القضاء إبان ثورة التحرير مجال مهم للتواصل مع الشعب، لأن القضايا المطروحة آنذاك كانت نفسها التي تتكفل بها المحاكم الإستعمارية، لذلك طلبت قيادة جيش التحرير من المواطنين عدم التقاضي أمام المحكمة الفرنسية الإستعمارية.
القضاء إبان الثورة التحريرية
قال الإعلامي السابق بجريدة «الشعب» عيسى عجينة لذاكرة “الشعب”، بداية من سنة 1956 أنشئ جهاز القضاء، الذي كان يتكون من أعلى سلطة وهي قاضي الولاية يشرف على ولاية معينة، يليه قاضي الناحية يشمل مجموعة من المناطق والقسمات، وقاضي القسمة، وهو الأساس والقاعدة، لأنه في اتصال مباشر مع المواطنين في كل أمورهم سواء الزواج، الطلاق، البيع والشراء، تسجيل المواليد والوفيات والذين يشتغلون في أملاك المعمرين والمداخيل، الخصومات بين الزوجين والأعراش، البحث في الإتهامات، والعقوبات تكون بفرض غرامة علاوة على الإشراف على التعليم، فالقاضي يتكفل بأجرة المعلمين ويراقبهم وهو مجاهد وعضو جيش التحرير الوطني.
مثال للقاضي النزيه بـالأوراس
الشيخ عجينة عبد الرحمن، والد هذا الإعلامي، واحد من بين قضاة جيش التحرير بالمنطقة الأولى أوراس النمامشة، إلتحق سنة 1956 بالقسمة الثانية المنطقة الأولى وكان يشرف على المنطقة الممتدة من بريكة إلى عين مليلة، ومعه حارسه الشخصي بوقرورة عيسى، وسي بلقاسم قرزيز كاتب وفي نفس الوقت يعمل مراقب المدارس القرآنية.
وبحسب شهادة إبنه عيسى التحق والده المرحوم بجيش التحرير بعد وشاية فأصبح من المبحوث عنهم لدى الجيش الفرنسي.
يضيف عيسى أنه حين أخبر والده مسؤولي الناحية، سلم له لباسا وشرع في العمل رسميا بممارسة عمله كقاض، بحيث كان يأتي لزيارتهم مرة كل شهر نظرا لجولاته بمناطق كثيرة لتسوية أمور المواطنين. كانت لديه محفظة كبيرة تضم وثائق ومبالغ مالية، يشير إلى أنه من جملة مهام القاضي جمع الإشتراكات النقدية من المواطنين المقدرة بـ 250 فرنك آنذاك يرسل المبلغ مع الوصل مع المكلف بالإتصالات إلى قاضي الناحية مرفقة بتقرير، ويستلم الشيخ عبد الرحمن وصل الإستلام.
في هذه النقطة، يقول عيسى عجينة: «أتذكر حين كنت صغيرا أجلس بجانب والدي الذي كان يمكث عندنا لمدة خمسة أيام أحيانا، بحيث يقوم بحساب المبلغ الكبير ولا يلمس فلسا ونحن كنا لا نملك دورو لشراء السكر والقهوة، ويرسل المبلغ لقيادة الناحية»، ويضيف أن بيتهم كان مركزا لإيواء المجاهدين وهم مجبرون على توفير المأكل والملبس لهم، وبقوا على ذلك إلى غاية الإستقلال، ولنزاهة والده أعاد مفاتيح أملاك المعمرين بمروانة للمسؤولين بباتنة ولم يأخذ له منزلا ورجع لبلديته المسماة عين جاسر كإمام بالمسجد ثم وظف في إدارة وزارة الشؤون الدينية إلى غاية وفاته سنة 1980.
يصف لنا عيسى سنوات معاناة الجزائريين إبان الحقبة الإستعمارية، قائلا: «سنوات معاناة لكنها سنوات فخر وإعتزاز المجاهدين كانوا يقولون لنا نموت لتعيشوا أنتم، وأن مسألة الجهوية لم تطرح آنذاك فلأول مرة سمعت كلمة جزائري من طرف مجاهد، كنت أظن أن حياتنا تنتهي وراء جبل عين جاسر».
ولدى عائلة عجينة العديد من الشهداء منهم عجينة عبد الحميد الذي كان في القوات الفرنسية بالحلف الأطلسي يتحدث اللغات الفرنسية، الألمانية والعربية بطلاقة، استشهد سنة 1961، عجينة أحمد وإبنه محمد استشهدا سنة 1958، عجينة الشريف استشهد سنة 1959، عجينة محمد استشهد سنة 1957 في معارك كبرى بمنطقة الرفاعة وترشاوين التي كانت تدوم أسبوعا.
إضافة إلى عجينة المختار استشهد سنة 1957 بغار بشطوح، وعجينة عيسى الذي استشهد سنة 1958، عجينة حمو، وعجينة خليفة الذي هرب من الجيش الفرنسي سنة 1957 ثم ألقي عليه القبض وحوكم بفرنسا بعشرين سنة سجنا وكان عضوا في فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا توفي ، عجينة إبراهيم ، عجينة موسى، صحراوي دريس، صحراوي التهامي وغيرهم من المجاهدين الأبطال الذين ينتمون لنفس العائلة.