جند قادة الثورة كل وسائل الكفاح ضد الإحتلال الفرنسي، وأشركوا كل فئات المجتمع الجزائري في معركتهم ضد العدو، منها طبقة العمال بتأسيس الإتحاد العام للعمال الجزائريين في 24 فيفري 1956.
أكد مؤتمر الصومام المنعقد في 20 أوت 1956، أنه ينبغي للطبقة العاملة ان تساهم بصورة فعالة وتكثف نشاطاتها حتى يكون لها الأثر البالغ في دعم الثورة وقوتها ونجاحها النهائي”.
عند اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954، أعلن النقابيون الجزائريون مساندتهم ودعمهم لمسيرة النضال السياسي في الجزائر، ورفضهم للوجود الإستعماري في الجزائر.
ظهرت الحركة العمالية والنقابية في الجزائر، كرد فعل على الواقع الاقتصادي والسياسي وعلى وحشية الإدارة الإستعمارية.
وبحسب الدكتورة توابتي ايمان ريمة سرور، في مقال لها بعنوان” دور الإتحاد العام للعمال الجزائريين في تفعيل مسار الحركة التحريرية ” الصادر بمجلة هيرودت، للعلوم الإنسانية والاجتماعية في2022، فإن تاريخ نشأة أولى النقابات العمالية في الجزائر يعود الى ما قبل فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث شهدت قسنطينة ميلاد أول نقابة جزائرية في 1880، اسسها عمال المطبعة الأوروبيين لتعرف بقية الولايات في فترة لاحقة ميلاد تنظيمات عمالية ونقابية مماثلة”.
وأضافت: ” تشير بعض الدراسات الى ان الساحة الوطنية عرفت منذ 1871، حركة ناشطة للعمال المنتمين لقطاع الزراعة والتي كانت ترمي للقضاء على النظام الإقطاعي في الجزائر، وانهاء بطش واستغلال المستعمرين الأوروبيين بقصد استعادة ملكية الأراضي والممتلكات المحجوزة”.
وأكدت: ” الأمر الذي حرك ادارة المستعمر الفرنسي لإصدار قانون 1881، يحظر ممارسة الحق النقابي بالنسبة للعمال الجزائريين، تحت طائلة توقيع عقوبات جزائية صارمة على كل نقابة او مسؤول يسمح بانضمام الجزائريين لصفوف النقابات الفرنسية، الوضع الذي أدى إلى مضاعفة جهود العمال الجزائريين لتنشيط الحركة العمالية وتأسيس نقابات خاصة بهم فتوالت الإضرابات على المستويات المحلية الجزائر، وهران، وقسنطينة خلال السنوات الأولى من القرن العشرين”.
وأشارت الباحثة، إلى “أن المبادئ المستحدثة على المستويين الدولي والداخلي أثرت بشكل كبير على تفعيل الحركة العمالية في الجزائر، اذ نقلت هذه الأفكار والمبادئ الداعية إلى تفعيل العمل النقابي وحرية التاسيس والنشاط بصورة تدريجية إلى العمال الجزائريين المنخرطين في النقابات الفرنسية ليمثل النواة الأولى، التي كونت مناضلي الإتحاد العام للعمال الجزائريين”.
وأبرزت “أن الجزائريون استغلوا تواجدهم ضمن صفوف النقابات الفرنسية لتنمية قدراتهم ومعارفهم ولإكنساب تقنيات النضال والكفاح الثوري، حيث أن النقابين الجزائريين الأوائل الذين قادوا الحركة العمالية والنقابية في الجزائر كانت ممارساتهم النقابية الأولى في صفوف النقابات الفرنسية والأوروبية، وشهدت العديد من الدول الاوروبية المصنعة، منها فرنسا نشاط نقابي واسع ومكثف”.
وعي بضرورة تأسيس نقابات وطنية
وأوضحت الباحثة:” تنامى الوعي بأهمية وأولوية نأسيس نقابات وطنية للدفاع عن مصالح العمال في الجزائر، وتكوين ناشطين نقابين وسياسيين فاعلين وذوو كفاءة نقابية عالية، حيث اكتسب العمال الجزائريين المنخرطين في صفوف النقابة الفرنسية تقنيات الممارسة والنضال النقابي، وهذا ما مكنهم في وقت لاحق من التنظيم والتكتل بشعار “الحرية و الإستقلال”، لتأسيس نقابات جزائرية مستقلة”.
وأضافت: ” في 1931 بدأت تتبلور فكرة الترخيص للعمال الجزائريين بتأسيس نقابات جزائرية، وبعد مجازر الثامن ماي 1945، شكلت هيئة مركزية للقضايا العمالية في 1947، وعهد إلى رئاستها للمناضل النقابي الشهيد عيسات إيدير، وفي 1948، اخذت اللجنة المركزية للحركة العمالية على عاتقها بناء التشكيلات النقابية في القطاعات الاقتصادية والتجارية و المهنية.”
