عانى اللاجئون الجزائريون بالمناطق الحدودية الغربية والشرقية الأمرين، بسبب الفقر والمرض، فروا من بطش الإدارة الإستعمارية من تقتيل وتعذيب ووضع السكان في محتشدات تنعدم فيها شروط الحياة، ما أدى إلى وفاة الكثير منهم، أغلبهم من الأطفال والمسنين.
حددت إحصائيات مغربية لسنة 1958 عدد اللاجئين الجزائريين بأراضي المغرب بنحو 75 ألف لاجئ و34 ألف طفل، لكن السفارة الفرنسية والقنصلية العامة في وجدة قللت هذا العدد، وقدرته بين 20 و25 ألف لاجئ.
وعرفت المناطق الحدودية التونسية بعد 1956 أيضا نزوحا كبيرا للاجئين الجزائريين، بعد إقدام فرنسا على مشروع تطهير منطقة الحدود الشرقية بإحداث المناطق المحرمة وتوسيع العمليات العسكرية فأصبح سكان هذه المناطق مهددين بالمطاردة والقتل.
وحسب إحصائيات جبهة التحرير الوطني، عدد اللاجئين في أكتوبر 1957 قدر بـ60 ألف لاجئ وارتفع إلى 150 ألف في أكتوبر 1959. في حين تقدم فرنسا أرقاما ضئيلة لا تتجاوز 50 ألف لاجئ.
وتقدر الإحصائيات الرسمية التونسية المقدمة لهيئة الأمم المتحدة عددهم سنة 1959 بـ250 ألف لاجئ في المغرب وتونس، أما السكرتارية العامة الفرنسية تؤكد على 25 ألف لاجئ في تونس و32 ألف بالمغرب سنة 1959، حسب دراسة أكاديمية للباحثة لمياء بوقريوة من قسم التاريخ بجامعة باتنة.
توضح هذه الباحثة أنه في 1907 كان اللاجئون الجزائريون جراء الثورة الشعبية للشيخ المقراني، يمثلون 5/1 سكان مدينة وجدة التي كان بها 6000 ساكن. وبلغ عدد اللاجئين 1500 لاجئ، بين سنتي 1910 و1911.
بعد إندلاع الثورة، هرب جزائريون من بطش السياسة الإستعمارية الفرنسية، وترحيل مواطنين إجباريا من المحيط الحيوي لجيش التحرير في الجبال والغابات والمناطق ذات التضاريس الوعرة، ويصعب على الجيش الفرنسي مراقبتها او السيطرة عليها.
أجلت السلطات الفرنسية سكانا من قرى بعد حرقها وإرغامهم على التخلي عن ممتلكاتهم والتجمع في محتشدات تنعدم فيها أدنى شروط الحياة. وتذكر مصادر تاريخية عديدة حالة 8000 قرية جرى حرقها.
وتشير الدكتورة بوقريوة إلى أنه، في إطار إستراتيجية فصل الثورة عن قواعدها الخلفية، أقامت القوات الإستعمارية خط موريس المكهرب على الحدود الجزائرية-التونسية بطول 460 كلم، وهي نفس مسافة خط السكة الحديدية بين تبسة وعنابة إلى نقرين، ثم يمتد نحو الصحراء، وعلى طول الحدود الجزائرية المغربية بحوالي 720 كلم، من مرسى العربي بن مهيدي إلى بشار.
وللقيام بذلك، كان لابد من إخلاء آلاف الكيلومترات المربعة، وتهجير عشرات الآلاف من الجزائريين.
إبان الثورة، عرف الجزائريون نزوحا هائلا بنحو 120 ألف لاجئ على الحدود المغربية. وكانت أغلبية اللاجئين فقراء ومعدومون متمركزون في المغرب، على ضفة البحر المتوسط والسهول العليا والصحراء، ولكن غير بعيد عن الحدود الجزائرية.
