تحدث الدكتور كديدة محمد مبارك، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة تمنغست، في حوار لـ”ذاكرة الشعب”، عن واقع الدراسات التاريخية بالجنوب وأهمية القصائد الشعبية الثورية في كتابة التاريخ المحلي، وأهمية البعد الإفريقي، غيرها من المواضيع المتعلقة بالذاكرة الوطنية.
هناك نقص في الكتابات التاريخية عن الجنوب، ما مرد ذلك؟
سبب نقص الكتابات التاريخية عن الجنوب هو عدم وفرة المصادر،كما اننا كمؤرخين لم نهتم بالمصادر المحلية المتناثرة في دول الجوار، وفي المقابل نجد كتابات المدرسة الفرنسية الإستعمارية عن الجنوب كثيرة.
وأشير هنا إلى أن المصادر المحلية موجودة حتى في الدول الشقيقة أو الصديقة والجارة مثلا مالي، ودول وصلها الإشعاع الثقافي وتأثير بعض الشخصيات الجزائرية سواء كانت علمية أو ثقافية أو حتى في إطار تجارة القوافل التي كانت عابرة للصحراء قبل دخول الإحتلال الفرنسي للجزائر.
كل هذا التراث الكبير جدا، الذي يضم فتاوى ومراسلات ونوازل يمكن استخراج منها الكثير من الأشياء المتعلقة بالجانب التاريخي والتراثي والإقتصادي والثقافي والإجتماعي والديني وغيرها من المجالات، التي ركز عليها الإحتلال الفرنسي وبقينا نحن محاصرين أنفسنا بتبرير اننا نحتاج فقط المادة المصدرية الموجودة عند الطرف الآخر أي الطرف الفرنسي.
ويمكننا استغلال ما نتوفر عليه من مادة محلية أو تلك الموجودة بدول الجوار. الإشكالية هي قضية المصطلحات والتفسيرات من خارج الإطار، فيها شقان، الأول يحتاج منا ايجاد حل سريع، يجب أن يشتغل عليه المؤرخون، في كامل التراب الوطني، وهو ابراز الخلفيات الفلسفية والايديوبوجية التي أثرت في الكتابات الفرنسية، ولاحظنا هذا العمق عند الكثير من الأساتذة.
بعض الكتاب الفرنسيين سواء كانوا عسكريين أو سياسيين أو مثقفين ينتمون الى تيارات ايديولوجية وفكرية مختلفة، لا يمكن اتهامها بأنها غير موضوعية. لم نضع الأساس الذي نسير عليه ذلك التفسير.
خلل في ضبط المصطلحات وأسماء الشخصيات والأماكن
الشق الثاني وأراه ضروريا من أي وقت مضى، هو العودة إلى ضبط المصطلحات وأسماء الشخصيات والأماكن. لدينا خلل كبير في هذا المجال. التفسيرات كثيرة جدا في الجنوب الجزائري، مثلا مؤخرا أعيد تسمية المناطق في الجنوب بالأقاليم التاريخية وهذا شئ جميل نأمل أن يعمم.
تمنيت لو أن منطقة عين صالح، يعاد تسميتها بتديكلت أي التسمية الأصلية، مثلا تمنغاست صححت بشكل رسمي كانت لسنوات طويلة، تسمى تمنراست، بحرف الراء عوض الغين، لأنها نقلت من الترجمة السابقة بالفرنسية، فقط سكان الأهقار، من ينطقونها بشكل صحيح، والآن عين قزام وطينزواطين كل التسميات عادت.
اشكالية التسميات في العديد من المناطق، ونطقها المحلي الصحيح حتى في الشمال الجزائري طرحها الكثير من الزملاء، نحتاج مراجعة كبيرة جدا لهذا التراث.
ومن الصعوبات الكبيرة جدا عدم الإحاطة بكامل جوانب التأثيرات الثقافية والتداخلات التي كانت للطرق الصوفية مثلا، انسقنا وراء تفسيرات الطرف الفرنسي. فرنسا كانت تعادي الطريقة السنوسية على سبيل المثال لا الحصر، كتبت عنها بطريقة عداوة وبالتالي بعض الباحثين يتأثرون ببعض التفسيرات.
