أفاد الأستاذ المحاضر في التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة المدية، مولود قرين، أن الليل الاستعماري في الجزائر الذي دام أكثر من 130 سنة خلّف إرثاً ثقيلاً على جميع المستويات سياسياً، اقتصاديا، اجتماعيا، وثقافيا، وذلك نتيجة سياسة تحطيم البنى، التي انتهجتها إدارة الاحتلال منذ 1830.
قال الباحث في التاريخ:” إذا تكلمنا عن الثقافة والمرجعيات الحضارية للأمة الجزائرية، فسنلاحظ بأنها عملت على القضاء على مقوماتها وعناصرها الجوهرية من لغة ودين وتاريخ وعادات وتقاليد، وحاولت أن تحلّ محلها ثقافة غربية، وهذا ما يصطلح عليه بسياسة الفرنسة أو التغريب بهدف تحقيق أسطورة “الجزائر فرنسية!”.
يشير مولود قرين، أن الجزائريين لم يبقوا مكتوفي الأيدي فقاوموا ذلك بالتشبث بمقوماتهم الشخصية، ودخلوا في مواجهة حضارية مع الاستعمار ومشاريعه التغريبية، وقال “هذا ما يتضحّ بشكل جلي في البعد الثقافي والحضاري للمقاومات وتيارات الحركة الوطنية والثورة التحريرية، وإن كان ذلك قد ساهم في الحفاظ على الثقافة الجزائرية بأبعادها المختلفة، إلا أن تركة التغريب كانت قوية جداً، ما جعل الدولة الجزائرية بعد الاستقلال تولي عناية قصوى بمسألة الثقافة وتقوية عناصرها الجوهرية خاصة اللغة العربية والدين الإسلامي والتاريخ”.
ذكر المتحدث، بأن المطالع لمواثيق بعد الاستقلال بداية من ميثاق طرابلس 1962، وميثاق الجزائر 1964، والميثاق الوطني 1976، سيلحظ بأنها كلها عنيت باللغة العربية، وألحت على ضرورة العناية بها باعتبارها عنصرا أساسياً في الهوية الثقافية الجزائرية، لتعتبر في ما بعد في كل دساتير الجزائر اللغة الرسمية للبلد. وكذلك بالنسبة للإسلام فقد اعتبر في كل المواثيق والدساتير بأنه دين الدولة الرسمي.
وتنفيذا لذلك أضاف قرين، أن السلطات الجزائرية اعتنت بالتاريخ استجابة لصرخات بعض المثقفين الداعية إلى تحرير التاريخ من الاستعمار، مثلما عبر عن ذلك شريف ساحلي، ومصطفى الأشرف، وغيرهم ممن اهتم بمسائل التاريخ الوطني منذ بداية الاستقلال.
وأشار إلى أن، الدولة الجزائرية باشرت في جمع الشهادات لكتابة تاريخ الحركة الوطنية والثورة التحريرية في ثمانينيات القرن الماضي، بواسطة الملتقيات الوطنية، التي كانت تعقد دورياً في مختلف ولايات الجزائر. وبنت المتاحف لصيانة الذاكرة، ومراكز البحث المهتمة بكتابة تاريخ الجزائر.
وعلى مستوى الجامعة، فنّدت طروحات مدرسة التاريخ الاستعمارية، وإن تمكّنت الجزائر خلال النصف الثاني من القرن 20 من إعادة الاعتبار للثقافة والهوية الوطنية إلا أن عالم اليوم، الذي انعدمت فيه الحدود أمام التطوّر السريع لوسائل الإعلام ووسائط التواصل المختلفة يفرض على الجزائريين على اختلاف مواقعهم وعلى مؤسسات الدولة تكثيف الجهود من أجل حماية الهوية الوطنية من الاختراقات، لأن عناصر الهوية هي المرجعية التي من خلها تقوى وتعزز اللحمة الوطنية ويحقق التماسك الوطني، ويجعل من الجزائريين قادرين على التصدي لكل ما يحاك ضدهم”.