اعتبر الباحثان مصطفى سعداوي ومحمد رزيق أن إنشاء المنظمة الخاصة سنة 1947، منعرج حاسم في مسار الحركة الوطنية الجزائرية لأنها تجسد التطور النوعي من الناحية النظرية وتبلور جدية المنهج الثوري من الناحية العملية.
أشار الدكتور مصطفى سعداوي أستاذ محاضر بجامعة البويرة في مداخلة بعنوان “المنظمة الخاصة من المبدأ إلى التطبيق”، في ندوة “المنظمة الخاصة ومشروع تفجير الثورة التحريرية “التي نظمها المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية احتفالا بالذكرى الـ 75 لتأسيس المنظمة الخاصة، إلى أن قرار إنشاء المنظمة الخاصة اتخذ في مؤتمر لحزب الشعب انعقد في سرية يومي 15 و 16 فيفري 1947 في بوزريعة وبلكور، لإعادة إلتأم أعضاء الحزب الذي كان يمر بفترة عصيبة.
وأكد المتحدث أن “المنظمة الخاصة كانت ذات طابع شبه عسكري وبعد ثلاث سنوات وفي شهر مارس 1950 اكتشفت مصالح الأمن الفرنسي وجودها”.
وأضاف سعداوي: “هذا يدفعنا أن نتساءل إلى أي مدى نجحت الثورة منذ نقلها من مستوى التصور إلى مستوى التطبيق؟ ولماذا تم تأسيسها في هذا الوقت بالذات؟ ما هي إنجازاتها؟ ما هي الأسباب وراء انفضاحها وتفكيكها وحلّها؟ وما هي دلالات هذا التفكك؟”.
واعتبر سعداوي أن تأسيس المنظمة الخاصة ليس طفرة، وأكد أنه في حقيقة الأمر هو استكمال لتراكم تاريخي لنضالات الشعب الجزائري، وأن هذه الفكرة بدأت منذ أن وطأت أقدام الاستعمار الفرنسي أرض الجزائر من خلال المقاومات.
وقال :”لكن إخماد هذه المقاومات أرجأ فكرة تجسيدها مرة أخرى على أرض الواقع، لكن ما بعد الحرب العالمية الثانية ساهم في هذا السياق بعديد العوامل لعودة تجسيد الفكر الثوري على ارض الواقع، منها التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عاشها المجتمع الجزائري في المدن من خلال المجتثين وفي الريف من خلال القوى التقليدية التي عادت إلى الساحة السياسية”.
تشكل مناخ دولي لبداية كفاح مسلح
وأكد المتحدث “وجود عامل آخر وهو التناقض بين الآمال المتصاعدة من جوان 1940 إلى ماي 1945، كحل مشكلة الاستعمار خاصة مع نزول الحلفاء في الجزائر وصدور بيان الجزائر..، لكن هذه الآمال خيبت مع مجازر 08 ماي 1945 فكان الدرس أن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة، إضافة إلى تشكل مناخ دولي لبداية كفاح مسلح، حيث تضاءلت قوة الدول العظمى الاستعمارية.
وظهرت بالمقابل قوى جديدة هي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، فعاد مصالي الحاج وشارك في الانتخابات رغم أنه كان يقاطعها في الماضي، وهذا ما أحدث رجّة كادت أن تمزق الحزب.
وبانعقاد ندوتي نوفمبر 1946، وفيفري 1947 تم إرضاء الأعضاء المجتمعين وتقرر إنشاء المنظمة الخاصة”.
وفي السياق ذاته، أكد المحاضر أنه من أسباب تأسيس المنظمة الخاصة في 1947 تسكين والحفاظ على التوازنات داخل حزب الشعب الجزائري، واعتبر أن ذلك كان حلا مؤقتا، غير أن “الحلول المؤقتة جعلت حزب الشعب في وضعية سيئة في المستقبل، ما أدى إلى حل المنظمة التي فشلت في السنوات الأخيرة لأن هدف تأسيسها لم يكن تفجير الثورة بل تسكين الصراعات الداخلية”، ورغم حلها إلا أن الجانب الإيجابي في المنظمة الخاصة يكمن في تحرير طاقات ثورية.
ومن جهته، أشار الدكتور محمد رزيق، في مداخلته “الطابع البريدي ورمزيته في ترسيخ الذاكرة الوطنية”، إلى أن الجزائر ومنذ احتلالها من طرف الاستعمار الفرنسي وهي تقاومه، وأن تأسيس المنظمة الخاصة التي مهدت لثورة نوفمبر 1954 هي استمرار لفلسفة المقاومة التي يؤمن بها الجزائريون.
وأكد المتحدث أن هذه الفلسفة قائمة على اللا انهزام ورفض المستعمر، وهي نفسها الفكرة التي تحدث عنها المنظر الاستراتيجي الأمريكي سامويل هانتنغتون في كتابه صراع الحضارات، والذي قسم فيه العالم إلى 9 حضارات كبرى تتنافس فيما بينها، في إطار صراع المركز والمحيط والنظرية الصفرية القائمة على ضرورة القضاء على كل الأطراف لضمان بقاء المركز.
يذكر أن المناضل آيت احمد أشار في تقرير المنظمة الخاصة خلال اجتماع زدين في ديسمبر 1948 الى أن المنظمة الخاصة حددت أهدافها في مجال التسليح بشكل واضح وهو العمل على توفير الحد الأدنى من السلاح لضمان استمرارية العمل المسلح، أي إنشاء مخازن للأسلحة الخفيفة والذخيرة في كامل المناطق.
ذهبية عبد القادر