موضوع التجاذبات الإيديولوجية نقطة حساسة جدا ولا يرغب الكثير من المتخصصين الحديث عنها. في أكثر من مناسبة تحدثت عن ضرورة تفعيل الجزائر لكل الأبعاد التي تشكل القوة ولا نرتكز فقط على بعد واحد.
الأكاديمي يجب أن يحترم الثقافة لا يكون معاد لأي ثقافة أو جهة أو ركن في الجزائر، ولا يكون معاد للغة ولا للتراث، بالتالي البعد الإفريقي مهم جدا. اليوم بالنسبة للجزائر، العالم كله يتوجه نحو إفريقيا ونحن ما نزال ضعاف جدا في هذا المجال.
لا ننكر أن الصورة تحسنت، الآن فيما يخص الإهتمام بالبعد الإفريقي مقارنة بالسنوات الماضية، ولكن ما زالنا نحتاج جهدا في هدا المجال، وايضا لا يجب أن نغفل البعد المتوسطي والمغاربي والإسلامي والعربي، ولا نغلب بعدا على آخر، ينبغي أن يكون في حسابات الأكاديميين كذلك.
التاريخ هو القاطرة الاساسية وأهم لبنة اذا عرفنا كيف نكتبه، سنطمئن لأنه من الدعائم الأمنية للذاكرة الوطنية.
استطاعنا رسم معالم المدرسة التاريخية الجزائرية، هناك باحثين في مختلف المجالات يبحثون في مواضيع متخصصة وفي أدق التفاصيل.
في جامعة تمنغست ترأست مشروع دكتوراة حول “الإستعمار الفرنسي بالجزائر تحولات ومقاومات”، وطلبت من الطلبة الناجحين اختيار مواضيع تخص الجنوب وأقصى الجنوب الجزائري، الذي لم يكتب فيه لنكمل حلقات التاريخ الجزائري التي لم تكتب.
هناك من الطلبة من عمل على موضوع الأبراج والحصون الفرنسية ودورها في التوسع، وآخر تحدث عن أهم الحملات العسكرية نحو منطقة الأهقار، وآخر يتكلم عن الجانب الثقافي والطرق الصوفية. كررنا الأمر كي لا يبقى مرتبطا بحيز واحد.
العام الماضي فتحنا تخصصين في التاريخ الثقافي والديني للجزائر في الدكتوراة وهو مهم جدا وكان فيه طلبة اشتغلوا على هذا الموضوع. ركزنا على اختيار النخبة المتمكنة من هذا الجانب وكانت مركزة على الجنوب الجزائري التاريخ الثقافي والديني بهذه المنطقة وتناول طلبة الدكتوراة مواضيع كلها تخص الثقافة او أقصى الجنوب الجزائري.
ومن الطلبة من تناول موضوع الإستيراتيجية الثقافية واللغوية للاحتلال الفرنسي في الجزائر، واختاروا كلانستني موتنسكي، وشارل دوفوكو نموذجا، الجميع يتكلم عن شارل دوفوكو، ولكن لا أحد يتكلم عن كلاسنتي موتنيسكي، المتخصص في الليسانيات، وهو أول من اهتم باللهجات الامازيغية وبلهجة بني ميزاب، وبلهجة الطوارق في غدامس، قبل الإحتلال الفرنسي لمنطقة الهقار وانزجر.
ولهذا بعد احتلال منطقة الأهقار، أعطى المنهج لشارل دوفوكوا كي يسير عليه. الزملاء يشتغلون على مواضيع مهمة جدا مرتبطة بالجانب الثقافي والطرق الصوفية وبعدها الى افريقيا وامتدادنا وهو الذي نحتاجه اليوم.
هذه المواضيع ستسهم وتساعدنا في رسم خارطة طريق، فتحنا تخصص افريقيا وربطناه بتاريخ الجزائر وإفريقيا، الذي سمح لنا بتكوين متخصصين يمكن تعيينهم كملحقين ثقافيين في سفاراتنا بدول إفريقية حتى نعرف كيف نستخدمهم كأدوات الدبلوماسية الناعمة، نحتاجهم اليوم.