وأشارت إلى أن الجذور الأولى لتأسيس الإتحاد العام للعمال الجزائريين، تعود إلى المؤتمر التأسيسي لحركة انتصار الحريات الديمقراطية المنعقد في 1947، حيث اتفق على تكوين لجنة مكلفة بالشؤون النقابية والاجتماعية للعمال الجزائريين.
“انبثقت عنها خلايا وفروع داخلية مهمتها العمل على تجنيد صفوف العمال وتنظيمهم ودعمهم داخل المصانع والورشات، ما اسفر عن ظهور العديد من التنظيمات النقابية الناشطة على الساحة الوطنية بدء بميلاد الإتحاد العام للنقابات الجزائرية في جوان 1954، اتحاد النقابات العمالية الجزائرية في 16 فيفري 1956، وبعدها بأسبوع تأسس الإتحاد العام للعمال الجزائريين يوم 24 فيفري 1956.”
وانتخب عيسات إيدير، أول أمين عام للإتحاد الذي انضم فور تأسيسه إلى الإتحاد الدولي للنقابات الحرة وحصل على دعم متواصل في نضاله ضد الإستعمار بمختلف المحافل الدولية.
تمحورت اهدافه حول توجيه العمال الجزائريين المقيمين في الجزائر او الخارج لدعم حركة الإستقلال الوطني، والعمل على اشراك العمال الأوروبيين في الحركة.
بوعلام بوروينة، محمد الزيوي، علي بوجلال، رابح جرمان، الطاهر قايد، عيسات إيدير، ابرز القادة الذين اسسوا الإتحاد العام للعمال الجزائريين، وكان هدف الإتحاد دعم حركة الإستقلال في الجزائر والتعريف بالقضية الجزائرية على المستوى الدولي.
وتؤكد مصادر تاريخية، أنه في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تأسيس الإتحاد العام للعمال الجزائريين في 24 فيفري 1956، انضم إلى صفوفه 71تنظيما يضم في مجموعه أكثر من 100 ألف عاملا وبوسط الجزائر 53 نقابة تابعة للإتحاد ضم اربع اتحادات محلية، وتكوين الإتحاد الجهوي لوهران، وبقسنطينة تكونت العديد من الفروع النقابية في قطاعات مهنية وصل عددها 19 فرعا نقابيا منها مخبر الصحة، المستشفى، التعليم، السكك الحديدية، الاشغال العمومية، نقل المسافرين، العدالة، الفنادق، المقاهي وغيرها. ثم توسعت القاعدة النقابية وامتدت إلى القل، سطيف، وبقية المدن الشرقية.
5 جويلية 1956 أول اختبار ميداني للحركة النقابية
ومن أهم الإضرابات التي شنها الإتحاد العام للعمال الجزائريين، اضراب 5جويلية 1956، وهو اول اختبار ميداني للحركة النقابية الحديثة النشأة لقياس مدى التجاوب والتفاعل ثم اضراب الثمانية أيام من 28 جانفي إلى 4 فيفري 1957، ومظاهرات 1 ماي 1956،تقول الباحثة توابتي.
تجسدت أهداف الإتحاد توجيه كفاح العمال ومسيرتهم للحصول على ظروف المعيشة اللائقة وشروط عمل عادلة ومناسبة، ترقية وتحسين مستوى الوعي النقابي والسياسي لدى العمال بفئاتهم المختلفة وتعريفهم بالحقوق المقررة لهم على المستوى الدولي، بقصد تمكينهم من مواجهة استغلال ونفوذ أرباب العمل الأوروبيين، توحيد العمال الجزائريين المتواجدين داخل الجزائر أو في الأقاليم الأخرى والعمل على الإنضمام للمنظمة الدولية للعمل.
وأكدت دراسة بعنوان ” دور الإتحاد العام للعمال الجزائريين في التعبئة الشعبية ما بين 1956و1962″، نشرت بمجلة أفاق فكرية سنة 2022، للباحثتين وهيبة بن عرج، وأمال علوان، من جامعة الجيلالي ليابس بسيدي بلعباس، أن العمال الجزائريين ساهموا في الخارج مساهمة فعالة وكبيرة في دعم الثورة من خلال الاشتراكات المالية، التي كانوا يدفعونها لفروع فدرالية جبهة التحرير الوطني في مختلف المدن الفرنسية، حيث بلغت اشتراكاتهم 30فرنكا جديدا لكل عامل، وبلغ ما كان يجمعه العمال 500 مليون فرنك فرنسي.
