أحيت مديرية المجاهدين ببرج بوعريريج، فعاليات الندوة التاريخية المزدوجة الموسومة بالأيام التاريخية في نضال جمعية العلماء المسلمين، والذكرى الـ 151 لاستشهاد الشيخ محمد المقراني قائد الثورة الشعبية، أمس الجمعة بحضور مجموعة من الباحثين والمهتمين بالشأن التاريخي، ورئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الرزاق قسوم.
أشاد رئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الرزاق قسوم، خلال مداخلته بمناسبة الذكرى الـ91 لميلاد الجمعية، بالدور الكبير الذي تحملته الجمعية في محاربة الاستيطان الخبيث، الذي لم يتوقف يوما عن محاربة كل ما له علاقة بمقومات الهوية الجزائرية، بدأ بإضعاف المقوم العقائدي والعقلي في نفوس الجزائريين، واعتماده منهج التغريب والقطيعة في كل ما هو جزائري إسلامي وعربي.
وقال قسوم: ” تجلى ذلك واضحا من خلال إصدار قانون، يقضي بإلغاء قضية الوقف العام والخاص، باعتباره يشكل عنوانا للاستقلال الذاتي لدى الأمة الجزائرية”.
وأشار قسوم إلى عمليات الهدم التي تعرضت لها المساجد على نطاق واسع، من أجل محاربة ذلك البريق الروحاني المتوهج الذي كانت تبعثه المساجد في نفوس الجزائريين، على اعتبار أن المساجد كانت تمثل المكان الجامع للأمة والمؤسسة الدينية الجامعة لها، في أفراحها وخصوماتها وفي حل كل المشاكل.
وأضاف: ” رأت السلطات الاستعمارية في بقاء المساجد تحت سلطة الوقف وسلطة الأمة، بمثابة تهديد لها من شأنه أن يقوّض من سلطتها الاستعمارية، لذا سعت إلى خرابها وإلغائها، بل حولت جلها إلى أماكن سياحية، مخازن للأسلحة، مرابط وإسطبلات لتربية الخيل أو كنائس مثلما الحال بالنسبة لمسجد كتشاوة، “الذي اعتكف به المسلمون لأكثر من سنة معتصمين، رافضين الخروج منه، ومطالبين بالعدول عن تحويله إلى كنيسة وعدم الاستجابة لتهديدات جنود المستعمر بهدم المسجد فوقهم”.
وأوضح قسوم أن المستعمر الفرنسي لجأ إلى حيلة خبيثة، تمثلت في إحضار مفتي أقنعهم بالخروج من المسجد حقنا لدمائهم، ليتحول فيما بعد إلى كنيسة. ليعود هذا الصرح الديني، بعد الاستقلال مباشرة، إلى ما كان عليه في بادئ الأمر، بإقامة أول شعيرة تمثلت في الخطبة العصماء الأولى للعلامة محمد البشير الإبراهيمي في أول صلاة جمعة أديت بالمسجد.
وأشار رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في مداخلته إلى اعتماد سياسة التضييق على العلماء كأسلوب وطريقة لا تقل أهمية عن سابقاتها من سياسة الحديد والنار المنتهجة من طرف الإدارة الاستعمارية في الجزائر، والدور البارز الذي كان يمثله العالم في تنشيط الأمة، والتمسك بمقومات الهوية الإسلامية.
واعتبر المحاضر أن الاحتفالية المشؤومة بمناسبة مرور 100 سنة على احتلال الجزائر، وما صاحبها من استهزاء بالقول والفعل، على لسان ما ردده المحتل وزبانيته “..نحن لا نحتفل بمناسبة 100 سنة على الاحتلال، بل بتشييع جنازة الإسلام في هذا البلد ..”، شكلت ميلاد الشعار المقدس للجمعية بأن الإسلام ديننا والعربية لغتنا، والجزائر وطننا.
وأكد في السياق أن التحدي الأبرز الذي كان يواجه الجمعية هو التخلف بشموليته، بسبب الجهل والأمية والتعصب الأعمى الذي كان ينخر الأمة في ذلك الوقت، فتولت الجمعية مهمة التدريس، وتصحيح المفاهيم المغلوطة للدين ومحاربة الجهل والظلامية التي غرسها الاستعمار الاستيطاني في نفوس الجزائريين، وعمدت الجمعية إلى إحداث علاج خاص تمثل في منهج الإخلاء والمنع، على حد وصف المتحدث.
