نظمت المكتبة الوطنية بالحامة ندوة علمية حول “ثورة التحرير وفكر فرانز فانون”في الذكرى الـ60 لوفاته شارك فيها نخبة من الأكاديميين والمثقفين والصحفيين للحديث عن هذا المفكر الذي سيظل اسمه منحوتا في ذاكرة مثقفين عاصروه وفي ذاكرة أجيال قرات أعماله أو ستطلع عليها.
ذلك الطبيب النفساني المناضل الثائر والمناهض للإمبريالية والاستغلال والمدافع القوي عن الشعوب المضطهدة، فقد بلور ما يحرر المغلوب من عقدة الاحساس بالدونية ومن الاستيلاب.
يؤكد نور الدين زمام في مداخلة قدمها تحت عنوان “قراءة جغلول لأطروحات فرانز فانون” ان القارئ لأطروحة جغلول يستشعر بإنسانية ذلك الرجل الأول الذي كتبها(فانون) وثقافته الواسعة في علم النفس والفلسفة (النظرية الوجودية النظرية الفينومولوجية…) وهو في سن مبكرة.
ويذكر زمام ان جغلول تحدث في مقدمات أطروحته عن بعض المسائل الكبرى التي يفهمها كل من غاص في الماركسية غوصا ليس دوغمائيا وانما غوصا فاعليا، ودرس المفاهيم الأساسية للتشكيلة الاجتماعية مثل الإمبريالية، الاستعمار، الطبقات، الوعي الطبقي..، من درس الماركسية دراسة أكاديمية معمقة يستطيع أن يفهم المفاهيم التي أوردها في البداية جغلول واراد أن يناقش بها أطروحات فانون.
ويضيف المتحدث أن جغلول بدأ في مقدمته بالحديث عن الإمبريالية والايديولوجية مؤكدا أن التأزم الذي ظهرت فيه كتابات فانون في ذلك الوقت تأزم الإمبريالية والاستعمار، وكذلك طروحات كثيرة حول شكل النضال وكيف سيكون هناك عبور نحو الاشتراكية، كما تكلم عن الاشتراكيات الخصوصية التي ظهرت في افريقيا والقوى الفاعلة التي تقود إلى التغيير.
وفي السياق، يذكر الدكتور زمام ان جغلول كان في بعض الأحيان ينتقد فرانز فانون على أساس أن هناك مغالطات وغموض، وقد يرجع سبب ذلك الانتقاد إلى مرحلة السبعينيات اين كانت نوع من الدوغمائية سائدة، بحيث كل من يبدع في طريق جديد او يتحدث عن مسار جديد او يطرح مفاهيم جديدة الا وينظر إليه أنه حاد عن المنطق.
وينوه الدكتور إلى أن هذا العمل لا يمكن فهمه دون دليل لأن فيه أفكارا كثيرة طرحها منها كيف حدث انسداد، ماهي بنية النص عند فانون، المسائل الكبرى التي حركت النص مثل مسألة الانسام (نائية الابيض والاسود، العالم الثالث وأوروبا…)، ويشير إلى قضية العنف (النظرة الخاصة للعنف عند فانون) فالعنف عنده لم يكن عبارة عن عدوان وانما كان أداة لتحرير الإنسان.
أزمة اليسار وقراءة العنف
يشير الدكتور وحيد بن بوعزيز في مداخلته الموسومة “العنوان الثوري وعقدة اليسار” إلى أن فكرة العنف عند فانون مرحلية، فهو لا يعتبر العنف فلسفة حياة وانما مرحلة لابد منها.
ويضيف أن فانون في فكرته حول العنف لم يخرج عن الدياليكتيك فقد حور نوعا ما الثنائية الجدلية بين العبد والسيد التي بلورها هيغل في “فينومينولوجيا الروح” وطورها ماركس في جدلية أخرى بين البرجوازي والبوليتاري، وقد قال فانون عن هذه الجدلية التي تقوم على فكرة الاعتراف عند هيغل او ماركس وتقوم على فكرة القلب بأنها لا تنطبق على المستعمَر .