ما هو واقع الدراسات التاريخية في الجنوب؟
مؤخرا لاحظنا تشجيعا من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، سمحت لنا بفتح مشاريع بحث للزملاء الأساتذة، والتي تركز على مشاريع البحث التكويني الجامعي، التي سمحت عبر منصة رقمية للأساتذة للإشتغال على محاور وتكوين فرق بحث مستقلة تابعة للوزارة، إما موطنة في مخابر البحث التابعة للجامعات، وحتى الذين لا يتوفرون على مخابر الوزارة سمحت بتوطينها في الكليات والجامعات بناءا على طلب اعضاء الفرقة.كل مواضيعها تقريبا تدور حول الجنوب الجزائري.
أترأس فرقة “تاريخ الإحتلال الفرنسي أو الإحتلال الفرنسي في أقصى الجنوب الجزائري”، اشتغل رفقة بعض الزملاء وثلاثة من طلبة الدكتوراة، وهناك زملاء اخرون يشتغلون على مواضيع الصحراء والصحراء الكبرى، كتابات الرحالة والأجانب في الصحراء الجزائرية والإفريقية الكبرى.
فيه تشجيع لهذا المجال، لكن أرى أننا مازلنا نحتاج مزيدا من المجهودات، خاصة من بعض الزملاء في بعض الجامعات، الذين اشتغلوا في جامعات وهران أو قسنطينية أو الجزائر العاصمة، البويرة وبومرداس، على بعض المواضيع.
وهنا لابد من التنسيق بيننا، لأن أعمالهم من الناحية العلمية والأكاديمية جميلة جدا، المشكلة فقط في التفسيرات من خارج الإطار الحضاري، التي وضعها الإحتلال الفرنسي بين طيات تلك المصادر وهذه هي الإشكالية الكبيرة التي نواجهها اليوم.
بالنسبة للقصائد والأغاني الشعبية والثورية، كيف يمكن استغلالها في كتابة الذاكرة الشعبية، وبالتالي كتابة تاريخ الجزائر؟
أنا وزميلي الدكتور نواصر، سجلنا مع مجموعة من الشيوخ في قرية تبعد عشرين كلم عن عاصمة الولاية تمنغست، حول بعض الملامح والمعارك والأحداث التي ماتزال تحفظ في تيسوات أو الشعر الترقي وفي كل مرة نكتشف من يحفظ هذه القصائد التي تعد جزءا من الذاكرة الشعبية المحلية.
لكن للأسف، ما زلنا لم نلمس شجاعة لدى الطلبة للتطرق الى مثل هذه المواضيع، كانت هناك طالبة متمكنة جدا في هذا المجال، لأنها تمكنت من التسجيل مع بعض النساء في بعض الأماكن، بحيث يمكن للطلبة النفوذ إليهم اكثر مما ينفذ اليهم الأستاذ، وبالتالي تجمع تلك الاشياء المكتوبة او الشفهية.
أذكر أنه في منطقة تيديكلت، اشتغل بعض الباحثين وجمعوا قصائد الشعر الشعبي، التي وثقت للمقاومة في مناطق اينغر أو عين صالح، يمكن ان تستغل تلك الأشعار مستقبلا في كتابة التاريخ أو ابراز ما حدث سواء كانت مجازر أو معارك فيها بطولات أو شخصيات.
شخصية أتاسي تغلال مهمشة في الكتابات التاريخية
الإشكالية الكبيرة، هي أن شخصيات المقاومة في الجنوب غير معروفة على الساحة الوطنية. تحدثت في ورشة علمية على هامش الملتقى الوطني حول “اشكالية كتابة التاريخ الوطني والذاكرة الذي انعقد مطلع مارس، بنادي الجيش بالعاصمة، عن شخصية أتاسي تغلال، التي من المفروض أن تحظى بنفس شهرة الشيخ أمود، لأن هذا الاخير لجأ الى منطقة الأهقار قادما من أزجر، وكبر في المنطقة.