وتؤكد الدراسة أن إستقبال لاجئين جزائريين أقل بؤسا، جاؤوا من مدينتي وهران وتلمسان، بالأخص عائلات جزائرية مستقرة شرق المغرب، والبعض الآخر استقبلهم أقارب حاصلون الجنسية المغربية.
وتضيف الباحثة: ” استقبلت مدينة وجدة وحدها في ذلك الوقت (…) نحو 43 ألف لاجئ جزائري في مدة لا تتعدى ثلاث سنوات، من 1955 إلى 1957، وكان مشردون جزائريون يعيشون في خيم واعتبروا أن حالتهم لن تطول، لكن دام ذلك أكثر من ست سنوات بطالة مجبرة طول الوقت”.
كانوا يعتمدون بشكل كلي على المساعدات الأجنبية نظرا لوضعهم المعيشي السيئ، سكنوا أكواخا من الصفيح والحلفاء، وما صنعوه بجلود الجمال وأخرى حصلوا عليها من المعونات الدولية وبيوتا قديمة مهجورة (قوربي) أعادوا تعميرها.
وكانت الكهوف مأوى اللاجئين خاصة في الأيام الأولى من الثورة.
في جنوب المغرب، تمركزوا قرب بوعرفة حيث كان المناخ صحراويا جافا قاسيا جدا عليهم، ما دفعهم لبناء مساكن متواضعة بسواعدهم، من القرميد المطلي بالجير الأبيض، يقيهم من حر الشمس.
تركيبة غالبية اللاجئين
غالبية اللاجئين جزائريون عاديون، مزارعون، تجار، حرفيون، وبسطاء.
وكانت فئة المشردين الجزائريين من شيوخ ويتامى وأرامل غالبة بنسبة 70 بالمائة.
فروا من الرقابة الفرنسية والتوقيف البوليسي والقصف العسكري والتفتيش الفجائي، والتهديد بالقتل أو الحرق في المنازل.
تذكر الباحثة أن معاناة اللاجئين كانت كبيرة.
مع نهاية 1955 وبداية 1956، أنشأت جبهة التحرير الوطني لجانا محلية لاستقبالهم على طول الحدود المغربية الجزائرية، وقدمت لهم مساعدات مثل مواد التموين وألبسة وأفرشة وأغطية، جُمعت من الأيام التضامنية مع الشعب الجزائري في بلدان شقيقة مثل مصر، التي قدمت مبلغا لا يقل عن 170 ألف جنيه مصري في أكتوبر 1957 بمناسبة اليوم التضامني مع الثورة الجزائرية.
في سنة 1958 جرى تنظيم اللاجئين بمكتب هو أحد الفروع الهامة لنشاط جبهة التحرير الوطني في وجدة.
قسم المؤونة والمنح يقوم بتوزيع المؤن والمساعدات المالية على اللاجئين، من خلال ما تجمعه جبهة التحرير الوطني من تبرعات الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة كان متواجدا بقرية قودان.
وقسم الشبيبة والتعليم في منطقة الرجل أو بازة يهتم بفتح المدارس القرآنية في مناطق يتجمع فيها اللاجئون، وأنشأ في وجدة فرع للصحة تابع للهلال الأحمر الجزائري يسيره الدكتور تيجاني هدام، كان يعتني مجانا باللاجئين ويقدم لهم الأدوية اللازمة.
تدفق اللاجئين بالمغرب
بنهاية 1960، بدأت هيئة الأركان العامة لجيش التحرير الوطني تتحكم بحركة اللاجئين الجزائريين في المنفى بمساعدة الحكومة المؤقتة المغربية، وكانت جبهة التحرير الوطني في المغرب موجودة في لراش، خميسات، كبداني وخاصة في الناظور ووجدة.
