محمد الأمين العمودي، الربيع بوشامة، العربي التبسي، محمد رضا حوحو، مولود فرعون وآخرون استشهدوا على يد منظمة الجيش السري الإرهابية oas، التي لم يسلم من جرائمها أوربيون متعاطفون مع الثورة.
طالت جرائم هذه المنظمة القاتلة إحراق المكتبة المركزية في 7 جوان 1962.
الإرهاب الإستعماري لم يفرق بين المرأة والرجل والأطفال والشيوخ، وكانت هذه المنظمة السرية من دعاة أسطورة “الجزائر فرنسية”، عملت على تعطيل مسار المفاوضات.
المنظمة من أخطر العقبات التي واجهتها الثورة الجزائرية بين 1961و1962.
اليد الحمراء هي شعبة في مصلحة التوثيق والجوسسة المضادة SDECE، كان يشرف عليها العقيد كوستانيان ميلنيك Melnik Constantin الذي كان يتحرك بأوامر رئيس الوزراء ميشال ديبري.
بقيت كلمة (لواس-aos) منظمة الجيش السري راسخة في ذاكرة الجزائريين الذين عايشوا فترة المفاوضات إلى يوم وقف إطلاق النار وإستفتاء تقرير المصير، خاصة سكان المدن بوهران والجزائر.
ظهرت هذه المنظمة رسميا بعد فشل انقلاب الجنرالات الأربعة (شال، سلان، جوهو، وزيلر) ضد ديغول في أفريل 1961، والذين كانوا يرون أن دوغول قدم تنازلات لجبهة التحرير الوطني.
تشكلت من الكثير من العسكريين الذين هربوا من الجيش الإستعماري بعد فشل الإنقلاب، ويأتي على رأسهم الجنرال سالان، إنخرط فيها العديد من الطلبة عن طريق جون جاك سوزيني.
في هذا الصدد، أصدر الباحث دحمان تواتي كتابا بعنوان “منظمة الجيش السري ونهاية الإرهاب الإستعماري في الجزائر OAS، تناول فيه بالتفصيل تشكيل هذه المنظمة الإرهابية ومصادر تمويلها وتسليحها ووسائل الدعاية التي اعتمدت عليها لإنجاح مخططها الإجرامي، وفشل القوى النظامية في مواجهتها،وكذا محاولاتها في تعطيل مسار المفاوضات بين الجزائر وفرنسا.
يؤكد الباحث أن مخترع فكرة اليد الحمراء السرية هو الجنرال بول غروسان Paul Grossin، رئيس مصالح الـ SDECE في 1957، وكان لليد الحمراء سجل أسود من الإغتيالات والأعمال الإرهابية التخريبية وبالخصوص ضد تجار الأسلحة الذين كانوا يمولون الثورة الجزائرية، يوميا عشرة أو عشرين تفجيرا.
ويشير الباحث إلى شبه إجماع لدى أكثرية السياسيين والمؤرخين على أن تأسيس منظمة الجيش السري كان في فيفري 1961، ومع نهاية فيفري وبداية مارس 1961 ظهر أول منشور سري لمنظمة الجيش السري في الشوارع وصناديق الرسائل بالجزائر ووهران مفاده:
“الإتحاد المقدس قد تم، جبهة المقاومة اتحدت، أيها الفرنسيون مهما كانت أصولكم، آخر ساعة لفرنسا بالجزائر هي آخر ساعة لفرنسا في العالم وآخر ساعة للغرب. اليوم كل شيء جاهز لأن ينقذ أو يخسر، كل شيء مرتبط بإرادتكم، كل مرتبط بالجيش الوطني، إننا نعرف أن المعركة الحاسمة تقترب، وحتى تكون نصرا تتطلب الوحدة الشاملة والإنضباط التام”.
ويضيف البيان: ” أيها الجزائريون من كل الأصول، بكفاحكم من أجل “الجزائر فرنسية”، فإنكم تكافحون من أجل حياتكم ومن أجل شرفكم ومستقبل أبنائكم وتشاركون في الحركة التجديدية الوطنية الكبرى، وفي هذا الكفاح ستتبعون أوامر منظمة الجيش السري فقط، وتأكدوا أننا سنقف جميعا معا وأسلحتنا بأيدينا ضد التنازل عن الجزائر وأن النصر مضمون إذا عرفنا كيف نستحقه، قفوا جميعا موحدين لتحيا فرنسا، منظمة الجيش السري”.
طبعت 58 ألف نسخة من هذا النداء، وانضم إلى هذا التنظيم الإرهابي قدماء المحاربين، الطلبة، الفاشيون أتباع لغيارد سوزني وزغامي، المستوطنون أصحاب الأراضي، الجبهة الوطنية الفرنسية، السياسيون أمثال جاك سوستال وغيرهم من دعاة الجزائر-فرنسية.
تميز نشاطها في الأشهر الثلاث فيفري، مارس، وأفريل بإستعمال المتفجرات البلاستيكية، وكان هدف التفجيرات الأولى هو التعبئة النفسية وإعادة الأمل إلى الأقلية الأوروبية وتجنيدها ماليا وسياسيا.
