تنظم جمعية محمد ولد علي للترقية الثقافية بالعين الصفراء ولاية النعامة ملتقى تاريخي، إحياءا للذكرى الـ122 لاستشهاد محمد ولد علي، يوم 3 أكتوبر2022.
يتناول الملتقى إبراز مقاومة جبال القصور التي استشهد فيها محمد ولد علي ووالده،وبسالة الشهيد في عرقلة توغل المستعمر الفرنسي إلى الجنوب الجزائري بعد أن خاض عدة معارك، أهمها معركة جبل بني سمير.
شنت فرنسا حربا على المغرب الأقصى بإسلي بالقرب من وجدة بدعوى ملاحقة الثائرين ضد فرنسا ومنع السلطان عبد الرحمن من مساعدة الأمير عبد القادر في يوم 14 أوت من سنة 1844.
وكانت الأراضي المغربيةقاعدة خلفية للمقاومة الجزائرية، وانتهت هذه المعركة بهزيمة كبيرة للمغرب وقتل عدد كبير من جنوده ، وأجبرت المغرب على إمضاء اتفاقية” لالا مغنية ” في 18 مارس 1945 وكان من أهم بنودها :
رسم الحدود بين المملكة ومستعمرة الجزائر الفرنسية، وتخلي السلطات المغربية عن تدعيم مقاومة الأمير عبد القادر.
ونصت في بندها الخامس على تعيين القصور الصحراوية التابعة لكل دولة وأصبح ( قصري إيش وفجيجمغربيان ، وقصور : العين الصفراء – صفيصيفة – عسلة –تيوت – الشلالة – الأبيض سيد الشيخ – بوسمغون قصور جزائرية.
وبعد هذه الاتفاقية أخذ الاحتلال يخطط للتقدم نحو الجنوب الغربي لاحتلال القصور التي نصت الاتفاقية على تبعيتها له، وأرسلت بعثات وطوابير عسكرية من أجل الاستطلاع والتخطيط لاحتلال هذه المنطقة.
قوات الاحتلال تحكم سيطرتها على منطقة القصور
شدد الاستعمار خناقه على المنطقة فمع بداية 1883 معظم سكان المنطقة أعلنوا خضوعهم لسلطة الاستعمار حسب تقرير أعده الرائد مرميMarmet، باستثناء مجموعة من قبيلة أولاد عبد الله.
جاء في تقرير الرائد مرمي: “ما عدا عددا قليلا من الخيام كلهم من أولاد عبد الله، رفضوا ذلك، ولجأوا إلى جبل بني سمير، ولم يخضعوا لأي حكم ، وكونوا مركزا أصبح ملجأ لكل الرافضين لسلطتنا وأشرار المنطقة…. إن أولاد عبد الله قاموا بمقاومة قوية ضد وجودنا، واستطاعوا أن يفلتوا من غزونا “
مقاومة بني سمير
وقعت أول مواجهة بين سكان بني سمير وقوات الاحتلال يوم 5 نوفمبر1881، جهز المستعمر قوات هائلة تتكون من أربعة كتائب، بقيادة ثلاثة ضباط سامين، الأولى بقيادة المقدم ” ديركسك“.
والثانية يقودها الرائد ” ليشار، والثالثة بقيادة العقيد ” سويني“، واعترف المحتل بصعوبة المواجهة التي شاركت فيها حتى النساء.
فحسب إحدى التقارير جاء فيها : “لقد كانت لحظة صعبة… لم نكن ندافع عن أنفسنا من هجمات الرجال فقط، ولكن أيضا التصدي للنساء العربيات اللائي تسلحن بصخور كبيرة التي أصابت معظمها جنودنا “.
وقد تكبد المستعمر في هذه المعركة خسائر بشرية معتبرة حسب اعترافاته تمثلت في قتل ضابط برتبة ملازم أول ” le lieutenant LE Drapier ” ، و إصابة ضابطين برتبة نقيب، وثلاثة برتبة ضابط صف بجروح و يتعلق الأمر بالنقيب ” شيلار والنقيب هنري” والمساعد بيغات و المساعد ” شموتز“، و الرقيب موشار.
ولم يذكر الجرحى من الجنود العاديين لأن معظمهم كان من الزواف الذين لا يوليهم أية أهمية ، ولا يريد تضخيم خسائره، واكتفى بذكر أنهم إنسحبوا، واستمروا في إطلاق الرصاص عليهم طيلة اليوم.
وفي 1887 وصل القطار من المشرية إلى العين الصفراء ، وشرع الاستعمار في تنفيذ مشروعإنجاز خط السكة الحديدية إلىبشار من أجل احتلال الجنوب والتوغل إلى الصحراء الكبرى، ومن أجل تأمينه أنشأ مراكز متقدمة،تحرسها حاميات عسكرية في كل من مغرار، وجنين بورزق وديفيري ( الواد لخضر حاليا )، وجنان الدار بالقرب من بني ونيف.
