كان التعليم الجزائري مزدهرا قبل الإحتلال الفرنسي وبشهادة الفرنسيين أنفسهم، الذين أكدوا ان الامية كانت منعدمة تقريبا في الجزائر، وذكروا ان سكان الجزائر أكثر ثقافة من سكان فرنسا وان نسبة الامية في 1830اقل منها في فرنسا.
عملت فرنسا على ازاحة اللغة العربية التي كانت هي لغة التعليم في كل المستويات التعليمية، وعوضتها باللغة الفرنسية.
ورثت الجزائر نظام تعليمي استعماري، لذلك بذلت جهودا لتحسين الاوضاع واستبدال نظام موروث بنظام وطني جديد، ألفت ثلاثين مليون كتابا في مختلف المواد المقررة من طرف لجان متخصصة كل أعضائها جزائريون واتخذت تدابير في ميدان التجهيز العلمي والتكنولوجي والتربوي لمؤسسات التعليم، خاصة بعد مغادرة الجزائر بعد الإستقلالأكثر من 10.000مدرس أجنبي.
تعميم استعمال اللغة العربية بكل المدارس الإبتدائية
جرت عملية تعميم إستعمال اللغة الوطنية منذ 1962، وفق منهجية راعت فيها السلطات المعنية كل المعطيات من حيث المنطلقات العقائدية والسياسية وتوحيد التعليم، ورفع مستوى الأداء من خلال اقامة الاصلاح الشامل لنظام التعليم في الجزائر سنتي 1980و1981الأمرية المؤرخة في 6افريل 1976.
ويصف الاستاذ محمد الطاهر زرهوني، في دراسته بعنوان” وضعية التعليم في الجزائر أثناء السنة الأولى من الاستقلال التحدي الكبير”، ان التعليم الثانوي في 1962 كان في حالة يرثى لها على غرار الميادين الأخرى، وان نسبة الإنتساب إليه كانت أقل من 20بالمائة من مجموع التلاميذ، الذين صادف بلوغهم سن الدراسة اي الدخول المدرسي الأول بعد الاستقلال.
ولقد كانت هذه المرحلة الموروثة عن النظام الفرنسي تخص من هو في سن يتراوح ما بين 6سنوات إلى 14سنة كاملة تمتد على ثماني سنوات دراسية ابتداء من السنة التحضيرية لتعليم الجزائريين اللغة الفرنسية وكان يضيعون لنا سنة السنة التحضيرية، وكذلك بالنسبة للسنة النهائية الثانية بعد ترشيح التلاميذ، الذين يتجاوز سنهم 14سنة إلى شهادة التعليم الابتدائي، ثم بتقديم بعضهم إلى امتحان القبول إلى القسم الخامس اي السنة السابعة من التعليم الاساسي حاليا.
يعني السنوات6،5،4،3 ومن السنة الأولى والثانية بالنهائية أي القبول في القسم الخامس من المدارس التكميلية او من الطور الأول للتعليم الثانوي العام او ثانويات التعليم التقني.
في عهد الجزائر المستقلة ما بين 1962 و1963، اتخذت وزارة التربية آنذاك قرارا يقضي بإدخال اللغة العربية في جميع المدارس الابتدائية بنسبة سبع ساعات في الأسبوع بداية الإستقلال، وقد وظف على أساس ذلك في جميع المدارس، وكان في الأحياء الشعبية بنسبة ثلاث ساعات أسبوعيا.
وقد وظف 3.452 معلما للعربية و16.450 للغة الأجنبية منهم عدد كبير من الممرنين، وكان الممرن له أحيانا مستوى السنة الرابعة متوسط، وكان التوظيف في البداية بدون امتحان، بسبب وجود فراغ كبير وكان يجب ان يسد هذا الفراغ في أقرب وقت ممكن حيث كانت طلبات الجزائريين الاجتماعية كثيرة، حسب ما يوضحه الأستاذ زرهوني.
