إن الثورة الجزائرية من أعظم الحركات التحريرية في العالم المعاصر بصفة عامة، و في إفريقيا بصفة خاصة.
بالرغم من تلك المشاكل، التي واجهتها في مختلف مراحل تكوينها و تفعيلها و اندلاعها كإشكالية التسليح، وذلك لما يشكله من أهمية كبرى كأداة للدفاع عن فكرة التحرر، و التخلص من سيطرة و سلطة المستعمر، ولقد أجمع المؤرخون على اعتبار معركة تسليح الثورة كانت من أعقد المعارك و أخطر الرهانات لتفعيل ديناميكية العمل المسلّح و ضمان ديمومته و استمراريته.
فالدعم بالسلاح شكّل في كل الظروف الشريان الرئيسي لكل الحركات التحررية، إذ لا يمكن تصوّر حركة تحرّرية تواجه آلة استعمارية دون أن تولي أهمية كبيرة للتسليح،و مما لا شك أن قيادة الثورة التحريرية الجزائرية سعت عشية انطلاقها في 1954 إلى تذليل كافة الصعوبات المتعلقة بمتطلبات العمل العسكري كالتسليح و التموين و التمويل .
لقد كان لهذا التكوين، الذي تلقاه المناضلون أثره الكبير في أطيب النتائج لمشروع الثورة، خاصة ما يتعلق منه بإقامة مراكز صنع القنابل و المتفجرات و التدريب على استعمالها، حيث عرفت العاصمة مخزونا هائلا من القنابل المتفجرة و العبوات الناسفة، وعقد من أجل ذلك اجتماع خرايسية، الذي حضره أعضاء لجنة الـ22 في منزل المناضل بشير الهجيم، الذي خُصِّصَ لدراسة الجوانب التقنية للثورة المتعلقة بالأسلحة و تنسيق الإعداد السياسي و العسكري للثورة بين الأعضاء المشاركين.
والتركيز على تكوين المكونين في مجال صنع و تفكيك المتفجرات و التدريب على استخدام الأسلحة و كيفية القيام بحرب العصابات، هذا الاجتماع لا يقل أهمية عن اجتماع القادة الـ22 بالمدنية في 23 جوان 1954، الذي رسم الانطلاقة الفعلية لثورة أول نوفمبر 1954، باعتبار أن اجتماع خرايسية يُعدّ بمثابة مؤتمر تحضيري للثورة بالنظر إلى عدد الإطارات المشاركة فيه و طبيعة الأعمال المنجزة .
عقد اجتماع خرايسية في جويلية 1954 بحوش المناضل بشير الهجيم، بالقرب من الواد الفاصل بين بلديتي خرايسية و بابا حسن ( التي يتبع لها إداريّا حاليا ) دام 36 ساعة، و قد ترأس الاجتماع مصطفى بن بولعيد، بحضور كل من المناضلين: مراد ديدوش، العربي بن المهيدي، رابح بيطاط،عبد الحفيظ بوصوف، بوجمعة سويداني، الزبير بوعجاج، الحاج بن علا، ناصر كويني، عثمان بلوزداد، محمد مرزوقي، مختار قاسي عبد الله، وعبد الله عبد الرحمان .
قد اختير هذا المكان لاعتبارات عديدة منها :
الدور النضالي، الذي لعبته عائلة الجهيم، وعلى رأسها الوالد بشير الهجيم ، الذي كان على اتصال مع مجموعة الـ 22، وكان قد شجعهم على عقد الاجتماع بمنزله رغم الأخطار المحدقة بأفراد العائلة .
الطابع الجغرافي للمكان الذي عقد فيه اللقاء، الموجود بالقرب من واد صغير محاط بغطاء نباتي كثيف، يربط بلديتي خرايسية وبابا حسن مرورا بالسحاولة، وهذا ما يُسهّل قدوم المناضلين من نواحي بئر خادم و الحراش وبئر توتة، أو القادمين بواسطة السكة الحديدية عبر محطة بابا علي، لا سيما أنها تعتبر منطقة عبور لكل مجاهد يدخل العاصمة أو يخرج منها .
كون المنطقة التي عقد بها اللقاء محاطة بالمعمرين، ممّا يستبعد الشك بوجود جيش التحرير الوطني .
قرب منطقة خرايسية من الجزائر العاصمة،حيث يُسهّل تنقل الإطارات المشاركة في اللقاء التكويني بسهولة دون تعرضهم للمضايقة الفرنسية .
قرب منطقة خرايسية، من الأماكن التي حددت كأهداف استراتيجية يمكن ضربها في الجزائر العاصمة و سهل متيجة في بداية الثورة .
وكان الهدف من هذا الاجتماع هو دراسة النتائج المتحصل عليها في مجالي صنع القنابل و جمع الأسلحة و إمكانية المزيد من تكوين متخصّصين في هذا الميدان، حيث يذكر المناضل الشاهد على هذا الاجتماع الحاج بن علا : ” لقد شاركت في شهر أوت 1954 في دورة تدريبية في صنع القنابل و المتفجرات في خرايسية، و كان مصطفى بن بولعيد، هو الذي أشرف بنفسه على هذه الدورة “.
ويضيف: ” بعض المتفجرات صنعت من وسائل بسيطة مثل علب المصبرات و الكبريت الأصفر و الفحم و زيت الخروع و الأنابيب … “، وهدف هذا الاجتماع أيضا تنظيم الإطارات العسكرية و القيادات المحلية، وتشكيل الأفواج المسلّحة و تدريبها على استعمال السلاح ووضع المتفجّرات ونصب الكمائن.
ومن أهم الأفواج الأولى قبيل اندلاع الثورة نجد : فوج حسين داي بقيادة الزيوي، فوج القبة بقيادة قصاب النذير، فوج المدنية بقيادة سعدون أعمر، فوج المرادية بقيادة عبد القادر قاسمي، فوج بلكور بقيادة محمد مرزوقي محمد، فوج الحراش بقيادة عبد القادر نيقوس، فوج القصبة بقيادة أحمد عمراني.
وقد كلّف الزبير بوعجاج، بالإشراف على هذه الأفواج ودربت بالطريقة نفسها، التي درّبهم عليها مصطفى بن بولعيد، ورابح بيطاط في مزرعة خرايسية، أين تدرّب المناضلون الأوائل.
و في الأخير يمكننا القول أن كل اجتماع تنظيمي سبق تفجير الثورة التحريرية الجزائرية إلاّ و نجده خُصّص لدراسة قضية معينة، فإذا كان اجتماع المدنية قد انبثقت منه مجموعة الـ22 التي تُعدّ النواة الأساسية لجمع شمل المناضلين والشروع في التحضير السياسي والعسكري للثورة، فإنّ لقاء خرايسية يُعدّ مؤتمرا تحضيريا للثورة عالج الجوانب التقنية للثورة المتعلقة بالتسليح والتدريب على صنع المتفجرات.