفاعلة في يد السلطات الفرنسية.
وتميزت المرحلة الثانية بشمولية هذه الثورة في منطقة أوراس بانضمام العديد من الثائرين ضد ممثلي السلطة الإستعمارية وبذلك اتسعت القبائل المساهمة في المقاومة من فرق “آث دّاوذ”، و”آث بوسليمان”، و اعراش جبل “ماڨ آزوڨاغ” (أحمرخدو)، وفرقاً من “آث وجانة”، و”آث عبذي”، إلى جانب التأييد المطلق من شيخ الزاوية الرحمانية لـ إغزر ناث عبذي (وادي عبدي)، الشيخ “الهاشمي ؤو دردور”.
لم يكتف زعيم هذه الثورة الشيخ “موحند ؤو عبذ رحمان” (محمد بن عبد الرحمن)، عند هذا الحد بل راسل كل مقدمي الطريقة الرحمانية في كل من “إغزر ناث عبذي”، و”بوزينة”، و “آث وجانة”، و”إيغاسيرن” (غسيرة)، و”آث ملول”، و”البعادشية”، وكذلك الشأن بالنسبة لباقي القبائل منها قبيلة الحراكتة والسقنية وقرفة، وغيرها يطالبهم بإعلان الجهاد.
وقد وصلت رسائله إلى قبائل زواوة، قصد توسيع الثورة وفي خضم هذه الإستعدادات كانت الفرق الإستعمارية قد جهّزت جيشا من ثلاثة طوابير بقيادة اللّواء فرجمول Forgemol، كان الطابور الأول المتوجه من “باثنت” (باتنة) يتكون من ستة فيالق بقيادة فرجمول، والطابور الثاني الآتي من “بسكرث” (بسكرة) بقيادة العقيد كجار Cajard يتكون من ثلاثة فيالق.
والطابور الثالث الآتي من “ماسكولا” (خنشلة)، ويتكون من فيلق واحد بقيادة الكولونيل غوم Gaume . وجرت إثر هذه التحركات معارك ضارية غير متكافئة بين جيوش مدججة بالسلاح ومنظمة ولها خبرة عسكرية، في حين كان الجانب الجزائري يتشكل من متطوعين عاديين تنقصهم الخبرة الميدانية والعتاد العسكري المتطور.
وكان من أهمها معركة الأرباع شمال مدينة باتنة، في الثامن والتاسع جوان 1879 تليها معركة قرية توبة قرب وادي أم العشرة في 15 جوان من العام نفسه، ومعارك أخرى في العديد من مناطق الأوراس.
وتميزت المرحلة الثالثة بتراجع الثوار أمام القوة الإستعمارية مدعمة بالقوة المحلية وعلى رأسها القيّاد وهذا ما أثّر سلبا على استمرارية المقاومة وتحقيقها لإنتصارات معتبرة. وكان تعثر الثوار في مرات عديدة وراء ضعف صفوفهم، حيث أسر العديد منهم وكانت البداية بـ 168 رهينة لتصل إلى 103، ما دفع العديد منهم إلى الهجرة إلى تونس بناءً على النداء الذي وجهه زعيم الثورة “موحند ؤو عبذ رحمان”، إلى سكان المنطقة حتى لا يتعرضوا إلى الهلاك على يد الجيش الإستعماري، والذين بقوا تعرّضت قراهم إلى الحرق والدمار وسلبت أملاكهم، وقتل البعض منهم.
من نتائج مقاومة الأوراس 1879، حسب ما تؤكده المصادر التاريخية أنها اثبتت أن الجزائريين بإمكانهم نقل المقاومة عبر ربوع الجزائر، بروز البعد الديني والوطني لهذه الثورة على غرار الثورات السابقة، تلاحم القبائل فيما بينها على إعتبار العدو الفرنسي قوة كافرة ودخيلة ضد الإسلام، استشهاد جزائريين وصل عددهم 562 شخصا.
وايضا إبعاد 20 عائلة إلى القل وتوقرت (ورجلان/ورقلة) و26 عائلة إلى سطيف و12 عائلة إلى جيجل، وفرض غرامة مالية على القبائل الثائرة وصلت 70 372 355 فرنك فرنسي، وتسليم 1705 بندقية، الإستيلاء على أكثر من 2777 هكتار، وتسليم السلطات التونسية للسلطات الفرنسية زعيم المقاومة الشيخ موحند الصالح ؤو عبذ الرحمان، ورفاقه والتي بدورها أصدرت ضدهم أحكاما متفاوتة بعد إجتماع المجلس العسكري بسطيف في جوان 1880.
ومن نتائج هذه المقاومة هو الحكم بالإعدام على 14 ثائر ومن بينهم الشيخ “موحند ؤو عبذ رحمان”، والأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات على 10 جزائريين، وخمس سنوات لسبعة اشخاص، والإقامة الجبرية لمدة 5 سنوات لأخرين، والسجن عامين لسبعة ثوار والنفي الى كورسيكا وكيان بغويانا الفرنسية، وإبعاد العائلات إلى المناطق النائية.
المصدر: المتحف الوطني للمجاهد