لأنه حينما نتكلم عن البلوريتاريا فنحن نتكلم ايضا عن الوعي البلوريتاري، ففانون تكلم عن الثورة العفوية التي قام بها الفلاحين وفسرها تفسيرا سيكولوجيا عميقا لكنه شكك في إمكانية قيادة الفلاح للدولة، وتخوف من مشروع ما بعد الاستقلال فهو يقول إن المستعمَر لما يملك البديل لقلب المستعمِر سيأخذ مكان المستعمر لأنه لا يوجد مشروع بديل.
وفي السياق، ذكر المتحدث أن فانون بدأ يفكر في نوع من الماركسية المحلية (نوع من الثورة المحلية) انطلاقا من تلك التي كانت سائدة آنذاك، حيث كان معظم اليسار تحت عقدة ستالينية، حيث قائلا ان الفضاء الاستعماري هو فضاء منقسم (فضاء منوي) وهذا هو لب العنف.
وأردف الدكتور بن بوعزيز قائلا انه رغم محاولات الكثير من الدارسين أو دراسات ما بعد الاستعمار استلهام فانون مثل هومي بابا وادوارد سعيد، الا أنهم يخطئون خطأ فادحا حين ينسون فكرة هذا الانقسام.
ويذكر المتحدث أنه في الوقت الذي كان فانون ينتظر من اليسار أن يقف إلى جانبه في أفكاره وجد معارضة تامة بسبب اختلاف السياقات، لان فانون انطلق من سياق ثوري تالتي، في حين أن الماركسية الغربية الأوروبية انطلقت في البحث عن نوع من التصالح والمصالحة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.
يقدم الدكتور توفيق شابو من جامعة البليدة مداخلة بعنوان “مسألة الاعتراف والديالكيتك الاستعماري في فكر فرانز فانون” حيث يعتبر استرجاع فكر فانون في كل مرحلة هي دلالة على استمرارية فكره وان اطروحاته تجعل منه حسب ماوصفة اشيل ممبي بالفكر التحولي باعتباره فكر نابع من تجربة معاشة ووعي منفتح .
وبحسب المتدخل فإنه يجب النظر في فكر فانون ليس باعتباره بنيات مفككة بقدر ما يجب قراءته في بنيته الكلية وأن اي منظور عالجه فانون الا ونجد ترابطات عضوية تحيل إلى غيرها من الأفكار. كون ميزة فانون انه فكر لا يتراجع في التاريخ ولا ينضب بالتقادم، فأفكاره تتحاشى الموت بعناد لان العلل الكولونيالية وجروح التاريخ الاستعماري مستمرة في الوعي واللاوعي في الظاهر وفي الباطن.
ان الحديث عن الاعتراف عند فانون هو الحديث عن الطابع الاخلاقي لفلسفته خارج اسوار التنميط الاختزالي الغربي في ان فلسفة فانون هي فلسفة في الغضب والعنف، فالاعتراف يبرز كمشروع اخلاقي وانساني يستأصل المؤسسة العرقية الاستعمارية واثارها المادية والنفسية.
ويشير المتحدث إلى أن الفكرة الجوهرية في فلسفة الاعتراف ترتكز على مسألة الصراع سواء في العلاقة مع الاخر أو في النظر اليه، وداخل هذه المفاهيم الفلسفية لمسألة الاعتراف تبدو معالجة الاعتراف وكأنها مفاهيم تندمج داخل الشرط الإنساني. لكن الاعتراف عند فانون تعالج خارج الشرط الانساني او بالأحرى داخل انعدام الشرط الانساني لذلك فبالعودة الى براديغم الاعتراف عند فانون فان رهانه كان اخراج الزنجي من الحقيقة الطبيعية الى حقيقته الإنسانية.
ويضع الدكتور شابو مسألة الاعتراف عند فانون داخل مفاهيم ثلاث اولها مفهوم الديالكيتيك الاستعماري حيث يبرز الاعتراف في علاقة يشوبها التوتر كون الاستعمار هو اختراق عنيف لكل أوجه الحياة ونفي منظم وقرار صارم بإنكار أي صفة إنسانية للآخر تم ان العقل الاستعماري فهم هذه العلاقة وفق منظور الدال العرقي الذي أصبح بنية أساسية وتأسيسية في المشروع الامبراطوري الاستعماري عبر عمليات منهجية وتثقيفية تعزز من ان العلاقة مع الزنوج علاقة غير تبادلية.
