تعد قسنطينة من كبريات المدن الجزائرية مبنية على صخرة من كلس قاسي، اعطاها منظرا جميلا وهي محاطة بواد الرمال.
قسنطينة هي سيرتا، سابقا عاصمة ملوك مملكة نوميديا الشرقية بها جسور تاريخية متناثرة في ارجاء المدينة منها جسر سيدي مسيد، او قنطرة الحبال المعلقة في السماء منذ ان شيدها الإستعمار الفرنسي في 1912 بطول 168 مترا وارتفاع 157 مترا.
جسر سيدي راشد لا يقل شأنا عن جسر سيدي مسيد، وبقية الجسور فهي جسور صغيرة شيدت أيضا في عهد الإستعمار وهي جسر الملاح او المصعد وهو جسر معلق مخصص للمشاة، اضافة إلى جسر مجاز الغنم، او القنطرة الشيطانية وجسر الشلالات.
قسنطينة نسبة للإمبراطور الروماني قسطنطين، الذي اعاد بناءها وبناء اسوارها في 313م، بعد ان هدمت ابان الإستعمار الروماني من طرف الاميراطور ماكسانس والأسكندر، مثلما تؤكده المصادر التاريخية.
يذكر محمد البشير شنتي، في كتابه “الإحتلال الروماني لبلاد المغرب”، أن سيرتا، سميت عاصمة مملكة نوميديا الشرقية في القرن 4ق.م إلى 7ق.م(قبائل المسيلية البربرية).
ويضيف الأستاذ شنيتي، أن الملك إيلماس ailymas كان من قدماء ملوك قبائل المسيليين على نوميديا الشرقية وعاصمتها سيرتا، قبل الملك ماسينيسا.
وقد انتقلت القبائل الماسيلية من مدغاسن، معذر باتنة إلى العاصمة سيرتا بقسنطينة، شملت ما بين الأطلس التلي والصحراوي، والحضنة حدودها من القل ثم سيرتا وحدودها الجنوبي قبائل الجيتول في الأطلس الصحراوي.
ماسينيسا يعني اسمه سيد القوم او الجماعة، رباه والده قايا، حققت في عهده بلاد البربر نجاحات كبيرة، حيث نظم الزراعة ووضع قانونا ثابتا للضريبة، وانشأ المباني وجمل سيرتا واعتنى بالاقتصاد والتجارة وضرب السكة النقدية باسمه وأنشأ أسطولا ضخما وجيشا منظما.
مملكة نوميديا الغربية ماسيسيليا، عاصمتها سيغا SIGA وهران تمتد من نهر الملوية وتنتهي عند رأس تريتوم نهر التافتة تلمسان، الحد الطبيعي بين أراضي قبائل الماسيلية والمازيسلية ومن الجنوب حدود الجيتول بالأطلس الصحراوي.
اقليم موريطانيا (مملكة المور)، حدودها تمتد بين المحيط الاطلسي ومضيق جبل طارق ووادي الملوية شرقا وجنوبا حدودها غير قارة.
من اشهر ملوك البربر سيفاكس (230-203 ق.م) من ملوك نوميديا الغربية، اسم الملك سيفاكس يتميز بتغليب العقل على العاطفة في كثير من الأحيان وبالحكمة وبالتعقل وبالدهاء السياسي والمرونة في ربط العلاقات مع جبرانه الأقوياء، حسب ما ورد في كتاب موجز التاريخ العام للجزائر بين العصر الحجري إلى الإحتلال الفرنسي لمؤلفه عثمان الكعاك.
شواهد الحضارة الرومانية بقسنطينة
توجد بقسنطينة معالم وآثار منها مقابر ما قبل التاريخ على قدر من الفخامة تقع بقمة جبل سيد مسيد، في المكان المسمى نصب الأموات، اكتشفت قبور أخرى تقع تحت كهف الدببة، واخرى ناحية يكبرة.
توجد مقابر أخرى بمنطقة الخروب، بالمواقع المسماة خلوة سيدي بوحجر ، قشقاش، وكاف تاسنغة ببنوارة، المقبرة الميغاليتية لبونوارة على بعد 32 كلم من قسنطينة، وعلى الطريق الوطني رقم 20 المؤدي باتجاه قالمة، تقع المقبرة الميغاليتية لبونوارة، على المنحدرات الجنوبية الغربية لجبل مزالة، على بعد 2كلم شمال قرية بونوارة.
توجد هذه المعالم التاريخية على شكل منضدة متكونة من اربع كتل صخرية عمودية وطاولة، مشكلين بدورهم غرفة مثلثة الشكل وعادة ما تكون محاطة بدائرة من حجارة واحدة، وفي بعض الأحيان من دائرتين أو ثلاث او أربع.