فأصبحت هذه المراكز هدفا للهجمات اليومية لثوار بني سمير، من أجل قتل جنود المحتل المعتدي واغتنام الأسلحة.
أرسلت القوات الاستعمارية فرق عسكرية إلى جبل بني سمير، يذكر شيوخ أولاد عبد الله من الذين عايشوا هذه الأحداث أو تناقلوها عن أبائهم أنها وقعت مابين 1881 تاريخ أول مواجهة بين الطرفين وسنة 1900 تاريخ استشهاد زعيم المقاومة محمد ولد بعد أن خاض معارك عديدة أهمها معركة كرسيفان، معركة حواص ، معركة حرث الشادلي، معركة رأس بني سمير و معركة مرغدن.
إلا أن هذه الدوريات كان يتصدى لها المقاتلون بكل شجاعة وبسالة، فتعود أدراجها في كل مرة منهزمة مخلفة وراءها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، الأمر الذي شجع المجاهدين.
فانتظم الرافضون للاحتلال الفرنسي من قبيلة أولاد عبد الله، والثائرين من قبائل أخرى بقيادة محمد ولد علي في فرق قتالية.
وتضاعفت هجماتهم على المستعمر خاصة بعد أن وصل القطار إلى العين الصفراء في 1887 وإنشاء مراكز متقدمة لإيصال خط السكة الحديدية إلى بشار.
بعد موافقة السلطاتالفرنسية العليا على القيام بعملية عسكرية ضد ثوار بني سمير، بدأ العقيد ” بيي Billet ” يعد خطته.
تقرر إجراء هذه العملية ابتداء من يوم1 أكتوبر 1900 في سرية تامة، و يقوم بها مجندون عرب من قبائل المنطقة و بقيادة ضباط فرنسيين، و أوكلت مهمة تجنيد هؤلاء الأهالي إلى أغا القصور والعمور الذي استدعى بدوره القياد لتجنيد أفراد قبائلهم.
إضافة إلى مهاجمة الجبل من الجهات الأربع وغلق كل المنافذ لمنع المقاومين من الانسحاب، و تقسيم المجندين للقيام بالعملية إلى أربع فرق، الأولى يقودها الملازم الأول مارتن مسؤول مكتب العرب للعين الصفراء مكونة من 300 رجلا من المشاة و12 فارسا.
تمركزت ” ببن يخو ” غرب مدينة العين الصفراء، مهمتها محاصرة جبل بني سمير من الناحية الشمالية الشرقية ومهاجمة المقاومين في كل الاتجاهات، الفرقة الثانية بقيادة – بيريو ملازم أول مسؤول مكتب العرب بجنين بورزق متكونة من 109 فارسا.
تمركزت بجنان الدار ( قرب بني ونيف )، مهمتها حراسة جبل بني سمير من الناحية الغربية ومنع أي دخول أو خروج إلى الجبل، وربط الاتصال بالقوات التي يقودها الملازم الأول Rusé.
والفرقة الثالثة بقيادة الملازم الأول – Rusé مسؤول مكتب العرب للمشربة متكونة من 200 فارسا مهمتها محاصرة جبل بني سمير من الناحية الشمالية الغربية، وإقامة مراكز في كل من الركيزة والعطاطيش وربط الاتصال بالملازم الأول Berriau.
وتدعيمه ب 50 فارسا فيما قاد الفرقة الرابعة الكولونال Billet نفسه ويساعده الملازمان الأولان Portmane والمترجمBrossartوهي متكونة من 200 مجندا، مهمتها محاصرة المقاومين جنوبا وربط الاتصال بجميع الفرق المحاصرة للجبل، وذلك بإقامة مركز القيادة العامة في الرصفة الطيبة ببني ونيف ومقرا لها.
وانطلقت كل الفرق يوم أول أكتوبر 1900 اتجاه جبل بني سمير، وحاصرته من جميع الجهات فكانت بداية انطلاق المعارك منها معركة الغروطة التي وقعت يوم 02 أكتوبر1900، و قادها الكولونال Billet على رأس 200 مجندا.
لم يكن عدد المقاومين يتجاوز 25 رجلا، دامت هذه المعركة حوالي ساعتين أبلى فيها المجاهدون بلاء حسنا، إلا أن قلة عددهم وعدم استعدادهم جعلهم ينسحبون بعد أن استشهد منهم ثلاث مجاهدين وامرأة وجرح آخر، وأسر 04 رجال كلهم شيوخ و12 طفلا و17 امرأة.
و سلب عدد من الماشية والخيام، و ثاني معركة فهي معركة ياشو وهي واحة في سفح جبل بني سمير شمال الغروطة، وتواصلت بنفس عدد العدو 200 مجندا بقيادة العقيد Billet وحوالي 15 مقاوما من المنسحبين من الغروطة.
