شخّص الدكتور فتحي بن أشنهو، الوضع الصحي للجزائر خلال الثورة. ووصف ظروفها بالكارثية واللاإنسانية، مع انعدام الإمكانات في تلك الحقبة، في مواجهة غطرسة ووحشية أعتى قوة استعمارية في العالم، كانت تستعمل وسائل حرب ثقيلة، لاستهداف الثوار وملاحقتهم في المدن والقرى وقصفهم بقاذفات وطائرات عسكرية بقنابل نابالم حارقة.
وسائل منعدمة مقابل قنابل «النابالم» الفرنسية
تحدث الدكتور بن أشنهوفي شهادة قدمها في منتدى جريدة «الشعب»، عن الظروف الصحية التي عانى منها الجزائريون خلال الاحتلال الفرنسي، خاصة في فترة ثورة التحرير المباركة، وأكد أن تلك الظروف أجبرت المجاهدين على البحث عن تقنيات لعلاج الجرحى والمصابين في تلك الظروف الصعبة جدا.
وأضاف أن حزب جبهة التحرير في تلك الحقبة، والذي كان يتولى تنظيم الثورة رفقة جيش التحرير الوطني، كان لابد له من التكفل بالتغطية الصّحية للمجاهدين، خاصة في الجراحة، التطبيب والعلاج، فضلا عن التكفل النفسي بالثوار والفدائيين، ودراسة نفسية المجاهدين الذين كانوا في معظمهم شبابا، وهم يتعرضون للجرائم الوحشية لفرنسا، ويشاهدون مظاهر مروعة لأجساد مبتورة الأعضاء، وأحشاء خارج الأجسام، وغيرها من المناظر التي يندى لها جبين الإنسانية.
وأشار المحاضر، إلى أن الثورة التحريرية التي انطلقت بوسائل بسيطة وتقليدية، لم تكن التغطية الصحية خلالها استثناء، مبرزا غياب الوسائل الكافية للتكفل طبيا بالجرحى والمصابين، وكان العلاج والتطبيب في الخلاء تحت أشعة الشمس الحارقة صيفا، وعرضة للبرد القارس في الجبال شتاء، وفي أحسن الأحوال تعتمد مغارات الجبال كمستشفيات.
ولفت الدكتور: ” في بداية الثورة التحريرية كنا نتخبط وحدنا، لكن الارتباط المتين بين القاعدة في المدن، أين توجد المستشفيات والصيادلة، وفي الجبال مركز الثوار، أنقذ العمل الصحي خلال الثورة، بعد تشكيل سلسلة بين المدن والجبال لنقل أدوات التعقيم والجراحة والقطن”.
وأبرز أن، كل من كان يعمل في المستشفيات الفرنسية عرضة للاعتقال والسجن، والتعذيب من قبل السلطات الاستعمارية التي شددت الحراسة في المستشفيات.
وكانت تتحرى يوميا أين تذهب أدوات التطبيب والجراحة، وكل من يضبط حاملا حتى القطن يُحال على الاستجواب والسجن، خاصة وان فرنسا جندت العملاء «البياعين»، واعتمدت على ترقيم كل الأدوات الطبية.
وأضاف أنه، بالرغم من ذلك كان يصل الدعم، ما ساعد على مواصلة الكفاح، مختصرا مخاطر ما كان يحدث بالقول: «كل من كان يحمل قارورة كحول من مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة، أومستشفى قسنطينة يقابله الموت».
وحول نوعية الإصابات، كانت بين البسيطة والعميقة، وقال المحاضر: «اضطررنا لبتر الأرجل والأيادي من دون استعمال مخدر، وبأدوات غير طبية على غرار المنشار في محاولة لإنقاذ المجاهدين، وكنا نخاطر بحياة الإفراد».
وابرز أن، الأطباء في تلك الحقبة اضطروا لإخماد حروق قنابل النابالم المادة الخطيرة الحارقة بالماء فقط.
وأوضح المتحدث، أن قيادة جبهة التحرير اضطرت لاستقدام الطلبة الجزائريين من كليات أجنبية، على غرار فرنسا، للالتحاق بالجبل وكانت تلك الحلقة الفاصلة لبداية التغطية الصحية، أصبحوا يجاهدون بالسماعة والسلاح في نفس الوقت.
ووجدوا أنفسهم وسط المعركة، وأشار بن اشنهوإلى الشروع في تكوين الممرضين والممرضات العاملات في المستشفيات، كان أغلبهم يتلقى تكوينا مباشرا في الميدان ليلتحقوا مباشرة بالعمل في ظروف كارثية.
حدث هذا في وقت كان الجزائريون يتعرضون لإبادة من طرف فرنسا في ظروف سيئة جدا، لكل أولئك القاطنين في أماكن كنا نطلق عليهم «أحياء العرب» في قلب المدن ــ أوضح بن أشنهو.
الوحدات القاعدية الصحية
وعن مرحلة بداية الاستقلال، أكد المحاضر أن اللاجئين بدأوا بالعودة إلى الجزائر قادمين من تونس، رجالا ونساء، وهم في وضعية خطيرة، تم التكفل بهم.
وبعدها تم التأسيس لأحسن نظام صحي في الجزائر، وأنشأت الوحدات القاعدية بعد الاستقلال، ومصلحة حماية الأمومة والطفولة التي قامت بعمل كبير، جابهت مختلف الأمراض في تلك الحقبة، منها الأمراض الصدرية مثل السل الذي أودى بحياة الكثير من الجزائريين، ليتم بعدها الاعتماد على الرضاعة الطبيعية، وتحسين التغذية وإنشاء سجل الصحة في الوحدات القاعدية.
عاد الدكتور لمواجهة المنظمات الصحية العالمية، التي تنتقد المنظومة الصحية الجزائرية، بالقول «اعتمدت الجزائر التلقيح منذ الاستقلال، كونت قاعدة معلومات حول الفيروسات، والتي لابد أن تُجابه بالوقاية والتربية الصحية واعتماد التلقيح».
وأكد أن جزائر ما بعد الاستقلال، شكلت أحسن نظام صحي، لا يعتمد على فاتورة استيراد الأدوية واستقدام المعدات من آخر طراز والتي سرعان ما تتعطل.
وأضاف: أحسن نظام صحي نعتمد عليه قائم على الوحدات القاعدية ومستشفياتنا الصغيرة، لذلك لابد من التخلص من عقلية «المستشفى» في تقييم المنظومة الصحية».
أظهر المتحدث افتخاره الكبير بالطب المدرسي، والصحة بالجامعية خلال نفس الفترة.