يؤكد عبد الرزاق قسّوم، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كان لها الدور الأكبر في طرد الاستعمار الفرنسي من الجزائر، من خلال محاربة الجهل والتخلف والوقوف جنبا الى جنب رفقة جبهة التحرير الوطني في معركتها السياسية ضد المحتل.
يؤكد في حوار لـ”الشعب” بمناسبة اندلاع ثورة نوفمبر أن الجمعية كانت بمثابة النواة الأولى، التي ساهمت في تربية الأجيال وتوعيتهم على حب الوطن، الذين سرعان ما حملوا مشعل أسلافهم لتنوير طريق جيل الاستقلال، وابرز قسوم، أن جمعيته اليوم تواصل النضال رفقة الدولة الجزائرية للرقي بالبلاد ومحاربة كل أشكال التطرف والغلو.
واكبت جهاد الكفاح المسلح بالقلم وبالكلمة
تحيي الجزائر الذكرى الـ 69 لثورة التحرير المباركة، بهذه المناسبة العظيمة، ممكن تحدثوننا عن دور جمعية العلماء المسلمين، في تلك الحقبة التي مرت بها الجزائر؟
عبد الرزاق قسوم : عندما نتحدث عن علاقة جمعيه العلماء المسلمين الجزائريين، بجهاد نوفمبر 1954، يمكن أن نقول بان العلاقة بينهما علاقة وثيقة، حيث أن جهاد نوفمبر كان يمثل النتيجة السليمة للمقدمة السليمة، تتساءلين كيف ذلك؟، أجيبك بالقول ” أولا فإن جمعية العلماء هي التي وضعت المقدمات لهذا الجهاد، هذه المقدمات تمثلت في توعيه الجزائريين باحتلالهم واستعمارهم.
ثانيا بتخلفهم ووجوب تجاوز هذا التخلف، ثالثا بوجوب العناية بعلمهم وثوابتهم وأصالتهم وشخصيتهم، فعندما يتوعى الشعب بأنه محتل وانه متخلف وبأنه جاهل وبأنه يتطلب القيام بشيء في ذلك الوقت، يكون جاهزا لان يعلن الجهاد. و لما جاء الجهاد وجد أن هناك شعبا مستعدا وله القابلية للجهاد والدفاع عن ثوابته ووطنه، وبذلك سهّل إعلان الثورة ضد المستعمر في الفاتح نوفمبر 1954.
ومنذ ذلك الوقت واكبت جمعيه العلماء هذا الجهاد بالقلم وبالكلمة، بالعمل المسلح وتقديم خيرة أبنائها فداءا للوطن، حيث تعرض ابناء الجمعية للاعتقال والتعذيب من العلماء والشيوخ والطلاب والقائمة طويلة ولا حاجه الى ان نعود اليها.
وهذا ما يقودنا اليوم للحديث عن تضحيات جمعية العلماء المسلمين، خلال الثورة التحريرية المباركة، من تثقيف وتوعية الجزائريين ومحاربة الجهل والتخلف من خلال فتح مدارسها لتعليم الشباب إناثا وذكورا، هذا الدور لم تتخل عنه عند استقلال البلاد، حيث ساهمت هذه المدارس التي أسستها جمعيه العلماء في التأسيس للتعليم خاصة وانها شاركت في هذه التوعية.
تلك المدارس وخريجيها هي التي وجدناها بعد الاستقلال صالحة للتعليم بعدما تخلت فرنسا عنا في كل شيء، حيث وجدنا أنفسنا بعد الاستقلال لا نملك المعلم الكفؤ ولا المدير الكفؤ ولا المدرسة الصالحة، لذلك مثلت جمعية العلماء النواة الصلبة في استكمال التعليم، لأنها اعتمدت على تثبيت الأصالة والتوابت مثلما قلناها سابقا، من ترسيخ معاني الوحدة الوطنية واللغة الوطنية والإسلام العقائدي الصحيح، هذه التوابت هي التي رسخها علماء وتلاميذ الجمعية وتلاميذ، في أذهان ونفوس عامه الشعب الجزائري الذي كان بعد الاستقلال مشبعا بهذه الأفكار والمعاني الجيدة.