وقد كان سكان المنطقة القدامى يستعملونها لدفن موتاهم بهذه الطريقة المحصنة، التي يبدو أنها قد استمرت إلى القرن الثالث ق م، يشير الباحث شنتي في مؤلفه.
ويتحدث المؤلف عن كهف الدببة، الذي يبلغ طوله 60م ويوجد بالصخرة الشمالية لقسنطينة، كهف الأروي يوجد قرب كهف الدببة، ويبلغ طوله 6م، ويعتبر أشهر الكهوف كلا الكهفين محطتين لصناعات اثرية تعود إلى فترة ما قبل التاريخ.
ومن المعالم التاريخية بعاصمة الشرق الجزائري، ضريح لوليوس، يقع في جبل شواية بالمكان المسمى “العربي”، على بعد حوالي 25كلم شمال غرب قسنطينة، غير بعيد عن تيدس، له شكل اسطواني.
بني من حجارة منحوتة وشيد من طرف “كلوليوس ابريكس”، حاكم روما انذاك تخليدا لعائلته، إضافة إلى الاقواس الرومانية، التي توجد على الطريق المؤدي لشعاب الرصاص، وكان الماء المتدفق بهذه الأقواس يمر من منبع بومرزوق، ومن الفسقية جبل غريون، إلى الخزانات والصهاريج الموجودة في كدية عاتي، بالمدينة هذا المعلم هو من شواهد الحضارة الرومانية.
حمامات القيصر
ماتزال أثار حمامات القيصر قائمة إلى اليوم بقسنطينة، توجد في المنحدر بوادي الرمال، وتقع في الجهة المقابلة لمحطة القطار، غير ان الفيضانات قد أتلفتها في 1957، وكانت هذه الحمامات الرومانية تستقطب العائلات والأسر للإستحمام بمياه دافئة والإستمتاع بالمناظر المحيطة بها،خاصة في فصل الربيع.
اقامة صالح باي هو منتجع للراحة يقع على بعد 8كلم شمال غرب قسنطينة، وقد كان من قبل منزلا ريفيا خاصا بناه صالح باي، لأسرته في القرن 18م، وهو بناية أنيقة وسط الحدائق، التي كانت تزين المنحدر حتى وادي الرمال، وتتوفر الاقامة على قبة قديمة هي محج تقصده النساء لممارسة بعض الطقوس التقريبية، التي تعرف باسم النشرة، مثلما توضحه مصادر تاريخية.
يوجد قصر أحمد باي، احدى التحف المعمارية الهامة في قسنطينة وتعود فكرة انشائه إلى احمد باي، الذي تأثر أثناء زيارته للبقاع المقدسة بفن العمارة الاسلامية واراد ان يترجم افتتانه بهذا المعمار ببناء القصر على مساحة 5600متر مربع.
يقول الأستاذ شنيتي: “يمتاز باتساعه ودقة تنظيمه وتوزيع اجنحته تدل على عبقرية في المعمار والذوق معا، تعرض طيلة تاريخه الى محاولات عديدة للتغيير والتعديل، خاصة أثناء المرحلة الاستعمارية”.
ويضيف: “حاولت الإدارة الفرنسية اضفاء الطابع الأوروبي على القصر بطمس معالم الزخرفة الاسلامية والقشاني (سيراميك)، الريازة المعمارية للقصر فحولت كثيرا عن اصلها الاسلامي بعد الإحتلال الفرنسي للمدينة واصبحت عبارة عن خليط من الريازات المعمارية”.
ويؤكد أنه رغم ذلك فإن الهوية الأصلية للقصر ظلت هي السائدة والمهيمنة على كل اجزائه وفضاءاته الرائعة، وإن الزائر له سيستمتع بنقوشه وزخرفته وتلوينات مواده، التي تحيل إلى مرجعية معمارية ضاربة في الأصالة والقدم.
ويبرز: “المدينة القديمة تضفي بدروبها الضيقة وخصوصية بناياتها طابعا مميزا، وتشتهر ببيوتها المسقوفة وهندستها المعمارية الاسلامية في الصمود مدة أطول ملمحة إلى حضارة وطابع معماري، وتعتبر المدينة القديمة إرثا معنويا وجماليا يشكل ذاكرة المدينة بكل مكوناتها الثقافية والاجتماعية والحضارية”.
أسواق ومساجد
عرفت قسنطينة كغيرها من المدن والعواصم الاسلامية الاسواق المتخصصة، فكل سوق خص بتجارة او حرفة معينة ومازالت اسواق المدينة تحتفظ بهذه التسميات مثل سوق الجزارين، الحدادين، سوق الغزل، وغيرها.