صمد المجاهدون صمود الأبطال أرغموا العدو على الانسحاب إلى مركز القيادة، وقد أسفرت هذه المعركة عن استشهاد مجاهد.
ووقعت معركة وادي الحلوف بين القوات التي قادها الملازم الأول Berriau وأربعة رجال من قبيلة أولاد جرير ( من قبائل بشار).
واستشهد رجل وانسحاب الآخرين وحجزت الجمال الخمسة المحملة بالبضائع وأسر بوعلام ولد علي أحد إخوة محمد ولد علي، ونهب عدد من المواشي.
بعد الإعلان عن استشهاد محمد ولد علي المطلوب الأول في هذه العملية العسكرية، أعلن العقيدBillet انتهاء المعركة العسكرية في جبل بني سمير، وأصدر تعليماته إلى جميع قادة الفرق للالتحاق مع جنودهم إلى مركز القيادة بالرصفة الطيبة مساء يوم 3 أكتوبر 1900.
فقد استعجل إنهاء العملية بسرعة ولم يستطع مواصلة تمشيط الجبل،خوفا من أن تلحق به هزائم بعد عودة معظم رجال قبيلة محمد ولد علي الذين كان معظمهم في الواحاتالتي يمتلكونها، لأنه كان وقت جني التمور.
كان ذلك بمثابة هروب من ميدان المعركة وإقرار بصعوبة المهمة، وفي صبيحة يوم 4 أكتوبر 1900 انطلق الجميع نحو مدينة العين الصفراء يحملون رأس الشهيد محمد ولد علي، ويقودون المواشي المسلوبة وكذلك الأسرى الذين كان معظمهم من النساء والأطفال.
رغم أن النتائج الواردة في تقارير الضباط الفرنسيين مشكوك في صحتها،قللوا من خسائرهم ولكن مع ذلك اعترف العقيد Billet قائد العملية العسكرية أن العملية لم تحقق جميع أهدافها.
فكانتالخسائر في صفوف المجاهدين إستشهاد 1 مجاهدا وجرح اثنين،و أسر 44 فردا يتوزعون كالأتي 09 رجال ، 23 امرأة و 12 طفلا ، وسلب 1328 رأس من الماشية ما بين غنم وماعز وبقر وإبل.
و قدرت قيمتها ب 10120 فرنك فرنسي، دون حساب الأشياء الأخرى التي تركت لنهب المجندين كالخيام والمؤونة وأشياء أخرى.
و الخسائر في صفوف العدو قتل 03 جنود وجرح اثنين، قتل 05 جياد وجرح ثلاثة، إلا أن هذه الحصيلة مشكوك في صحتها لأن الاستعمار كعاداته يقلل من خسائره حفاظا على معنويات جنوده.
فكانت الخسائر في صفوف المجاهدين إستشهاد 1 مجاهدا وجرح اثنين،و أسر 44 فردا يتوزعون كالأتي 09 رجال ، 23 امرأة و 12 طفلا ، وسلب 1328 رأس من الماشية ما بين غنم وماعز وبقر وإبل.
و قدرت قيمتها ب 10120 فرنك فرنسي، دون حساب الأشياء الأخرى التي تركت لنهب المجندين كالخيام والمؤونة وأشياء أخرى.
و الخسائر في صفوف العدو قتل 03 جنود وجرح اثنين، قتل 05 جياد وجرح ثلاثة، إلا أن هذه الحصيلة مشكوك في صحتهالأن الاستعمار كعاداته يقلل من خسائره حفاظا على معنويات جنوده.
إن ما تعرض له سكان بني سمير كان إبادة بمعنى الكلمة، فقد استهدفت العملية تحطيم كل ما هو حي قتل ، نهب و سلب، و أثارت هذه العملية غضب واستنكار الأحرار من الفرنسيين ومنهم الصحفي المحققE.Giraut الذي كتب مقالا في صحيفته حول هذه المعركة بعنوان ” مستعمرة جهنم ” une Colonie d’enfer.
ووصف مرتكبيها ب ” Les nerons du sud ” نسبة إلى ” نيرون ” الإمبراطور الديكتاتوري الروماني،ولكن رغم ذلك لم يستطع تحقيق أهدافه.
قام بعملية عسكرية خاطفة، اختار أن تكون في فترة يكون فيها سكان بني سمير متفرقين بسبب موسم جني التمور، وكان هدفه الأول القضاء على محمد ولد علي هذا البطل الذي كان بإمكانه أن ينجو بنفسه وعائلته وذلك بالانسحاب نحو الحدود الغربية.
ولكنه فضل أن يبعث بأهله النساء والأطفال إلى مكان النجاة حتى لا ينكل بهم المستعمر بعده، و يواجه العدو بكل شجاعة وبسالة، وهو يدرك جيدا أن مصيره الشهادة.
محمد أمين سعيدي
مراجع : جمعية محمد ولد علي للترقية الثقافية بالعين الصفراء ولاية النعامة