معركة الكرمة والجريبيع أو ما تسمى معركة الـ48 ساعة بجبل بوكحيل يومي 17 و18 سبتمبر 1961 أفشلت محاولات الاستعمار الفرنسي في فصل منطقة الصحراء عن الجزائر.
برهنت بقوة على شمولية الثورة وعدم التفريط في أي شبر من التراب الوطني، استعمل فيها الاستعمار الغاشم أسلحة مدججة بالآليات الحربية من أجل القضاء على المجاهدين.
معركة الـ48 ساعة..
ذاع صيتها في الداخل والخارج وكتبت عنها صحف أجنبية شاهدة على المقاومة الباسلة لدحر الاستعمار والرافضة لأي مساومة على صحراء الجزائر و”التأثير القوي” لتلك المعركة ”خاصة وأنها تزامنت مع المفاوضات بين الحكومة المؤقتة والجانب الفرنسي.”
المكان يسمى الكرمة والجريبيع، وهو جزء من جبال بوكحيل، وهي بدورها جزء من سلسلة الاطلس الصحراوي يحده شمالا جبيل ثامر قرب واد الشعير وجنوبا الصحراء الكبرى، وشرقا عين الريش وغربا مسعد وفيض البطمة، أي ثلاث ولايات حاليا بسكرة والمسيلة والجلفة.
بالتقسيم النظامي في الثورة، يقع المكان بين قسمتي 56و57 وهو عبارة عن جبال صخرية وترابية جرداء تمتاز بحاجز صخري طبيعي يعيق تقدم الآليات والدبابات .
عن الجانب الفرنسي كانت حشود ضخمة من العساكر حوالي 12000 اثنا عشر الف عسكري معززة بقوات من الحلف الاطلسي ومدعمة بـ250دبابات، 40 طائرة مختلفة، المدفعية الثقيلة البعيدة المدى من نوع هاون 60 و 80 ملم.
تدعمت قوات جيش التحرير الوطني بـ370 مجاهدا، منهم 07 كتائب تحت قيادة محمد شعباني، قائد الولاية السادسة، 20 مجاهدا على رأسهم الضابط علي شريف مسؤول الناحية الثانية، 12 مجاهدا تحت قيادة المساعد العريف الاول بلقاسم مستاوي، قسمة 53، و50 مجاهدا تحت قيادة المساعد سي عبد الجبار بن مداني قسمة 54، و70 مجاهدا تحت قيادة المساعد محمد كحلة قسمة 55، و60 مجاهدا تحت قيادة المساعد علي قوجيل قسمة 56، و70 مجاهدا تحت قيادة المساعد الأخذاري زيان قسمة 57، و50 مجاهدا تحت قيادة المساعد محمد الهادي عبد السلام قسمة 58 (استشهد في خندقه اثناء المعركة).
10 من المجاهدين من المنطقة الثالثة على رأسهم مخلوف بن قسيم، 30 مجاهدا من الولاية على رأسهم محمد شعباني قائد الولاية و الملحق شبشوب و زوجته، مجهزين ببنادق من نوع خماسي ألمان، وخماسي أمريكان، ورشاش ألمان، رشاش ماط 49، 07 رشاشات ثقيلة من نوع 24 و30 ألمان و 30 أمريكان، بنادق 86 عشاري أنجليزي، قنابل متفجرة وقنابل النار.
كشفت دورية الحراسة حوالي الساعة الثانية عشرة ليلا أضواء تدل على اتجاهات القوافل العسكرية للعدو وتحركاته، وبعد التحقق تأكد من أن هذه التحضيرات متجهة نحو موقع تمركز جيش التحرير بالكرمة .
وقد ثبت لدى دورية الحراسة التي كانت تراقب هذه التحركات أياما، أن هذه الحشود آتية من الأغواط، التي توجد بها أكبر ثكنة عسكرية للفيف الأجنبي، وأولاد جلال والجلفة ومسعد وعين الملح وبوسعادة وبسكرة وفيض البطمة وتقرت، فطوق العدو الموقع بقواته.
نشبت المعركة في السابعة من صباح 17سبتمبر 1961، حلقت طائرات العدو الاستكشافية فوق الموقع ثم تلتها مباشرة الطائرات المقنبلة والقاذفة تقصف مدة ساعتين وكانت تحلق في اسراب من 9 الى 12 طائرة في كل سرب أما طائرات الهيلوكبتر فكانت تقلع من مطار الديس ببوسعادة.
استعملت أنواع من القنابل، منها الكبرى التي يصل وزنها قناطير، وقنابل النار الحارقة (النابالم)، وقنابل الغاز كريهة الرائحة، وقنابل الروكت.
وبعد القصف والقنبلة جاء دور المدفعية الثقيلة والدبابات خاصة من الناحية الجنوبية واستمر القصف ساعات.
وبعد القصف مباشرة بدأ الهجوم البري للمشاة فكان المجاهدون لا يطلقون النار إلا بعد اقترابهم منهم لتنزل عليهم الضربة القاضية فيولون الأدبار مطلقين صراخا و عويلا لا يدرون من أين يأتيهم الرصاص.
استمرت المعركة طيلة اليوم، وفضل المجاهدون اقتصاد الذخيرة بعدم الهجوم الا للضرورة وفي بعض الأحيان عدم التصدي للطائرات.
وفي الساعة التاسعة ليلا خفت عملية القصف واستمرت المناوشات حتى الصباح الموالي يوم 18، ولم يتجاوز عدد الشهداء اثنين 2.
وكان عدد الجرحى ثلاثة هم: بلقاسم مستاوي-أحمد مغزي-الطاهر محجوب . وبلغت خسائر العدو نحو 400 قتيلا.
أعطى كل مسؤول عرضا حول سير المعركة و نتائجها وتم نقل الجرحى لكي لا يتم أسرهم، وبدأت عملية الخروج من الموقع وواصل الطيران قصفه للموقع ثم المدفعية ثم هجوم العساكر فأصابت قنبلة حارقة ثلاثة مجاهدين فاحترقوا و هم محمد أمونسي صاحب الرشاش (تيرايور)، و المجاهد شريف قرماط صانع الألغام و البشير محداد.
عزز العدو قواته في اليوم الموالي حتى بلغت 14000 عسكري لسد كل الممرات و أغفل الممر من الناحية الشمالية المعروف( بالدير) لصعوبته فتبين ذلك لقيادة الجيش، فكان المنفذ الوحيد للجيش . تسلقه المجاهدون وخرجوا سالمين غانمين بعد إيهام العدو في دفع بعض الدواب الى أسفل الوادي من الناحية الجنوبية المحاصرة .
وبمجرد أن سمع العدو ضجيج سير الدواب حتى انخدع و قتلهم عن آخرهم مما أعطى الوقت للمجاهدين بالخروج من المعركة بسلام عبر الدير.
ومن نتائج المعركة في اليوم الثاني 07 شهداء وجريحان من بينهم المجاهد عمر قبقوبى، ولم يقع في الأسر أي مجاهد، أما العدو فبلغ عدد قتلاه 300 قتيلا.
أحدثت هذه المعركة فزعا و رعبا كبيرين في صفوف العدو و قادتهم، مما أجبرهم على ابقاء قوات ضخمة تجوب بوكحيل متمركزة في موقع الكرمة طيلة أشهر وكعادته يلجأ الى الإنتقام من الشعب الأعزل بعد الهزيمة النكراء والفضيحة.
المصدر: المتحف الوطني للمجاهد