ثانيا فهمها داخل بعد التحليل النفسي فلم يعد الاعتراف معنى فينومولجيا يرتبط بالأشكال المادية للعنف بقدر ما أصبح يتغلغل الى داخل البنية النفسية او ما يُسمى في نظرية الاعتراف بتجارب الظلم واللّامرئي.
ثالتا فهم مسالة الاعتراف عند فانون داخل الشرط التاريخي بمعنى أن الاعتراف يتجاوز راهنية معينة فإخراج مسالة الاعتراف من شرطيتها التاريخية هو ضمان مسالة الحق والعدل بالنسبة للإنسان
ويعقد الباحث شابو قراءته لكتاب بشرة سوداء اقنعة بيضاء من خلال محاورة فانون لكل من “ادلر وهيغل” ففي محاورته لادلر يربط فانون الاعتراف بالمنظور الادلري البسيكو طبائعي ويرى ان اول ما يبرز للعيان هي مسالة القيمة فالزنجي كلما اتصل بالأخر تثار مسالة القيمة كون قيمة الزنجي مدينة بالحضور من خلال الرجل الأبيض ومن هنا مسالة الاعتراف هي مسالة عصبية كونها تتعلق بسببين أولها العصاب الدوني كون الزنجي محكوم بعقد نقص مركبة من التنميطات.
ثانيا ان فكرة الدونية والزنوجة هي فكرة متجذرة تاريخيا تجعل من محاولات الزنجي ان يصبح ابيضا هو شكل من اشكال الدراما السيزيفية..
ويذكر المتحدث أن فانون في محاورته لهيغل يرى في جدلية السيد والعبد الهيغلية انها صيغة تحيزية للاعتراف كون هذه العلاقة تحيل الى علاقة خضوع وإخضاع، فلا يوجد زنجي خارج جدلية التملك والامتلاك تصبح مقولة الاعتراف من قبل السيد فقط وليس من قبل العبد.
فالسيد هو الذي اعترف به كونه يمتلك وعيا أوليا وحتى حين يمتلك العبد وعيه لاحقا فإن المسألة تبقى مرجئة وهنا تبدو مسألة الاعتراف من منظور هيغل هو اعتراف متعال يحافظ على مسافة بين السيد والعبد، فالعبد الذي تمنح له الحرية هو عكس العبد الذي يناضل من أجلها وهنا ينتفي الاعتراف كوعي ذاتي مستقل بالنسبة للعبد.
لذلك يطلب فانون من العبد أخذ اعترافه بالقوة فمفهوم الاعتراف عند فانون لا يعني سعي العبد لتحقيق اعتراف من السيد بل هو اعادة اقرار للذات الفاعلة التي كانت خاضعة وهو ما يمكن من خلاله العبور الى معطية انساني.
وكتأصيل لمفهوم الاعتراف نوه توفيق شابو الى انه يدخل في مشروع فانون المقاوم مسألة العرق؛ فعائق ما يسميه فانون التبادلية أو عائق الاعتراف هو عائق اللون والبشرة فهو يرى أن التبادلية هي حالة منتفية في الوضع الكولونيالي بتشريطاتها المسبقة، لذلك فإن أولى سبل التبادلية هي أن أحقق للآخر حقيقته الإنسانية المختلفة عن حقيقته الطبيعية، وعلى الآخر القيام بعملية مماثلة.
فانون ومالك بن نبي منظور طباقي
وتحدث الصحفي حميدة العياشي في مداخلته الموسومة “مقاربة بين فرانس فانون ومالك بن نبي” عن العلاقة الفكرية بين اطروحات فرانز فانون ومالك بن نبي، خاصة في قضايا مزالق الشعور القومي والوطنية وقراءة كل منهما لمنظور النضال والكفاح الوطني.
ويشير المتدخل الى ان سياق التقاء المفكرين في ظروف تاريخية متشابهة، كان يجمعهما الحس التحرري جعلت مقاربتهما لمشكلة الاستعمار مقاربة يعتريها الكثير من التوافق والتنافر قياسا على مرجعية كل واحد منهما سواء الخلفية الماركسية او الخلفية الاسلامية.
فاطمة الوحش