مصالي الحاج أب الوطنية، أول من دعا إلى إستقلال الجزائر ودافع عن حقوق المغتربين الجزائريين في ثلاثنيات القرن العشرين.
ولد مسلي أحمد المعروف بمصالي الحاج يوم 16 ماي 1898 بتلمسان، من أب فلاح كان شخصا محترما ومبجلا لدى الجميع ومتدينا، اشتغل حارسا لقبة سيدي عبد القادر بتلمسان.
والدته ابنة قاض شرعي وحرفي ميسور الحال.
عندما بلغ مصالي الحاج سن الدراسة اقترحت عليه أمه المدرسة العربية، لكن أباه فضل تسجيله في إحدى المدارس الفرنسية، لأنه كان يرى أن تعلّم الفرنسية سيمكّن ابنه من الدفاع عن نفسه والدفاع عن بلده واستقلاله، وبالفعل كان له ما أراد.
رغم إلتحاق مصالي التلميذ بإحدى المدارس الابتدائية الفرنسية، لكنه لم ينقطع عن ثقافته العربية الإسلامية بحكم أن أباه كان رجلا متديّنا.
تردد مصالي الحاج على الزاوية الدرقاوية كغيره من أفراد عائلته، فجعلت منه شخصية عربية مسلمة نابعة من بيئته.
جُند مصالي في الجيش الفرنسي عام 1918، ورقي إلى رتبة رقيب. هذا التجنيد فتح له آفاقا جديدة في مستقبله السياسي والنضالي ضد الاستعمار، جعلت منه أبا للوطنية الجزائرية بحق.
بعد تسريحه من الخدمة الإجبارية وزواجه بالفرنسية، «اميل بوسكيت» وفق أصول وقواعد الشريعة الإسلامية، عمل كغيره من المغتربين في مصانع ومعامل فرنسا.
كان كثير الاحتجاج لأنه لا يطيق رؤية مظاهر التمييز العنصري، والظلم الاجتماعي، الذي مارسته فرنسا على العمال المغتربين، خاصة العرب، ما جعل أصحاب المصانع يصفونه بالمشوّش بسبب احتجاجاته الدائمة، والجريئة على مظاهر الاستغلال.
استغلّ مصالي الحاج وجوده بفرنسا لتحسين مستواه العلمي والثقافي، إذ كثيرا ما كان يتردّد على مدرجات جامعة «السوربون» ليس كطالب، ولكن كعصامي يريد أن يغرف من العلوم والثقافات الإنسانية لتحسين مستواه.
شبكة علاقات إنسانية وعلمية وثقافية
كوّن نسيجا من العلاقات الإنسانية والعلمية والثقافية، تعرّف هناك على الأديب الكبير محمد ديب والزعيم نهرو، و شكيب أرسلان، وغيرهم من الزعماء والكتاب والمثقفين القادمين من البلدان المستعمرة، التي بدأت تشهد ميلاد الكثير من الأحزاب والحركات التحررية.
كان للأحداث التاريخية التي واكبها مصالي الحاج الأثر البالغ في صقل حياته النضالية والسياسية. عاصر أحداث الحرب العالمية الأولى، سقوط الخلافة الإسلامية، الثورة البلشفية وثورة الريف المغربي بقيادة عبد الكريم الخطابي، فحفزته كل هذه الأحداث على التفكير في إيجاد إطار سياسي يبلور من خلاله أفكاره ورؤاه السياسية.
انخرط في «الحزب الشيوعي الفرنسي»، ثم أسّس بمعية الحاج علي عبد القادر والجيلالي شبيلا ما سمي آنذاك بحزب «نجم شمال إفريقيا» سنة 1926.
كان هذا الحزب يطالب باستقلال كل البلدان التي تقع في شمال إفريقيا، أو ما تسمى حاليا بدول «المغرب العربي».
في 26 فيفري 1927 شارك مصالي الحاج في وفد ممثلا عن النجم في مؤتمر بروكسل لمناهضة الاستعمار، وطالب في تدخله باستقلال الجزائر.
ولكن سياسة مصالي الحاج الوطنية الداعية إلى الاستقلال، لم ترض الشيوعيين الذين كانت سيطرتهم واضحة على «النجم».
فأوقف الحزب الشيوعي مساعداته المالية ما جعل الصراع بين مصالي والشيوعيين يبلغ أشده، فانسحبت كل العناصر الشيوعية من «النجم»، وهو ما جعل السلطات الفرنسية تحله بتاريخ 20 نوفمبر من 1929 بتحريض، وإيعاز من الحزب الشيوعي.