على ذكركم ذلك ، ما هو دور جمعيه العلماء المسلمين في محاربه الأمية بعد الاستقلال؟
ينبغي أن نقول بان جمعيه العلماء المسلمين الجزائريين، بعد الاستقلال، حيل بينها وبين استئناف نشاطها وهو الذي أعاقها عن استئناف عملها، حيث عوملت معاملة الأحزاب السياسية في تلك الحقبة، فقد منعت جمعيه العلماء ايضا من العودة الى النشاط، وهذا ما احدث خللا الى حد ما، خلل في الثوابت وخلل في التنظيم وخلل في الهوية الوطنيه.
لكن وبعد بعد دخول عهد التعددية السياسية، نهاية الثمانينات وبداية تسعينيات القرن الماضي، عادت جمعيتنا للنشاط من جديد، حيث كانت من قبل تعمل على استحياء،وكان دورها مقتصرا مثلا على المساهمة في فتح مدارس قرآنية عن بعد، في عمل تطوعي تحت غطاء وزاره الشؤون الدينية والأوقاف، وعندما سُمح لها بإستئناف نشاطها بقياده الشيخ احمد حماني، رحمه الله في ذلك الوقت بدأت بإنشاء المدارس والمعاهد.
كم من مدرسة قرآنية تحوزون عليها اليوم؟
حاليا، فإن عدد مدارس جمعية العلماء المسلمين لا يعد ولا تحصى، على سبيل المثال لا الحصر، ففي الجزائر العاصمة نؤطر 100 مدرسه قرآنية، وفي سطيف مثلا نشرف على 200 مدرسة قرانية تابعه لجمعيه العلماء، حيث تعد مدارسنا بالآلاف اليوم وهي منتشرة عبر مختلف ولايات البلاد، لقد أنشأت المدارس بعد الاستقلال، و مثلما قال الشيخ البشير الابراهيمي، وهو يتحدث عن دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين “لولاها لكانت بلادنا عبارة عن “جزائر الوقواق”، وتعني الخالية، حيث أعادت جمعية العلماء للجزائري عقله وقلبه ولسانه وأخلاقه وسلوكه.
وهذا هو الذي نبني به الشخصية المتكاملة والمتوازنة، نجحنا في هذا واليوم وفي اي ولاية من ولايات الوطن تحوز جمعيتنا على عشرات المدارس التابعة لها، وهذا دليل على ان الشعب الجزائري كما قال الشيخ عبد الحميد ابن باديس، مسلم، لأننا نساهم مع الدولة الجزائرية في نشر قيم الثقافة ومحاربه الامية والتخلف والغلو والتشدد الديني، اذ نتبنى منذ الاستقلال هذا الخطاب ، وهو الإسلام المعتدل.
ممكن نتحدث عن عدد شهداء الجمعية، الذين قدموا النفس والنفيس لتحرير الجزائر؟
العدد كبير جدا من الطلبة و الاساتدة ، و أعطيك أمثلة على ذلك ، مثلا الشيخ احمد رضا حوحو ، الشيخ محمد العدوي، الشيخ الحفناوي ، الشيخ احمد بوشمال ، الشيخ ربيع بوشامة والشيخ عبد الكريم العقون، و القائمة طويلة، حيث استشهدوا وهم يؤدون رسالتهم، خلال الثورة التحريرية المباركة.
واستحضر هنا حادثة وقعت معي، ففي يوم من الايام اقتادني المستعمر من مقر احدى المدارس القرآنية المتواجدة ببلدية القبة، رفقة ثلاث اساتذة معلمين خلال إضراب السبعة ايام الذي نظم في 1957، وبعدما اقتادوني الى المكان الذي هو اليوم عبارة عن مقر بلديه القبة، عذبنا عذابا شديدا ولا يزال اثار التعذيب بارزا في جسدي، واعتبروني في ذلك الحين أحد القادة الكبار في الثورة، برغم انني كنت انتمي للجمعية.