لكن أتاسي، الذي من المفروض أن ينصب امنوكال وأمين عقال الأهقار، همشه الإحتلال الفرنسي والكتابات الفرنسية لأنه رفض التعامل مع الاحتلال، وللأسف همشه الباحثون الجزائريون بعد استرجاع السيادة الوطنية هو وغيره من الشخصيات، التي اشتغلت في المجال الثقافي وكان لها دور اصلاحي وعلمي.
في هذا الشأن، نحاول في مخبر الموروث العلمي الثقافي تشجيع بعض الأساتذة الذين بدأو يكتبون عن بعض هؤلاء الشخصيات والأعلام، وطبعت بعض الكتب سواء فردية أو جماعية، لأنه أحيانا لا ننتظر أن يكون البحث فرديا، بل بالعكس عندما يكون البحث جماعيا حتى ولو كان قليل الصفحات هو مفيد جدا.
فيما يخص الذاكرة الشعبية الأساتذة سجل المختبر مع واحد من أهم الشيوخ في المنطقة يدعى يحظيه السملالي، جاء من موريتانيا، وتعلم في الأزهر، كان متنوع التكوين ثم عاد الى الأهقار وقام بإصلاح وتعليم، نصف المعلومات نقلت من الذاكرة الشعبية ومن تلاميذته واخرهم كان كبيرا في السن توفي في سن 80 سنة، منذ شهر تقريبا في بلدية أبلاسة. يجب ان نعمل على تسجيل ما تحفظه الذاكرة بعد الغربلة والتعامل مع المادة وهي وظيفة المتخصصين، لكن يجب أن نجمع المادة قدر المستطاع.
نلاحظ اليوم، صدور مذكرات شخصية لبعض المجاهدين، هل يمكن استغلالها في كتابة تاريخ الجزائر؟
اذا قارنا انفسنا بدول أخرى، أرى أننا متأخرون في هذا المجال، ولم نكتب عنه كثيرا، لهذا أشجع السياسيين اليوم، الذين هم في دواليب السلطة وصنع القرار، لما يركنوا للراحة أن يكتبوا مذكراتهم لأن الجيل القادم سيبحث عن المعلومات وعن تاريخه، ويمكن ان يأخذها من تقارير، تظهر هنا وهناك لأطراف خارج الجزائر، لهذا هذه المذكرات مهمة جدا.
بالنسبة للجنوب، وانا اشتغلت كثيرا على مواضيع الثورة، لما نتحدث عن موضوع الجبهة الجنوبية، نلاحظ أن القادة من الصف الأول من قادة الثورة، الذين كتبوا مذكراتهم قلة وشهادات مسجلة، فمثلا من قادة الثورة التابعين للولاية الخامسة او السادسة التاريخية أذكر جغابة، أقول أنه من الصف الأول لأنه كان مباشرة مع شعباني وسي الحواس، وهذا الصف الأول لم يكتب، فما بالك بالصف الثاني، الذين وجدوا قادتهم لم يكتبوا فلم يكتبوا هم.
وجدنا انفسنا في ورطة كبيرة جدا، خاصة أن المذكرات تساعد في نقل التجربة مثلما وقعت ونقل بعض الأحداث، التي لا تتحدث عنها بعض الوثائق، صاحب المذكرات يخبرك عن أدق تفاصيل مثلا مع من إلتقى وأين ذهب وأين ارتاح، والصعوبات التي اعترضته، واحيانا يتحدث عن اشياء قد تبدو هامشية للناس، ولكن هي مهمة جدا للباحث والمؤرخ يستخرج منها الكثير من المعلومات.