تأسيس النجم
اضطر مصالي للإعلان عن إعادة تأسيس الحزب باسم جديد وهو «نجم إفريقيا الشمالية»، وحينها برزت كفاءته ومقدرته في إدارة الحزب وتوجيه سياسته الوطنية المستقلة.
انتخب سنة 1933 رئيسا للنجم، ولكنه أوقف في نوفمبر 1934 بتهمة إعادة تنظيم جمعية منحلة، وسجن لمدة ستة أشهر نافذة وغرامة مالية مقدارها 200 فرنك.
انتقل إلى جنيف بسويسرا، وكان دائم الاتصال بالأمير «شكيب أرسلان»، وقام بنشاطات مكثفة لصالح القضية الجزائرية.
أعلن أب الحركة الوطنية، وبكل شجاعة في المؤتمر الإسلامي في 1936،عن رفضه التام للمشروع الاندماجي أو ما سمي بمشروع «بلوم فيوليت»، في خطاب ألقاه أمام 2000 مشارك صارخا بأعلى صوته، وهو ممسك بحفنة من تراب «هذه الأرض أرضنا ولن نبيعها لأحد».
أعلن في 25 جانفي 1937 عن حل جمعية «النجم المجيد»، وكان مصالي بفرنسا فطلب من أنصاره العمل باسم جمعية «أحباب الأمة».
وظل هكذا إلى أن أسّس مع رفاقه في 11 مارس 1937 «حزب الشعب الجزائري».
انتقل إلى الجزائر في شهر جوان، ولكنه سرعان ما اعتقل رفقة خمسة أعضاء من الحزب بتهمة التشويش ضد السلطة الفرنسية.
انتقل بين سجون الحراش، وبربروس وسجن لمدة سنتين، مع حرمانه من كافة حقوقه المدنية والسياسية.
في سنة 1939 حلت الإدارة الفرنسية حزب «الشعب الجزائري» ومنعت جرائده من الصدور، وفي أكتوبر من نفس العام اعتقل مصالي من جديد مع بعض أنصاره، وحكم عليهم بـ 16 سنة سجنا نافذة.
بين القليعة والعاصمة
وبعد نزول قوات الحلفاء بالجزائر في 1942، أطلق سراح مصالي من سجن «تازولت» بباتنة، ووضع تحت الإقامة الجبرية.
أبعد إلى مدينة القليعة، ثم عاد إلى العاصمة أقام بمنطقة بوزريعة وأسّس «حركة انتصار الحريات الديمقراطية»، والتي تعتبر النواة الأولى المفجّرة للثورة، وفيما بعد انبثقت عنها المنظمة السرية «لوس».
بعد الانشقاقات التي وقعت في صفوف حزب الشعب بين المصاليين والمركزيين، ظهرت لجنتان موازيتان للإعداد للثورة الأولى، هي اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي رفض مصالي التعاون معها وأسس اللجنة الثانية سميت اللجنة الثورية الجزائرية.
اجتمعت يوم 15 أوت 1954 وحدّدت المسؤوليات، وقسّمت البلاد إلى 6 ولايات وثلاث مناطق ثورية، ولكن اللجنة الثورية للوحدة والعمل فاجأتهم، وسبقتهم بإعلان الثورة في أول نوفمبر 1954.
وعند اندلاع الثورة لم يقف مصالي الحاج موقف العدو – مثلما يصوّره البعض – بل أنه لم يكن واثقا من قدرات تلاميذ الأمس الذين تربّوا في مدرسته السياسية والنضالية الاستقلالية.
ولم يهضم خروجهم عن طاعته، وبعض الباحثين يعتبرون الأحداث الأليمة التي وقعت آنذاك خاصة في فرنسا، بأنها مجرد انزلاقات هامشية على حساب الغاية الإستراتيجية التي ناضل من أجلها.
ولم يتوقّف حتى في عز الثورة التحريرية، حيث قدّم سنة 1956 مذكرة للأمم المتحدة مطالبا باستقلال الجزائر.
رفض مصالي الدعوة التي وجّهها له الجنرال «ديغول» سنة 1960 للتفاوض حول الاستقلال، لأنه كان يرى بأن الهدف من ذلك هو إضعاف الثورة، وبعد الاستقلال بقي مصالي الحاج في فرنسا إلى أن توفي يوم 03 جوان 1974.