اللاجئون دون سن 15 سنة كان يتلقون تعليما، في إطار مهمة التعليم كأولوية في مراكز اللاجئين، لكن الوسائل كانت محدودة، فكانت اللوحة هي الوسيلة الوحيدة لتعليم الأطفال والخيمة المكان الوحيد لذلك.
في القرى المغربية الصغيرة ضواحي المدن الكبرى، كانت الأحوال أحسن بكثير، حيث استقبل بعض اللاجئين في مدارس مغربية بحسب الإمكانات.
فتحت جبهة التحرير الوطني في هذا المجال بعض المنشآت التعليمية البسيطة.
في وجدة أنشأ 31 قسما يضم 790 تلميذا في 1961، يشرف عليهم جزائريون من اللاجئين أنفسهم، وبعض المتطوعين الأوروبيين، وكان التعليم باللغتين العربية والفرنسية.
وتشير الدراسة إلى أن تدفق اللاجئين الجزائريين إلى المغرب أثقل كاهل الحكومة المغربية إقتصاديا، ولحل مشاكلهم سعت إلى تدويل قضيتهم بالتدخل المباشر لدى بعض المنظمات الدولية ووضع عريضة لوضعيتهم في المغرب لدى الأمم المتحدة، والمفوضية العليا للأمم المتحدة من أجل اللاجئين والعمل على الإسراع بإنشاء لجنة من أجل اللاجئين الجزائريين في جنيف.
6 ملايين دولار مساعدات
توالت المساعدات الإنسانية للاجئين الجزائريين من الدول الشقيقة والصديقة ومن المنظمات الإنسانية العالمية، بعد تقديم عريضة للمنظمة العالمية للصليب الأحمر عن طريق الهلال الأحمر المغربي.
ارتفع مبلغ المساعدات الإنسانية للجنة التنفيذية للمفوضية العليا للأمم المتحدة من أجل اللاجئين سنة 1959 إلى 6 ملايين دولار بالنسبة للبرامج المخصصة للاجئين في المغرب وتونس سنة 1960.
أهم المساعدات المقدمة تمثلت في مواد التموين المختلفة، الألبسة وبعض الأفرشة والأغطية والأدوية قدمها الصليب الأحمر السويدي والعالمي وبعض النقابات والجمعيات وتضمن بعض الدول العربية، خاصة مصر وبعض الدول الاشتراكية كألمانيا الشرقية، الصين ويوغسلافيا.
وقامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر سنة 1958 بتوزيع 22 مليون طن من المواد الغذائية على اللاجئين الجزائريين في مدينة وجدة.
وارسل الهلال الأحمر المصري نحو 300 طن من المواد الغذائية وكمية معتبرة من الألبسة والأغطية. وخصصت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف مبلغ 50 ألف فرنك سويسري في شهر جانفي 1958.
ويؤكد المؤرخ محمد حربي “حتى نهاية الثورة الجزائرية كانت أغلب المساعدات التي كانت توجه للاجئين الجزائريين أمريكية، فقد قدرت المساعدات سنة 1960 نحو1.550.00 دولار وتم إنشاء مستشفى في وجدة بعتاد أمريكي”.
في المقابل، سمحت الحكومة اليابانية بإنشاء لجنة المساعدة للجزائر في جويلية 1961 تحت إشراف الصليب الأحمر الياباني والتي قدمت مجموعة من المساعدات قدرت بـ50 ألف دولار من اللباس والغذاء، ولم تسلم هذه المساعدات من الحجز الفرنسي، إذ قامت الحكومة الفرنسية بتوقيف وحجز باخرة التضامن التي أرسلت للاجئين من طرف الإغاثة الشعبية.
وتحججت فرنسا أن هذه المساعدات توجه جيش وجبهة التحرير على التراب المغربي، فقامت بتنصيب السيدة ميشلي، المفوضة المؤقتة للصليب الأحمر السويسري في وجدة من أجل مراقبة توزيع المساعدات الإنسانية.
أكثر من 12 ألف لاجئ بتونس..
