ادت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دورا عظيما منذ تأسيسها في ماي 1931.
حافظت على الهوية الشخصية للجزائريين، وطهرت المجتمع من براثن الشعوذة والخرافات، هذا بفضل مؤسسها الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس، الذي حمل شعار “القرآن إمامنا والسنة سبيلنا،والسلف الصالح قدوتنا في خدمة الإسلام والمسلمين وإبصال الخير لجميع سكان الجزائر غايتنا”.
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين انتشلت الجزائريين من الجهل
تصدى ابن باديس، للأساليب الاستعمارية الخبيثة الرامية إلى اشاعة الفساد والإنحلال الخلقي والشعوذة وتشكيك المسلمين في دينهم،حيث حاربها بالقلم والتعليم.وأعد مشاتل للثورة للتصدي للمشروع الاستعماري الذي كان يستهدف التفرقة بين ما يسمى بربر وعرب، ومقولته الشهيرة “ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان”.
كان يحث الجزائريين بالتمسك بدينهم ولغتهم بالقول:”ايها الشعب الجزائري الكريم ،تالله لن تكون مسلما إلا اذا حافظت على الإسلام وان تحافظ على الإسلام إلا اذا فقهته ولن تفقهه إلا إذا كان فيك من يفقهك…”.
وفي هذا الصدد، يقول بن يوسف بن خذة في كتابه جذور أول نوفمبر 1954 :” من مناقب عبد الحميد بن باديس، الكثيرة أنه قدم عملا مفيدا في ميدان تصحيح العقيدة الدينية، ذلك أن جمعيته لم تدخر أي جهد لمحاربة الإنحرافات التي أفسدت نقاوة الروح الإسلامية”.
ويضيف:” لقد حاربت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ظاهرة تقديس الأولياء وغير ذلك من البدع المولدة لمظاهر الشرك والتدجيل وما لبثت الجمعية أن اصطدمت بالطرقية، محملة اياها مسؤولية تلك الانحرافات ونجمت عن ذلك مواجهة مفتوحة بين التيار الإصلاحي والطرقي دارت على صفحات الجرائد ومنابر المساجد وفي الساحات العمومية، ولقد تفاقم النزاع بين التيارين فتحول في بعض الأحيان إلى جدال عنيف لا يشرف أحدا”.
وأكد بن خذة، أن الزوايا الدينية كانت من بين العوامل الهامة في نشر الدين الإسلامي في مناطق القطر الجزائري النائية ويعود الفضل إليها في تعليم القران الكريم، والحديث وحماية العلوم الاسلامية واللغة العربية من الإندثار في بلدنا.
ويقول:” كانت الزوايا الدينية حاجزا منيعا في وجه حملات الفرنسة والتنصير وحائلا دون تردي الأخلاق وما إلى ذلك من العوامل المساعدة على الغزو الثقافي، كما أن العديد من أتباع الزوايا رفعوا لواء الجهاد ضد الإحتلال الإستعماري بإفريقيا”.
ويذكر بن خذة أمثلة عن الحركة السنوسية ضد الإيطاليين في ليبيا والحركة المهدية ضد الإنجليز في السودان، والحركة التيجانية ضد الفرنسيين والإنجليز في إفريقيا السمراء والجزائر، والحركة القادرية بقيادة الأمير عبد القادر والرحمانية بقيادة الشيخ الحداد، إضافة إلى أولاد سيدي الشيخ في الجنوب الوهراني.
وأشار بن خذة، إلى أنه خلال ثورة التحرير الكثير من الزوايا الريفية أمدت جيش التحرير الوطني بأعداد كبيرة من الجنود، الذين استشهد الكثير منهم ولم تتوان الزوايا في تقديم شتى أشكال الإمداد بالمؤونة والرجال، وتفانيها في معاقل الثورة لم يضعف أبدا بل كان سندا ثمينا في مجال التموين ونقل الرسائل وربط الإتصال. وذكر بالدور الإجتماعي والتربوي الذي اضطلعت به الزوايا قبل الإحتلال وأثناءه، حيث كانت عبارة عن مراكز للعبادة والدراسة تتولى إيواء وإطعام الطلبة والمعلمين، بفضل ما تدره عليها أملاك الأوقاف وصدقات السكان، وكانت تقدم المأوى لعابري السبيل والفقراء والمعوزين وتستقبل اليتامى وتتكفل بهم.
حاربت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الجهل بتأسيس معاهد العلم ومدارس التعليم في المدن والقرى والمداشر، وعبر صحفها ونشرياتها وبعثاتها الى الخارج مصر،سوريا، العراق، الكويت، وتونس.
وكان شيوخ الجمعية يذكرون الجزائريين بتاريخ أجدادهم وعزة الإسلام وشرفه.واظهرت الوجه الوحشي والمخطط الخبيث للإستعمار ما جعل الجزائريين ينضمون إليها ويدعمونها بالمال، وكان محمد مبارك الميلي والشيخ عبد الحميد بن باديس، من روادها، حيث يصف مؤرخون الشيخ عبد الحميد بن باديس، ،أمة في شخص انتشل الجزائريين من الضلالة والجهل.