إلتحق التلاميذ بالمدارس واعمارهم ما بين 9و10سنوات لأنهم لم يدخلوا في السن القانونية قبل الإستقلال، وكانت الأبواب كانت مفتوحة لجميع التلاميذ ولهذا اضطرت الوزارة إلى توظيف الممرنين في البداية بدون تكوين، المهم ان يكون حاضرا في القسم ولو كان لا يعرف كيف يعلم.
وظف الممرنون قصد سد الفراغ، الذي تركه 16الف او 10الاف معلم فرنسي غادروا الجزائر بصفة جماعية، زيادة على 425معلما جزائريا من مجموع 2.660 معلما غادروا التعليم ووظفوا في شركات لأسباب اجتماعية وغيرها.
وأسندت لهؤلاء المعلمين المبتدئين مهمة التدريس بعد ان تدربوا في ورشات صيفية ،وفي انتظار اصلاح شامل يتناول بنيات التعليم ومضامينه وطرائقه اجريت على التعليم تحويرات مختلفة منذ1962.
ومن الاجراءات الفورية، التي اتخذت هو اعادة الاعتبار إلى اللغة العربية والتربية الوطنية والاخلاقية والتربية المدنية والتاريخ والجغرافيا، وشكلت لجنة وطنية عقدت اجتماعها الأول في 15ديسمبر 1962،حددت الإختيارات الوطنية الكبرى تمثلت في التعريب والجزأرة وديمقراطية التعليم والتكوين العلمي والتكنولوجي.
شمل الدخول المدرسي بعد استرجاع السيادة الوطنية حملة كبيرة لتنظيم تدريس اللغة العربية وتعميم الاجراءات في هذا الشأن على جميع المدارس الابتدائية وتدعيمها بتعليم تطبيقي، وهكذا عربت السنة الأولى ابتدائي تعريبا كاملا بتوقيت 15ساعة أسبوعيا يتعلم التلاميذ بالعربية كل المواد المبرمجة.
وكان توقيت السنوات الأخرى يحتوي على 30ساعة أسبوعيا منها 10ساعات للغة الوطنية بسبب قلة الاساتذة الموجودين في ذلك الوقت، ثم أصبح توقيت اللغة العربية يتراوح حسب السنوات ما بين 15و20ساعة في الأسبوع ما عدا الأقسام النهائية، التي حافظت على 10ساعات للعربية و20ساعة للفرنسية.
استلزمت هذه الإجراءات مجهودات ضخمة لتوفير العدد الكافي من المعلمين، ويشير زرهوني، إلى ان العربية العامية كانت تدرس في التعليم الثانوي والعربية الفصحى تدرس لعدد قليل من الجزائريين، لأن اغلب الجزائريين يختارون العربية العامية ليحصلوا على معدل ممتاز يؤخذ بعين الإعتبار في الإمتحانات لاسيما في البكالوريا.
لم يحرم أي تلميذ من الدراسة مهما تجاوز السن القانوني وكان يفرض على المديرين تسجيل التلاميذ بدون شروط السن بالنسبة، للذين حرموا من الدراسة ابان فترة الإحتلال.
وقد وظف في التعليم الابتدائي 161معلما في اللغة العربية و1.547مساعدا و1.634ممرنا، و856 معلما في اللغة الفرنسية و3.643 مساعدا و4.855 ممرنون.
ويضيف زرهوني، الذي كان من بين المسؤولين في عملية اعادة بناء المدارس و تأهيلها،ان نظام الدوامين فرضته قلة المحلات الدراسية، في سنتي 1962و1963 ألحقت المدارس التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالتعليم العمومي قصد توحيد التعليم الإبتدائي تدريجيا، واستدعت الضرورة توظيف المتعاونين من المشرق والغرب الذين بلغ عددهم 12ألفا.
ويؤكد ان جيش التحرير كان يتدخل ويفرض على المديرين فتح ابواب المدارس للأطفال، وعاقب بعض المديرين، الذين لم يلتزموا بتعليماته في هذا المجال.