وحّد قادة الثورة الشعب الجزائري حول ضرورة تصفية الإستعمار، معتمدين على ما نص عليه بيان أول نوفمبر 1954 التي تضمن أساليب الكفاح ضد المستدمر الفرنسي، منها إضراب الثمانية ايام التاريخي سنة 1957.
أدت فئة التجار دورا أساسيا في هذا الاضراب التاريخي، تعرضوا للتعذيب وحطمت محلاتهم.
وفي هذا الصدد ننقل شهادة المجاهد محمود عرباجي، مكلف بالتاريخ والتراث في ولاية العاصمة، الذي كان شاهدا على ردة فعل الإدارة الإستعمارية على التجار الجزائريين الذين قاموا بالإضراب تلبية لنداء مسؤولي جبهة التحرير الوطني بالمنطقة المستقلة.
يصف عرباجي إضراب الثمانية أيام بالمحطة التاريخية المفصلية في ذاكرة الشعب إبان الاحتلال الفرنسي،
قرر أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ وعلى رأسهم عبان رمضان والعربي بن مهيدي في مؤتمر الصومام، هذا الإضراب، لإسماع صوت الجزائر في المحافل الدولية وإبطال مزاعم فرنسا وأكذوبتها الجزائر فرنسية، استجاب له التجار في العاصمة بشكل كبير لينتشر فيما بعد في محافظات أخرى.
يقول المناضل في حديث لـ”ذاكرة الشعب”: كنت في العاصمة عندما بدأ الإضراب ثم انتشر، آنذاك كانت ثلاث عمالات بقسنطينة، وهران والعاصمة، كان ياسف سعدي مكلف بالتنظيم على مستوى العاصمة”.
ويكشف أن الشهيد العربي بن مهيدي ذهب عند الباشاغا ابو طالب وهو تاجر معروف، الذي سلمه كمية من المال لتوزيعها على الجزائريين قبل بداية الإضراب، لأنه آنذاك كان أغلبية الجزائريين بسطاء يعملون في الميناء والبعض يبيع الخضر والسجائر، وكان لابد من توفير مؤونة غذائية لهم على الأقل 3 أيام.
سكان غرداية قدموا مساعدات غذائية مجانا
ويشيد عرباجي بالمساعدة الغذائية التي قدمها سكان ولاية غرداية مجانا للجزائريين، حيث تكفل ثلاث مناضلين بتوزيع المال في سوق الجمعة منهم مزياني عمار، خليس علي، وللأسف تعرض مزياني لمحاولة اغتيال بـ11 رصاصة، لكنه لم يمت.
وحسب شهادة محدثنا، أعطت قيادة جبهة التحرير الوطني أوامر لكل الجزائريين بإلتزام بيوتهم وعدم الإقتراب من الأحياء الأوروبية.
يقول عرباجي إنه في صبيحة يوم 28 جانفي 1957 بدت شوارع المدينة خالية من المارة والدكاكين والمحلات مغلقة، وكانت تلك المشاهد لأول مرة تحدث وكأنها مدينة ميتة، وقد كتبت عنها الصحف الفرنسية والأوروبية، وهو ما زرع الرعب في نفوس التجار الأوروبيين الذين بدورهم لم يفتحوا محلاتهم.
ويضيف: “كان رد فعل المظليين الذين انتشروا على أسطح المنازل وعلى طول الشوارع بهمجية كسروا محلات الخبازين وأخلطوا الغاز مع الدقيق، وأجبروا التجار بقوة على فتح محلاتهم مهددين إياهم بالقتل”.
ويروي أيضا أن الشرطة أخذت الجزائريين إلى ملعب سان توجان بباب الواد وملعب 20 أوت بمحمد بلوزداد، وأُلقى القبض على الكثير من الفدائيين بسبب وشاية الخونة، ويشير إلى أن الإضراب تزامن مع انعقاد إجتماع جمعية الأمم المتحدة لدراسة القضية الجزائرية، حيث انسحب الوفد الفرنسي.
ويقول: “بالنسبة لنا معركة الجزائر كانت مهمة للعالم وفي الداخل فشلت لأنه ألقي القبض على الكثير من الفدائيين، وهناك من قتل وهناك من أخذ إلى السجن، كسر المظليون المحلات فالإضراب ليس أمر سهل”.
ويضيف عرباجي: “لا ينبغي نسيان دور ثلاث مناضلين في مؤتمر الصومام وهم محمد لبجاوي، عبان رمضان، وعمر أوزقان ومعهم شخص يدعى تمام”، ويشير الى أن الإضراب مثل مظاهرات الـ11 ديسمبر 1960 رفعوا معنويات الجزائريين وأظهروا للعالم مدى تلاحم الشعب حول الثورة.
ويؤكد المجاهد أن هذا الإضراب أحدث صدى كبير في الحراش، المرأة الأفريقية، السكالة بالأبيار ، حيث ألقى عليه القبض وسجن مدة 6 سنوات، سنة قضاها في سجن الحراش وأخرى في سركاجي، وأربع سنوات في سجن لامبيز أين تعرض للتعذيب، ويشير إلى أن بعض الفدائيين إلتحقوا بالجبال وآخرين مفقودين.
وتوجه عرباجي بنصيحة للشباب بالتسلح بالعلم والمعرفة لبناء الجزائر مثلما حلم بها الشهداء والمجاهدين الشرفاء، والحفاظ على مكاسب الثورة لاسيما في ظل التهديدات الخارجية والإقليمية.
يقول: “قمنا بواجبنا، الاستقلال في أعناقكم، الجزائر غالية. لحد الأن الحركى والأقدام السوداء يبكون على فقدانها”.