وكان رد فعل السلطات الإستعمارية، هو القيام بمداهمات واسعة استهدفت سكنات المناضلين واتخذت تدابير عنصرية اتجاه الإتحاد العام للعمال الجزائريين ومنعهم من تنظيم الاجتماعات في اماكن العمل.
ومن الوسائل، التي استخدمها الإتحاد الجرائد والمناشير والإذاعة، حيث انشأت جريدة نقابية باللغة الفرنسية في شهر أفريل 1956 بالجزائر العاصمة، تكون اللسان المركزي للإتحاد العام للعمال الجزائريين، بعنوان “العامل الجزائري”، من أجل النضال النقابي وتوحيد الطبقة العاملة تحت لواء جبهة التحرير الوطني.
وفي 6 افريل 1956، صدر العدد الأول من صحيفة العامل الجزائري، حيث تناولت فكرة تأسيس الإتحاد، ونشر في صفحته الأولى صورة للأمانة العامة، التي انتخبت وفي العدد الثاني من الصحيفة أوضح الإتحاد للرأي العام الخط السياسي، الذي حدده لنفسه في مقال بعنوان “من أجل التحرير الوطني ونقابة حركة”، حدد لنفسه مهمة تنظيم العمال من أجل وضع حد للإستغلال.
تؤكد مصادر تاريخية، “أن العدد الأول من الجريدة عرف صدى في الأوساط العمالية، ما أدى إلى مصادرة الجريدة، حيث صدرت في الجزائر ثلاثة اعداد، العدد الثاني صدر بمساحات بيضاء نتيجة الرقابة المفروضة بسبب الدور، الذي أدته في مساندتها لكفاح الجبهة ومواقفها الوطنية القوية تم توقيفها في الجزائر يوم 26جانفي 1957”.
وأشارت دراسة الباحثتين، إلى “أن المعلمين كانوا يقومون بدور مهم في النشر والتصحيح والتسيير في حين تولى عمال السكك الحديدية وعمال البريد مهمة التوزيع داخل التراب الوطني.”
وقعندما ألقي القبض على عيسات إيدير، تولى المهمة مسعودي زيتوني، يساعده كل من دحماني وبن نيقوس، وفي كل مرة تستبدل هيئة التحرير نتيجة سياسة القمع التي تتعرض لها الجريدة باستمرار.
ومن بين المقالات، التي نشرتها صحيفة العامل الجزائري، مقالة بعنوان “من عبودية الفرد نحو التقدم الإجتماعي”، كانت بمناسبة الذكرى الرابعة لإندلاع الثورة.
وجاء فيها: “لم يحمل العمال والشعب الجزائري السلاح للمطالبة بالإصلاحات…إننا نخوض معركة وسنخوضها ما لزم من وقت لدحر العهد الإستعماري ولتحرير التراب الوطني، الذي يمثل نقطة انطلاقتنا الضرورية لإقامة البنى الاجتماعية والاقتصادية، اننا نناضل لوضع حد للاستغلال والاستعباد…نناضل لبناء بلاد عصرية”.
وبفضل المناشير البسيطة والإذاعة اثبت الإتحاد وجوده ونضاله من أجل الإستقلال من خلال المظاهرات والاضرابات وقدمت الاذاعة، التي كان يشرف عليها اسماعيل دحماني، بقسم البرامج العربية والامازيغية بشارع سعدان، رفقة طاقم جزائري خدمات اعلامية كبيرة للإتحاد بتقديم ألات كتابة بالعربية و الفرنسية لصالح الثورة وغطت اخبار الإتحاد وعرفت بأهدافه، أشارت الدراسة.
عيسات إيدير النقابي الرمز
الشهيد عيسات إيدير، من النقابين الوطنيين الذي ناضل من أجل حقوق العمال الجزائريين الإجتماعية والإقتصادية ابان الإحتلال وساهم في التعريف بالقضية الجزائرية، من خلال الإضرابات التي أظهرت للعالم أن هناك شعب محتل يعاني من ويلات الإدارة الإستعمارية الفرنسية، وكشفت عن جرائم هذه الأخيرة في حق الجزائريين وخاصة فئة العمال، الذين قدموا الكثير للثورة.
ولد الشهيد، بتاريخ 11جوان 1919 بقرية جمعة نساريج، التابعة حاليا لدائرة مقلع بولاية تيزي وزو، وسط أسرة متوسطة الحال، كان والده حريصا على تعليمه خاصة عندما رأى فيه تلميذا مجتهدا.
واصل تعليمه داخل الجزائر إلى غاية ذهابه إلى تونس للإقامة عند عمه، عاد إلى الجزائر صائفة 1939، حيث شارك في مسابقة لتوظيف محاسب رئيسي نظمتها شركة الورشات الصناعية الجوية بالقرب من مطار الدار البيضاء بالجزائر .