وفي هذه المرحلة كان التفجير يتم في أوقات غياب أصحاب المحلات التجارية أو الشركات أو الجرائد، بهدف إجبار المستهدفين على دفع الأموال إلى منظمة الجيش السري أو إجبارهم على تغيير خطها السياسي أو تبليغ رسالة تحذير لمن توضح لهم لصيقة اللبرالية أو الشيوعية.
شرعت منظمة الجيش السري في هذه المرحلة في زرع شبكتها الموازية داخل الشرطة والإدارة والنقل والبنوك والبريد، تكون على إطلاع مباشر بحركة الأموال أو المشبوهين.
مصادر التمويل
تعددت مصادر تمويلها وأول ما بدأت به هو اشتراكات الأقليات الأوروبية وحتى بعض الجزائريين في منطقة نفوذ منظمة الجيش السري، حاولت منظمة الجيش السري في بداية الأمر أن تبدو بمظهر من يحترم دخل الأفراد، فأصحاب المهن الحرة كالأطباء والمحامين يدفعون أكثر من الأجراء الذين يدفعون ما بين عشرة وعشرين فرنكا جديدا.
وتدفع الشركات البترولية والمنجمية وأصحاب المؤسسات الصناعية إلى منظمة الجيش السري نفس المبلغ الذي يدفع إلى خزينة مصلحة الضرائب، وتلجأ بعض الشركات إلى إقتطاع اشتراكات عمالها على أن تخصم من مرتباتهم نهاية كل شهر، ولم يسلم من ضرائب المنظمة لا مؤسسات الميناء بما فيها مؤسسة إنتاج الزيت طمزالي أو شركة بيرليي لإنتاج الشاحنات في رويبة.
إضافة إلى تدعيم نقابة كنفدرالية أرباب العمل هذه المنظمة الإرهابية بأموال طائلة.
استفادت المنظمة من الأسلحة الفردية التي يملكها الأقدام السوداء،واستطاع غالبية شبابهم وكهولهم التدرب على الأسلحة الحربية الخفيفة أو الثقيلة داخل إطار الوحدات الإقليمية، واستولت منظمة الجيش السري على 7 آلاف قطعة سلاح، منها 200 قطعة حربية وثلاثين بين رشاشة وبندقية رشاشة، و2000قنبلة يدوية وقاذف قنابل و100 ألف طلقة و50 قاذف هاون و200 مفجر وعشرات أجهزة الاستقبال والبث و100 شحنة من البلاستيك.
وفي 18 مارس 1962 استطاع أحد عناصر منظمة الجيش السري متموها أن يحصل على 209 قذائف مضادة للدبابات و83 رشاشا من عيار 12.7، إضافة إلى 1872 بندقية ذخيرة بدعوى أنه في مهمة لنقلها إلى فرنسا خوفا من وقوعها بيد منظمة الجيش السري.
وتدل التسهيلات في الاستيلاء على السلاح تواطؤ الجيش الفرنسي لأنه الوحيد الذي يقوم بإنتاج البلاستيك.
وتبين إحصائيات الجيش الفرنسي أن منظمة الجيش السري قامت بـ800 عملية سطو على مخازن الأسلحة شهر فيفري 1962 وحده وبنحو 4 آلاف و300 عملية أخرى شهر مارس من نفس السنة، والأسلحة التي استولت عليها منظمة الجيش السري بوهران هي قذيفتين هاون، 215 رامي قذائف،94 رشاش، وعشر بنادق رشاشة. إضافة إلى أسلحة حربية أخرى ومتفجرات.
ويعترف ريمي كوفر، الذي عمل في صفوف الشرطة الفرنسية المضادة لمنظمة الجيش السري، أن هذه المنظمة لم تشك قط من ندرة السلاح أو الذخيرة وأن المتفجرات كانت تصلها من اسبانيا، والأسلحة الآلية مباشرة من ترسانات الجيش.
وأولت منظمة الجيش السري سلاح الإعلام اهتماما خاصا بإنشاء فرع خاص مكلف بالدعاية هو فرع العمل النفسي والسياسي، وشرعت في الدعاية بإلقاء منشورات في الشوارع وتفجير البلاستيك الاستعراضي، وأصدرت الدوريات والشهريات وأشهر وسائلها الراديو الرسمي منذ صائفة 1961 وبثها الحصص السرية كل مساء.
جرائم شنيعة
ومن بين هذه العمليات قامت بتفجير مكاتب تاجر الأسلحة الألماني الشهير أوتوشلوتر Otto Schluter في 28 سبتمبر 1956، وقتلت مساعده لورنزو Lorenzo، وقتلت عجوز في تفجير سيارة بمدينة هامبورغ في 3 جوان 1957 وهي والدة أوتوشلوتر.
في 18 جويلية من نفس السنة قامت بتفجير باخرة جورج بوخرت “البروجا روجا” بطنجة،وفي 21 من نفس الشهر فجرت باخرة تيفون بطنجة.