هذا إلى جانب المساحات المحيطة بالمنازل، والتي تسمى الرحبة وتختص بتجارة معينة مثل رحبة الصوف ورحبة الجمال، والاسواق الخاصة بكل حي، فإنها تسمى السويقة وهي السوق الصغير وما يزال إلى اليوم تسمى السويقة.
طغت على قسنطينة مساجد ذات طابع ثقافي وديني منذ القدم وتكرس هذا المظهر بعد استقرار الاسلام بها، فعرفت بناء المساجد استمرارية واهمها الجامع الكبير، بني في عهد الدولة الزيرية في 503ه/1136م،اقيم على انقاض المعبد الروماني الكائن بنهج العربي بن مهيدي، حاليا.
تغيرت هندسته الخارجية من جراء الترميم ويتميز بالكتابات العربية المنقوشة على جدرانه.
جامع سوق الغزل، امر ببنائه الباي حسن في 1730 م، حولته القيادة العسكرية الفرنسية إلى كاتدرائية وظل كذلك الى ان عاد إلى اصله فيما بعد.
جامع سيدي الاخضر، امر ببنائه الباي حسن بن حسين، الملقب أبو حنك، في 1157م ، كما يدل عليه النقش الكتابي المثبت على لوح من الرخام فوق باب المدخل، وتوجد بجانب المسجد مقبرة تضم قبور عديدة من بينها قبر الباي حسن.
جامع سيدي الكتاني، يوجد بساحة سوق العصر، حاليا امر صالح باي بن مصطفى، ببنائه في 1776،الى جانبه توجد مقبرة عائلة صالح باي.
مسجد البيضاوي، يوجد بحي باب القنطرة، بني في فترة ما بعد الإستقلال تعاقب عليه كبار علماء مدينة قسنطينة منهم الشيخ الطولقي، والشيخ يوسف بوغابة، الداعية المعروف ويوجد بجوار المسجد معهد الامام البيضاوي للعلوم الشرعية.
مسجد الامير عبد القادر، وضع حجر اساسه الرئيس الراحل هواري بومدين، في 1970، ودشن من طرف الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، يعتبر من اكبر المساجد في شمال إفريقيا.
يتميز بعلو مئذنته اللتين يبلغ ارتفاع كل واحدة 107م وارتفاع قبته 64م، له هندسة معمارية رائعة والتصميم على النمط المشرقي الأندلسي ، صممه المهندس المصري مصطفى موسى.
تزخر مدينة قسنطينة، بعدد آخر من المساجد منها مسجد سيدي فعان ،جامع سيدي محمد بن ميمون،جامع سيدي بوعنابة، جامع السيدة حفصة ،جامع سيدي راشد، جامع سيدي نمديل، جامع سيدي عبد المؤمن، جامع سيدي بومعزة، جامع سيدي قموش، وجامع الأربعين شريفا.
أبواب قسنطينة
كانت مدينة قسنطينة محصنة بسور تتدخله سبعة ابواب وبعضهم يقول ستة جميعها تغلق في المساء وهي باب القنطرة، يصل المدينة بالضفة الجنوبية لوادي الرمال، باب الخنانشة شمال المدينة عبر وادي الرمال يؤدي الى سيدي مسيد، باب الرواح، شمال المدينة عبر وادي الرمال إلى منابع سيدي ميمون، باب الجنابية الباب الجديد، وباب الواد.
توجد أيضا البساتين والحدائق، يطلق الشعراء على قسنطينة اسم مدينة الهوى والهواء وهذا نظرا لنظافة جوها وانتشار البساتين والأشجار في كل ارجائها، تتوفر المدينة على حدائق عمومية تعمل على تلطيف الجو داخلها واهم هذه الحدائق حديقة بن ناصر، او مثلما يطلق عليها جنان الأغنياء.
توجد حديقتين بحي سيدي مبروك وحديقة بحي المنظر الجميل.
أعلام قسنطينة
عرفت قسنطينة بأنها مدينة العلم و العلماء ومهد العديد من العلماء والادباء والفلاسفة منهم يوسف بوغابة، من كبار دعاة وعلماء المدينة امام خطيب ومدير معهد الامام البيضاوي للعلوم الشرعية، تقلد العديد من المناصب منها رئيس المجلس العلمي للشؤون الدينية ورئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين شعبة قسنطينة.
مالك بن نبي، مفكر كبير، معلم علي، عالم وامام وفقيه الجامع الأخضر ،م الك حداد كاتب معاصر، احمد رضا حوحو، صالح باي ، احد بايات قسنطينة وبايلك الشرق، احمد باي آخر بايات قسنطينة قاوم الإستعمار الفرنسي، سيدي نمديل، علامة اسلامي، عبد الحميد بن باديس رائد النهضة، وغيرهم.