وأوضح أن الإخلاء نعني به، إخلاء النفوس والعقول والقلوب من المفاهيم المشينة التي كانت تشوش على الهوية وعلى صدق الانتماء، بما يهدد محو الذات الجزائرية مصداقا لشعار الجمعية “وأهزز نفوس الجامدين …، اقلع جذور الخائنين..، وأذق نفوس الظالمين”، والتي مثلت دستور ابن باديس في نشيده الخالد الذي جسد معالم الدولة المستقلة.
ونجلى تحلي المواطن بالقيم الإسلامية النبيلة، في صياغة منهج الجمعية الإصلاحي ،الذي لا تزال بصمته الواضحة المعالم إلى يومنا هذا .
ثورة المقراني الثالثة انتشارا بعد مقاومة الأمير
اعتبر الباحث التاريخي بجامعة برج بوعريريج صالح بن سالم، في مداخلته حول الذكرى الـ151 لإستشهاد المقراني، أن ثورته تعتبر الثالثة من حيث الانتشار الجغرافي، بعد مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري والحاج احمد باي، وذلك لسببين أساسيين على حد وصفه. الأول أن الحاج محمد المقراني، كان سليلا للأسرة المقرا نية، التي حكمت المنطقة منذ حوالي 3 قرون، بداية من الدولة الحفصية، مرورا بالحكم العثماني، ومن بعده الاحتلال الفرنسي.
وأشار أن نهاية ثورة المقراني كانت باستشهاده، وهو يؤدي صلاة الظهر بجنوده بوادي” سوفلات” الواقع بولاية البويرة في الخامس من ماي سنة 1871، رغم صغر عمر هذه المقاومة التي لم يتجاوز عدد أيامها الـ 50يوما، منذ انطلاقها في 14 من مارس 1891 إلى غاية انتهائها في الـ05 ماي من نفس العام.
وتحظى عائلة المقراني، وفقا لما أكده الباحث بن سالم، بولاء كبير من العشائر والقبائل المنتشرة في المنطقة، التي سرعان ما انخرطت في المقاومة بمجرد إعلان الحاج المقراني الحرب على فرنسا.
واعتبر الباحث التاريخي، أن العامل الأبرز الذي جعل من هذه المقاومة تحتل المرتبة الثانية من حيث النطاق الجغرافي، هو توشحها بالطابع الديني، الروحاني، والصوفي، سيما بعد أن تبنتها الطريقة الرحمانية، في 08 أفريل 1871، أين أعلن الشيخ أمزيان الحداد وولديه في سوق بلدة صدوق بنواحي بجاية، انضمامه إلى ثورة المقراني بشكل رسمي، وإعطائه الأوامر لكل أتباع الطريقة الرحمانية بالانخراط في ثورة المقراني، ووجوب الجهاد ضد المستعمر الفرنسي.
وبلغ عدد المريدين وأتباع الطريقة الرحمانية، وفقا لما أقرت به المراجع التاريخية الفرنسية في ذلك الوقت، حوالي 125 ألف شخص تابع للطريقة الرحمانية، منتشرين في مختلف الأقاليم التي تصل حدودها إلى ولاية قسنطينة شرقا والجلفة جنوبا وتيزي وزو وبجاية شمالا، انضموا كلهم إلى ثورة المقرانين وهو ما جعل لهيبها يتوسع جغرافيا بشكل كبير.
وبالنسبة للتداعيات والآثار التي خلفتها ثورة المقراني على الإنسان والمكان، فقد لخصها الباحث في نقطتين أساسيتين. أولهما تتعلق بالأرض، حيث عمدت السلطات الفرنسية إلى الانتقام من كل الأفراد والأسر التي ساندت الثورة وأيدتها، من خلال عملية تهجير قصر ونفي داخلي وخارجي.
ويصنف التهجير القصري نحو المغرب الأقصى وتونس وفلسطين وتركيا وسوريا، وخاصة نحو جزيرة كاليدونيا، التي تبعد عن الجزائر بـحوالي 22 الف كلم، كإحدى أكبر جرائم الاستعمار.
وارتكب الاستعمار جريمة أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها، تمثلت -على حد وصف الباحث- في طمس الحالة المدنية لهؤلاء، بتحويل ألقابهم وأسمائهم إلى أسماء أوربية من أجل إحداث القطيعة بينهم وبين وطنهم الأم في الجزائر، إذ لم تفلح أي محاولة منذ اعتماد قانون الحالة المدنية في 1892 في منع ربط جسور التواصل بين هذه العائلات المهجرة، وأقاربهم وذويهم في الجزائر.
وأكّد الباحث أن شهر ماي يمثل ذكرى “تمازج المداد بالدم”، تجسدت في ذكرى تأسيس جمعية العلماء المسلمين وذكرى استشهاد الشيخ محمد المقراني ومجازر 08 ماي 1945.
رابح سلطاني/برج بوعريريج