بدأت تظهر لديه ميولات نقابية نتيجة احتكاكه بالعمال، حيث بدأ يهتم بالدفاع عن مصالح العمال وحقوقهم وراودته فكرة تأسيس حركة نقابية خاصة بالعمال الجزائريين، ما جعل قيادة حركة انتصار الحريات الديمقراطية تعينه على رأس اللجنة المركزية للشؤون الاجتماعية والنقابية مطلع 1949، وكانت مهمتها معالجة المشاكل النقابية والاجتماعية للعمال الجزائريين وتنظيم تعاون العمال الجزائريين وتضامنهم أثناء الإضرابات.
كان عيسات إيدير، المشرف على الركن العمالي بجريدة “الجزائر الحرة” المتحدثة بإسم حركة انتصار الحريات الديمقراطية، حيث كان ينشر مقالته في الكثير من الأحيان بأسماء مستعارة مثل محند أمقران، وعلي تامغوت.
عين في 1951، عضوا في اللجنة المركزية للحركة من اجل انتصار الحريات الديمقراطية إلى غاية اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954، حيث ألقي عليه القبض وسجن إلى غاية منتصف شهر ماي 1955، وبمجرد اطلاق سراحه التحق بالثورة وساهم في تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين ليعين أول أمين عام له.
وعين عضو في المجلس الوطني للثورة في مؤتمر الصومام، وفي 23ماي 1956 أعتقل عيسات إيدير، من طرف السلطات الإستعمارية الفرنسية،حيث عانى في السجون والمعتقلات إلى غاية اغتياله في 26جويلية 1959.
استنكار إغتيال عيسات ايدير في الصحافة
وعن صدى اغتيال عيسات ايدير، في الصحافة، يذكر الباحث الدكتور ابراهيم لونيسي، من جامعة سيدي بلعباس، في مقال صدر بالمجلة التاريخية الجزائرية العدد 02، ديسمبر 2019، جريدة الطليعة المغربية، التي نشرت في عددها الصادر يوم الجمعة الفاتح جويلية 1959، مقالا مطولا بعنوان:”الإستعمار الفرنسي يتوج جرائمه باغتيال الأخ النقابي عيسات إيدير”.
وكتبت: “كنا نشك مقدما بأن النقابي الأخ عيسات إيدير، لابد وأن يكون قد استشهد على يد جلادي الجمهورية الخامسة والاخيرة ولقد تواترت الأنباء تؤيد صحة شكوكنا فقد توج الإستعمار جرائمه باغتيال النقابي عيسات إيدير، رغم جميع الأدلة العالمية التي برأت ساحته، إن جيش الإحتلال يغرق ساحته بمثل هذه الجرائم ليثبت مدى التعفن والإنحلال الذين أحاطا به وبالجمهورية الخامسة، التي يحاول ان يمنحها عظمة مزيفة قائمة على اللصوصية والغدر…إن عيسات إيدير هو في قلب كل عامل مغربي وقلب كل كادح في أي قطر في العالم”.
رغم الجهود لإطلاق سراح عيسات إيدير، إلا أن ذلك لم يجد نفعا واغتيل عيسات إيدير، وقد خصصت الجريدة صفحة كاملة ونشرت مقالا مطولا بعنوان “السلطات الفرنسية تقتل الزعيم النقابي الجزائري عيسات إيدير”.
وكتبت: ة”إن الإستعماريون الفرنسيون ألفوا هذا النوع من الغدر واعتادوا أن يفتكوا بأرواح الأبرياء من المسجونين السياسيين والأسرى، لا يحل في شريعة أو قانون أن يلاقوا القتل والتعذيب وهم في غير ساحة الحرب عزل من السلاح وبين الأسوار السجون وخلف الأسلاك”.
ونشرت الجريدة برقيات التعازي والتضامن، وبعثت برسالة إلى هيئة الأمم المتحدة، جاء فيها:” إن العمال المغاربة إذ يستنكرون اغتيال المسير النقابي الجزائري عيسات إيدير، يطالبون من هيئة الأمم المتحدة أن تجعل حدا للحرب الجائرة التي يخوضها الإستعمار الفرنسي ضد شعب يكافح من أجل استقلاله الوطني”.
وراسلت الجريدة أيضا المكتب الدولي للشغل، جاء مضمون الرسالة:” إن العمال المغاربة يعبرون عن حسرتهم العميقة أمام الإغتيال الغادر الذي ذهب ضحيته المسير النقابي الجزائري عيسات إيدير، ويطلبون منكم أن تستنكروا لدى الرأي العام الدولي الجريمة الاستعمارية الجديدة “.