ما يبرز تخوف الفرنسيين من دور جمعيتنا ، حيث كنا نتولى التعليم في ذلك الوقت لذلك تخوفوا منا كثيرا، وهو نوع من أنواع النضال الذي كنا نمارسه، اضافة الى اننا كنا نوزع المساعدات على الأسر الجزائرية الفقيرة واسر المقاومين وعلى عائلة الشهداء والمجاهدين، حتى لا يشعروا بان الشعب الجزائري قد تخلى عنهم.
شاركنا في المعركة السياسية للثورة
من كان يقدم لكم الدعم المادي خلال الثورة ؟
كنا نتلقاه من قبل افراد الشعب الجزائري، على شكل تبرعات ، علما أننا كنا نتعامل مع جبهة التحرير الوطني وكنا نقدم تلك المساعدات خفيه عن الاستعمار الفرنسي طبعا.
ما هي وسائل الدعاية، التي كانت تستعملها جمعيه العلماء إبان الثورة في محاربه تضليل ترسانة الإعلام الفرنسي ؟
حقيقة، كنا نغتنم المناسبات الدينية، على غرار الأعياد، خاصة عيدي الفطر والأضحى او مناسبة المولد النبوي الشريف بغيه تكريس خطابنا اتجاه الشعب الجزائري، إضافة إلى إرسال خطابات مباشرة، حيث كنا نعمل تحت لواء “الأفالان” ، و كنت انا شخصيا اساهم في كتابه خطابات الجمعية، حيث كانت الخطابات تصلنا من طرف جبهة التحليل الوطني ونحن نتكفل بتوزيعها على الجزائريبن بسرية تامة.
هل كنتم تستطيعون اختراق المساجد في ذلك الوقت؟.
المساجد لم تكن تابعه لنا، كانت تابعه للحكم الفرنسي في ذلك الوقت، لكننا كنا نغتنم المناسبات الدينيه فقط لنشر خطاباتنا.
ما هو اهمية تعليم الفتاة لدى جمعيه العلماء المسلمين الجزائريين؟.
جمعيه العلماء اهتمت بالفتاة اهتماما بالغا، لأنه من مزاياها محاربه الجهل والتخلف بمنع الفتاه من التعلم، و بالعكس كانت جمعيتنا تعفي الفتاة من دفع اشتراكات حق التعليم لتشجيعها على الإقثبال على العلم ، وهذا على خلاف الزام الذكور بدفع تلك الاشتراكات، هذا من جهة، من جهة ثانيه كنا نلقنهن أناشيد وطنية محفزة مثل “سيري إلى العلياء مثل اخيك وتعلمي فالجهل لا يجديك….. وتعاونا في ذي الحياة فأنتما في السعي خير شريكه لشريك”، وهذا البيت من تأليف محمد العيد آل خليفة، فأخذنا على عاتقنا تعليم الفتاه أثناء الثورة التحريرية، علما أن دور المرأة كان كبيرا في تحرير الجزائر من المحتل الغاشم.
على ذكر الأناشيد ، ممكن أن نتحدث عن دورها ففي تلك الحقبة من ثورة نوفمبر ؟.
طبعا كنا ننشد كثيرا الأناشيد الثورية الحماسية، ونلقنها لطلابنا والتي تلهب الحماس وتذكي الشعور بالوطنية ، على غرار” يوم ندع للجهاد نصبح الجند الشداد ونؤدي للبلاد كل حق مخلصين”، واخرى “…، قد حملت البندقية ولها عندي مزية فهي في الخط بلية تقتل الخصم…” ، حيث كانت الأناشيد الوطنية تلعب دورا هاما في اثارة الحماس لدى الشباب، وكنا نستمع ليلا لإذاعة صوت العرب.