واجه شيوخ جمعية العلماء صعوبة في أداء مهامهم النبيلة، عملت على المحافظة على الهوية الجزائرية.حيث لم يكن يتعدى عدد المتمدرسين 14%، حاربتهم الإدارة الإستعمارية بكل الطرق خاصة على اللغة العربية بإغلاق المدارس، التي منحت لهم من قبل الترخيص، وتوبع 27معلم اللغة العربية امام المحاكم بتهمة التدريس دون رخصة في 1951، وكانت تضاعف العقوبة في حالة اشتمام اي بادرة بالإخلال بالسيادة الفرنسية على الجزائر، فعاقبت أحد معلمي اللغة العربية بأربع سنوات سجنا نافذة و250الف فرنك غرامة لأنه علم تلاميذته نشيدا تحريضيا.
ركزت جمعية العلماء جهودها على احياء الأخلاق والقيم، التي جاء بها القرآن وبناء المساجد ونشر الصحف والدوريات وتاسيس الفرق الرياضية والافواج الكشفية والفرق الموسيقية واستغلت قانون 1901 لتأسيس النوادي قصد احتضان شريحة واسعة من الجزائريين، ولهذا كانت النوادي أحسن فضاء للتشبع بالحس الوطني والديني من خلال المحاضرات والخطب، التي تتناول مختلف القضايا الاجتماعية والدينية والسياسية مثلما يؤكده حميدي ابو بكر الصديق.
زاوج رجال الجمعية بين الأصالة والمعاصرة وبين الماضي والحاضر، يستلهمون أفكارهم من تراث الأمة وماضيها، حيث يدعون الى الأخذ بمحاسن الماضي دون اغفال علوم العصر ووسائل الحضارة المقتبسة من الشعوب المتقدمة، اهتمت الجمعية باللغة العربية وجعلت منها وسيلة التعليم والتعامل بين مختلف أفرادها.
وعند اندلاع ثورة التحرير أعلن رئيس الجمعية الشيخ العلامة البشير الإبراهيمي، عن طريق راديو القاهرة باسم الجمعية بتاريخ 15نوفمبر 1954، نداء لكل الجزائريين يقول فيه:”أيها المسلمون الجزائريون هذا هو الصوت ،الذي يسمع الأذان الصم هذا هو النور الذي يفتح الأعين المغلقة ،إن فرنسا لم تبق لكم دينا ولا دنيا وكل إنسان في هذا الوجود يعيش لدين ويحيا بدنيا فإذا فقدها فبطن الأرض خير له من ظهرها ،إنكم مع فرنسا في موقف لا خيار فيه ونهايته الموت ،فاختاروا موته الشرف على حياة العبودية التي هي شر من الموت ،سيروا على بركة الله وبعونه وتوفيقه إلى ميدان الكفاح المسلح فهو السبيل الأوحد إلى إحدى الحسنين إما موت وراءه جنة وإما حياة وراءها العزة والكرامة”.
اعتنى أدباء الجمعية بالأناشيد الوطنية لأنها تبث الحماس في الناشئة وتمسكهم بالوطن والعمل على تحريره ومن هذه الاناشيد نجد “اشهدي يا سما “لابن باديس،”ألحان الفتوة” لمحمد الصالح رمضان، ونشيد “جزائرنا” لمحمد الشبوكي، يمجد جنود ومجاهدي الثورة.
ادركت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مبكرا اهمية نشر الوعي الوطني لدى الجالية الجزائرية في المهجر، فأرسلت في 1936 الشيخ الفضيل الورتلاني، على رأس وفد من العلماء حيث استطاعت فتح نوادي للتعليم والوعظ والإرشاد وأحييت المناسبات الدينية والوطنية مستعينة بمجموعة من الدعاة والمصلحين المشارقة.
واحنضنت شعب الجمعية في باريس في جوان 1954 الخلية الأولى في المهجر للجنة الثورية للوحدة والعمل، التي ضمت في صفوفها كل من عميروش، سعيد مداح،عبد الحفيظ أمقران، يوسف مقران،بشير إزمران،أحمد صخري، سعيد حواسين،طاهر سي بشير، وكان مفر الشعبة المركزية في سان دوني، بضواحي باريس مركزا لإجتماعاتهم، مثلما يؤكده عضو الجمعية الاستاذ مولود عويمر.
عملت ادارة الإحتلال على التضييق على الجمعية ورجالها من خلال العديد من القرارات والاجراءات الجائرة ضد مؤسساتها ونواديها وفي محاضرة لأحد ضباط المخابرات الفرنسية جاك كاري، امام ضباط الاستخبارات الفرنسية حاول لفت الإنتباه إلى خطر شعار الجمعية “الجزائر وطني”,بقوله أنها تعني النضال ضد كل اندماج للجزائر في فرنسا وضد التجنس، النضال في سبيل استقلال الجزائر، دولة اسلامية يشكل فيها العلماء هيئة استشارية والنضال في سبيل الوحدة الاسلامية..
ويشير سيد حسين العفاني، في كتابه éزهر البساتين من مواقف العلماء والربانيين”، إلى أن بعض الشباب المتحمس سأل الشيخ ابن باديس،يوما عن عدم دعوته للإستقلال فكان جوابه:”يا أبنائي من أراد بناء منزلا هل يبدأ بالسقف ؟قالوا:لا، قال فبماذا اذن؟قالوا بالأساس والجدران، فرد : هذا ما أفعله الان نبني الأساس والجدران ثم نبني السقف”.