نفس المعاناة عرفها اللاجئون الجزائريون بالمناطق الحدودية التونسية بعد تهجيرهم قسريا.
بعد 1956 اجتاح عدد كبير من اللاجئين الحدود التونسية بعد إقدام فرنسا على تنفيذ أجندة تطهير عرقي بالحدود الشرقية، وإستحداث مناطق محرمة وتوسيع العمليات العسكرية فأصبح سكان هذه المناطق مهددين بالمطاردة والقتل.
حسب إحصائيات جبهة التحرير الوطني، قُدر عدد اللاجئين بـ60 ألف لاجئ في أكتوبر 1957، وارتفع إلى 150 ألف في أكتوبر 1959.
وتقدم فرنسا أرقاما أقل، لا تتجاوز 50 ألفا، حسب ما يؤكده الأستاذ محمد كراغل من جامعة محمد الأمين دباغين بسطيف، في دراسة بعنوان “الهجرة القسرية إلى تونس أثناء الثورة 1955-1962 اللاجئون الجزائريون أنموذجا”.
يذكر الباحث، نقلا عن جريدة الصباح التونسية، أن اللاجئين الجزائريين تم توزيعهم في مارس 1958 على بنزرت، باجة، سوق الأربعاء، الكاف، سبيطلة، قابس، قفصة، توزر، نابل، وارتفع عددهم إلى 128850 في أكتوبر 1959.
ويؤكد الأستاذ كراغل أن الهجرة القسرية للجزائريين إلى تونس كانت جماعية، شملت جميع الفئات العمرية للسكان وهي هجرة إجبارية هروبا من التقتيل والتعذيب.
المأساة بعيون صحافيون أجانب
نقلت جريدة المجاهد الصادرة بتاريخ 16 نوفمبر 1959 في الصفحة الثامنة مأساة اللاجئين الجزائريين بعيون صحافيين أجانب زاروا مراكز اللاجئين في مقال بعنوان “مأساة اللاجئين… فضيحة الإنسانية”، مؤكدة أن مأساة هؤلاء اللاجئين تتضاعف يوميا فقد فقدوا كل شيء، معرضون لحر الصيف وبرد الشتاء ومختلف الأمراض التي تفتك بهم.
يروي مبعوث جريدة “لاتريبون دي جنيف” السويسرية، في مقال “آلام يندى منها جبين الإنسانية”، المأساة المريرة للاجئين الجزائريين بالقول: “.. قضيت أسبوعا في القطر التونسي ورأينا أشياء مريعة، واستمعنا إلى شهادات مفجعة وشاهدنا ألام يندى لها جبين الإنسانية حزنا”.
وأضاف:”.. أما اللاجئون أنفسهم فلم يحدثني ولا واحد ممن استنطقتهم بحقد عمن كان سببا في ألامهم وعذابهم.. ولا هؤلاء الرجال الذين ما تزال في أذرعهم أثار التعذيب بالكهرباء، ولا هذا الأب أو هذه الأم اللذان رأيا واحدا أو عددا من أبنائهم قتلوا أمام أعينهم، ولا هؤلاء البؤساء الذين ما تزال نهشات الكلاب البوليسية بادية في أرجلهم.. “.
ووصف الصحفي السويسري وضعية اللاجئين التعيسة في الأكواخ والمخيمات، خاصة أطفالا عبث البرد القارص بأجسادهم النحيلة، مؤكدا أن أغلبية اللاجئين الجزائريين تتكون من النساء والأطفال والشيوخ.
ويقدم المقال إحصائيات بعدد اللاجئين في أكتوبر 1957 والذي بلغ 60 ألف لاجئ ويف 1958 بلغ 70 ألف لاجئ.
في سنة 1959 ارتفع عددهم إلى 150 ألف لاجئ تقريبا، 50 بالمائة من الأطفال حتى سن 16 سنة، و35 بالمائة نساء و15 بالمائة رجال.