وكنا نلحن صباحا تلك الأبيات ونلقيها على طلاب مدارسنا، منها ” ايدي بايدك يا خويا .. يا خويا في الوطن، كلمتنا واحدة ووحدتنا واحدة… ايدك في ايدي يا خويا في الوطن”، و ” بمحمد أتعلق وبخلقه أتخلق وعلى البنين جميعهم في حبه أتفوق “، ضف إلى النشيد الرسمي للجمعية “شعب الجزائر مسلم والى العروبة ينتسبط , وأيضا “اانا مسلم أهوى الهدى بسواه لا اتحقق بخلال احمد اقتدي وبحبه أتمنطق …..اني على البيضاء معتدل الخطى لا أزلق”.
ما هو النشيد، الذي كنتم تستعملونه كثيرا خلال الثورة والذي ساهم في شحذ الهمم ؟
اضافه الى النشيد الرسمي الجمعيه “شعب الجزائر مسلم”، كان كنا ننشد “صوت بعيدا المدى هل يُجاب.. نادؤكم للفدا بعقاب.. الى الفداء الى الفداء يا شباب”، وكلها كانت تبعث الحماس في الشعب الجزائري، و بالمناسبة المجاهدة جميله بلباشا، التي لا تزال على قيد الحياة ، والتي حازت على الشهادة الابتدائية بمدرسه الفتح بتليملي بالعاصمة ، قامت بعملية فدائية بوضع قنبلة، وهذه من نتائج مدارسنا ، حيث كنت انا قد أعددت اسئلة الامتحان في ذلك الوقت. وهذا مثال صغير فقط عن خريجي مدارسنا وتشبعهم لحب الوطن.
لذلك أقول ، فان جمعيه العلماء المسلمين الجزائريين، وضعت كل إمكانياتها للمساهمة في الدفاع عن الوطن وانجاح ثوره التحرير المباركة ، فمثلا في مظاهرات 11 ديسمبر جاءني “سي احمد زيغم” واسمه الثوري “سي يحيى”، و لا يزال على قيد الحياة كان مسؤول جبهة التحرير الوطني في بلديه بئر مراد رايس بالعاصمة.
في ذلك الوقت وطلب مني كتابة شعارات أخرى على خلاف الشعارات البسيطة التي انطلقت بها المظاهرات، مثل “الجزائر مسلمه”، فأخبرته باننا سنعزز تلك المظاهرات بشعارات جديدة، حيث أخذت اقمشة بيضاء الى المنزل واقتنيت اقلاما ملونه وكتبت شعارات بالعربيه وبالفرنسية على غرار “الجزائر عربيه مسلمة، تحيا الحكومة المؤقتة، ” تحيا جبهة التحرير الوطني”، “نحن مع الحكومة المؤقته” وبعد رفعها خلال المظاهرات التي استمرت ايام، تغيرت الشعارات وتغير معها منحى المسيرات أصبحت أكثر حماسا واثارة خاصة أمام الإعلام الأجنبي ، وجن جنون الاستعمار الفرنسي ، و فاصبحت تلك المظاهرات لها وزنا اكثر وأصابت أهدافها .
كلمة أخيرة ؟
ما دمتم فتحتم لنا هذا الحيز، أريد أن ألفت نظر السلطات العمومية، واوجه نداء الى المسؤولين الجزائريين على جميع المستويات ، حيث نتعرض لمضايقات ومحاولة غلق بعض مدارس جمعية العلماء عبر مختلف ولايات الوطن، ومن هذا المنبر اقول أننا لسنا حزبا سياسيا وليس لنا أي طموح ولن نكون منبر لأي كان ، وتختصر مهمتنا في أن نكون مع الشعب الجزائري في الحفاظ على هويته وعلى وحدته الوطنية وعلى انتمائه الحضاري الاسلامي فقط.