لم تتوقف اليد الحمراء عن عمليات التخريب والقتل بالمتفجرات، بل نوعت أساليبها بإغتيال جورج جيسر صاحب مصنع متفجرات طعنا بالسكين في 9 سبتمبر 1957 بمدينة جنيف السويسرية، و في 19 من نفس الشهر بجنيف مارسيل ليوبولد الذي أغتيل بسهم مسموم تم رميه بسريكانة وهو أنبوب يعمل بالهواء المضغوط.
وقامت اليد الحمراء بأعمال إرهابية عديدة عام 1958 كتفجير باخرة الأطلس بميناء هامبورغ وفي أول أكتوبر اغتالت المناضل الجزائري أيت أحسن الذي كان ينشط تحت غطاء دبلوماسي واغتالت المحامي أوفوست تيفني بتفجير سيارته بالرباط في 28 نوفمبر.
في 19 جانفي 1959 اغتالت المناضل الجزائري عبد السوالم بمحطة ساربروك وجورج بشير في 3 مارس ثم المحامي الجزائري أمقران ولد عودية أحد محامي جبهة التحرير بفرنسا رميا برصاصتين من عيار 9 مم في القلب أمام مكتبة بنهج سان ميشال بقلب باريس.
وفجر عناصر اليد الحمراء طائرة، وعثر بفال داووست على خمس جثث على إرتفاع 3000 متر، منهم جزائري من مساعدي الرئيس فرحات عباس في 5 سبتمبر، و أغتيل في بيروت محمد محمود جامي ابن أخ رئيس المجلس العراقي، وكان جامي الذي إلتقى فرحات عباس يتهيأ لركوب طائرة تأخذه من بيروت إلى الولايات المتحدة.
وفي الفاتح جانفي 1960 فقد عبد القادر يايسي ذراعيه وإحدى عينيه بألمانيا، عندما انفجر عليه طرد مفخخ، وفي التاسع مارس 1960 اغتالت اليد الحمراء الطالب الجزائري أكلي عيسو بالرصاص في العاصمة البلجيكية بروكسل.
وبعد إغتيال صبي إيطالي بروما كان يحاول سحب كرة يلعب بها تدحرجت تحت سيارة ممثل جبهة التحرير الوطني الطيب بولحروف، و استخدمت اليد الحمراء الكتب المحشوة بالمتفجرات لإغتيال مثقفين وأساتذة جامعيين كانوا يناضلون ضد الحرب في الجزائر.
وفي 25 مارس 1960 أدى إنفجار طرد مفخخ إلى تمزيق جسم الأستاذ جورج لابيرا George Laperche الذي كان يدرس في ليياج Liége استلم كتاب كبير حول المجازر الإستعمارية الفرنسية في الجزائر بعنوان “التهدئة La Pacification صادر عن دار نشر يديرها المناضل ضد الإستعمار نيلس أندرسون.
يحتوي الكتاب على تقارير وصور لممارسات المضلين الفرنسيين ضد الشعب الجزائري، ومن بين الوثائق صورتان فوتوغرافيتان الأولى تمثل جنديا فرنسيا يحمل جمجمتي جزائريين، ويبتسم للكاميرا وجندي آخر يضع في قدر رأس جزائري.
كتاب التهدئة الذي استعملته مصالح رئيس الوزراء ميشال ديبري كقنبلة لقتل الأستاذ جورج لابيرش، كان يتضمن تقديما لهنري علاق صاحب كتاب الاستنطاق الذي منع في فرنسا ونشره نيلس أندرسون بسويسرا ومقالا لكاتب ياسين.
إرهابيو اليد الحمراء قاموا بحشو نسخة من هذا الكتاب ذي الحجم الكبير بمادة البلاستيك وزودوه بمفجر وقدموه للتضحية الشهيد جورج لابيرش الذي تمزق جسمه، ونجا مثقفان بلجيكيان آخران من إنفجار نسختان من نفس الكتاب الأول لأن الجهاز المفجر تأخر في العمل ما سمح بتفكيكه، والثاني كان حذرا بعد أن سمع بوفاة زميله لوبيرش.
ويروي العقيد كوستانيان ميلنيك تفاصيل عن أعمال اليد الحمراء التي كان يديرها كمستشار أمني لرئيس الوزراء على شكل روايات، ويؤكد في رواياته “جاسوس القرن” دار نشر بلون الصادرة في 1994، أن مجتمع الاستخبارات ليس إلا أداة طيعة في يد السلطة السياسية.
ولتغطية جرائم اليد الحمراء، كانت مصالح المخابرات الفرنسية تزود الصحافة ووسائل الإعلام بمعلومات مغلوطة حول منظمة اليد الحمراء التي تنسب إليها الأعمال الإرهابية للأجهزة الفرنسية خارج الحدود الفرنسية.
ولجأت إلى وسائل تغليط كنشر كتب بأسماء مستعارة حول اليد الحمراء، مثل كتاب نشرته المخابرات من توقيع كاتب إسمه نيار جونيل، وهو إسم مستعار لكورت ايميل شويزر، وهو حوار إفتراضي مع زعيم اليد الحمراء يشرح فيها أسباب الإغتيالات والتفجيرات.