العديد من المؤرخين نادوا بإنشاء مدرسة تاريخية بأقلام جزائرية، كمؤرخ كيف ترى هذه المدرسة؟
أضم صوتي لصوت الزملاء. مشكلتنا هي عدم القدرة على هيكلة الأمور، في السابق كانت محاولة بناء موضوع التاريخ والذاكرة بعيدا عن المختصين سنوات وهذا لا يصلح، حاليا هناك توافق وجهة نظر بين الباحثين والوزارات المعنية تساعدنا على البناء، وزارة المجاهدين مشكورة على مبادراتها في تنظيم ملتقى وطني حول اشكالية كتابة التاريخ الوطني والذاكرة”، مؤخرا، حيث ركزت على الأساتذة المتخصصين في التاريخ.
لدينا أساتذة متخصصين في التاريخ الحديث والمعاصر، وأساتذة متخصصين في تاريخ الجزائر والثورة والمقاومات الشعبية، نستطيع بناء جسر او خارطة طريق، نأمل أن تكون مخرجات الملتقى شيئ عملي يجعلنا نعود الى السكة ونتبنى خارطة طريق تجعل الباحث، الذي يتحدث في جامعة تمنغست هو نفسه الذي يتحدث في بومرداس أو غيرها من الجامعات، في شكل نسق واحد.
كل أمة لديها الأساسات التي تبني عليها تاريخها. نحن بحاجة الى هذا الأمر لأننا رأينا الكثير من الأمور التاريخية التي نملكها سرقت ونسبت لغيرنا، بسبب أننا بقينا مكتوفي الأيدي ولم نستطع الإتفاق على خارطة طريق موحدة.
منذ ثلاث سنوات نتحدث عن الذاكرة الوطنية، كيف يمكن بناءها وتحصينها؟.
لا يمكن بناء الذاكرة الوطنية بمنظور واحد، الذي لاحظته عند بعض الباحثين، هو التركيز على البعد العربي، فقط.
من المفروض التركيز على كل الأبعاد. الذاكرة لا تبنى على تاريخ معين، ما يعطي للجزائر بعدا وعمقا هو البحث في فجر التاريخ وهو ما يجعلنا نفتخر بين الأمم، ويجب تدريسها للأجيال لأننا متوغلين في التاريخ وهناك شواهد مادية.
ما أتعجب منه وسألت بعض الزملاء الأساتذة في علم الأثار، لماذا لا نستطيع انشاء متاحف تسمح للزائر الوطني قبل الخارجي، بمعرفة مراحل التاريخ في كل منطقة، مثلا فندق بمنطقة الأهقار احتضن مؤخرا أهم حدث في تاريخ الثورة بالمنطقة، وهو تصدي الأمنوكال اخاموخ، لمؤامرة فصل الصحراء، لماذا لا يحول هذا الفندق المهمل، الى متحف وتوضع فيه كل مقتنيات هذا الرجل المجاهد والزائرين سواء وطنيين أو أجانب يتعرفون على هذه الشخصية ومقاومتها للإستعمار.
الذاكرة اشمل، والتاريخ جزء من الذاكرة، الذاكرة تشترك فيها قطاعات عديدة التعليم العالي والبحث العلمي، التربية الوطنية، الثقافة، وأحيانا الشبيبة والرياضة لأنه في التظاهرات الدولية التي ننظمها يجب إظهار صورة الجزائري في نوعية اللباس، طريقة الاستقبال والأكل الذي نقدمه للأجنبي الزائر، أو في العملة، وكل ممارسات الحياة الموروثة.
حتى التسميات، اليوم نواجه خطر التغيير في الهوية، اليوم يخجلون من بعض التسميات القديمة، التي تعبر عن هويتنا، في حين نستورد تسميات اخرى.
اين الإنتاج السينمائي، يجب ان تجلس كل القطاعات المعنية جلسات مطولة، وتصحيح الأمور بالتدريج لا يهم المدة، التي تستغرق المهم ان هناك هدف واضح وأساسي نسعى للوصول اليه.
ضرورة تعميم التاريخ لكافة الشعب العلمية والتقنية
تحدثتم مؤخرا في ورشة على هامش الملتقى الوطني حول اشكالية كتابة التاريخ، عن تعميم التاريخ في المنظومة التربوية، كيف ترى تدريس التاريخ؟
طالبت بضرورة تعميم التاريخ لكامل الشعب العلمية والتقينة، وفي الجامعات يجب ان يدرس لكامل التخصصات، هذا معمول به في الدول التي تحترم نفسها وتعترف ان لها جذور حضارية، اصبحنا نرى مفاهيم مغلوطة، لا يمكننا استيراد حضارة وتاريخ.
لهذا أرى من الضروري جدا أن لا نكتفي بتدريسه للشعب، التي هي من تخصصها وتركز عليه، أو لها فيه أولوية على الشعب الأخرى.
أمر آخر، هو الإستعانة أكثر بالمتخصصين في اختيار النصوص التاريخية والشخصيات، التي تدرس للأطفال في المنظومة التربوية، بحيث تكون شاملة للتراب الوطني وكل الأبعاد التي ذكرتها أنفا مهمة للجزائر.
بمكن إطاء الطفل في المدرسة صورة تتماشى مع سنه، مثلا في الإبتدائي نعرف بكبار المقاومين مثلا الأمير عبد القادر، أحمد باي، أما مرحلة ما قبل التاريخ بتفاصيلها، التي لا يدركها الطفل في المرحلة الإبتدائية من المفروض تركها لمرحلة المتوسط كي يستوعبها.
أدعو الى الحفاظ على صفحات علاقات الجزائر ببعض الدول الشقيقة والصديقة ويجب تدريس هذه الأجيال هذه الصفحات من العلاقات، مع فلسطين، جنوب إفريقيا، غينيا.
هل سمعتم مرة باحثا ذكر غانا، مع العلم أن هذه الأخيرة هي أول دولة دافعت عن استقلال الدول الإفريقية، وهي التي احتضنت الدول الافريقية المستقلة بعقد مؤتمر الشعوب. وهي أول دولة منحت شحنة كبيرة من السلاح للثورة الجزائرية، وفي المؤتمرات التي نظمتها غانا، لأول مرة تطالب حكومات الدول الإفريقية بتخصيص ميزانية لتمويل الثورة الجزائرية، لماذا لا ندرس هذه الأشياء للأطفال اليوم.
السياسيون والمجاهدون من الجيل الأول، الذين كانوا في دواليب السلطة عارفون بهذه الأمور، لهذا كانوا يتعاملون مع بعض الدول بمسح الديون، لأن مسح الدين مقابل أشياء معنوية حصلنا عليها اثناء الثورة. العلاقة متينة جدا.
وبالتالي هذه الأشياء يحتاجها الطفل وحتى بعض صناع القرار، معرفة هذه الصفحات حتى لا يخطئ عندما نقرأ مذكرات بعض القادة الذين اختيروا لتولي السلك الدبلوماسي في فترة الثورة، تتعجب كيف كانوا متمكنيين في معرفة دواليب الأمور في افريقيا، أتحدث عن افريقيا لأن الأنظار اليوم كلها تتوجه نحو افريقيا والجزائر بلد محوري في افريقيا ويجب ان نستعيد دورنا الريادي والمؤثر في افريقيا.
كيف ترون التاريخ في اهتمامات سياسة الدولة الجزائرية المستقبلية؟
اليوم تتوفر الإرادة السياسية والمجسدة في انشاء اللجنة الخماسية، وإجتماعاتها الدورية بحضور اكثر من 500 استاذ، اجتمعوا مع اللجنة في اجتماعات جهوية ووطنية لرسم خارطة الطريق،وتوفير كل الإمكانيات لتنظيم ملتقى وطني حول اشكالية التاريخ الوطني والذاكرة، مؤخرا بالعاصمة. اتمنى مزيدا من الدعم والإرادة السياسية.
الحديث عن الذاكرة واضح اليوم في وسائل الإعلام وفي الخطاب السياسي الذي أولى أهمية قصوى لهذا الموضوع.
نحن مقبلون على الإحتفال بسيعيينة الثورة أتمنى استغلال هذا الحدث على المستوى الوطني والدولي أحسن استغلال لإعادة الإعتبار للتاريخ الوطني، وتاريخ الثورة الجزائرية بصفة أخص.