يؤكد الباحث الصادق بخوش أن مؤتمر الصومام حتى وإن إختلف في بعض بنوده الإيديولوجية عن الخط المرسوم للثورة في منطلقاتها، لكنه ليس انحرافا وإنما اجتهادا.
قال الكاتب الصادق بخوش، لـ”ذاكرة الشعب”، “لا يوجد مهندس واحد لمؤتمر الصومام ، هو عمل جماعي واستمرار للقاء الـ22 الذي فجر الثورة”.
يعتبر مؤتمر الصومام محطة تاريخية مهمة جاء عاما بعد هجومات الشمال القسنطيني، ما هي القيمة الرمزية التي يمكننا كجيل اليوم استخلاصها من هذا الحدث؟
الصادق بخوش: اصطلحت الدولة الجزائرية على تسمية الذكرى المزدوجة لهجوم 20 أوت التاريخي، وانعقاد مؤتمر الصومام يوم 20اوت 1956بيوم المجاهد، وهذا تيمنا بما للمجاهد من أفضال على أمته ووطنه، لان الجهاد في سبيل الله والوطن ليس عدوانا، وإنما دفاع عن النفس وعن الوجود والكرامة.
وإذا كان يوم 20 أوت 1955 وضع قطيعة مع الشك والتردد في جدية الثورة، وإرادة الشعب وتصميم طلائعه المقاتلة، إضافة إلى كسر حاجز الخوف من قوة الجيش الفرنسي الذي لا يقهر وتأكيد الفعل الثوري داخل قلوب أبناء الشعب، فضلا عن أبعاد أخرى ذات قيمة استراتيجية لمكانة الثورة في المجال الدولية وغيرها.
لم يتقرر عقد مؤتمر الصومام سنة 1956وإنما كان في رزنامة القيادة من سنة 1954، وقد تأجل زمانا ومكانا لأسباب، بما في ذلك اقتراحه في منطقة الحدود الجزائرية التونسية وتحديدا بجبل بني صالح، وهذا لأسباب عديدة، إلى أن كان القرار النهائي لانعقاده في ظروف خاصة بمنطقة اوزلاغن على ضفاف وادي الصومام.
التقى ممثلون عن المناطق التاريخية التالية: الثانية والثالثة والرابعة ومنطقة الجزائر العاصمة والمنطقة الخامسة، وغاب عن هذا اللقاء قائد المنطقة الأولى مصطفى بن بولعيد، الذي استشهد في مارس 1956، وغابت كذلك منطقة القاعدة الشرقية، إضافة إلى القادة التاريخيين الموجودين بمصر وهم: احمد بن بلة وآيت احمد، محمد خيضر، ومحمد بوضياف.
لا يوجد مهندس واحد لهذا المؤتمر فهو عمل جماعي واستمرار للقاء الـ22، الذي فجر الثورة وان إختلف في بعض بنوده الإيديولوجية عن الخط المرسوم للثورة في منطلقاتها، لكنه بتقديري المتواضع ليس انحرافا و إنما اجتهادا ،هذا إذا تكلمنا بمنطق حركة تاريخ الثورة،لا بمدلولاتها السياسية الظرفية .
لا أحد يشك أن هذا المؤتمر أرسى قواعد صلبة لجملة من الإجراءات كتنظيم جيش التحرير حسب الرتب والمسؤوليات وتوزعها وتحويل المناطق إلى ولايات، تخضع كل ولاية إلى تنظيم هيكلي يتولى المسؤولية العسكرية والسياسية والاستخباراتية والإعلامية والتمويل والصحة والاهتمام بجماهير الشعب وتاطيرها وحمايتها وتحصينها من الدعاية الفرنسية المغرضة، وتولد عن هذا المؤتمر مؤسسات شرعية بقيادة الثورة في الداخل والخارج من ذلك:
- المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وهو السلطة العليا لها أو البرلمان الذي يقرر جميع القضايا المصيرية للثورة بجميع أبعادها.
- لجنة التنسيق والتنفيذ:وهي مؤسسة تنفذ قرارات المجلس السالف الذكر،وتتولى تنفيذ الخطب الديبلوماسية والسياسية والإعلامية للثورة والتبشير بها في المحافل الدولية وتوصيلها للرأي العام العالمي لمواجهة المشروع الكولونيالي الفرنسي والعالمي ،وهذا قبل أن تنشا الحكومة الجزائرية المؤقتة يوم 19سبتمبر 1958، وعليه فإن هذا اليوم المصطلح عليه
يوم المجاهد له رمزية ذات أبعاد إستراتيجية ومحلية وإقليمية ودولية، من ذلك أن الهجوم القسنطيني قد أوضح قادته عن بعده المغاربي والعربي، كما أن لهذا اليوم رمزية قيمية لأجيالنا المتعاقبة، لأنه يجسد معنى الإيثار عن النفس بمعنى أن يضحي إنسان بنفسه في سبيل قيم سامية ومباديء خالدة كالحرية والدفاع عن الأوطان وسيادتها وعتقها من الاستعباد.
نعلم كم كان هذا اليوم ممهورا بدم الاف الشهداء اللذين قضوا على مذبح الكرامة، كما هو معلوم فالعدو الفرنسي عقيدته الجريمة المنظمة للدولة من خلال الابادة الجماعية السكان واتلاف الارزاق وانتهاج سياسة الأرض المحروقة بعد ان استعبد شعبنا وقضى على مقوماته الوطنية طيلة قرن وثلث القرن.
أعطت وثيقة الصومام مفهوما تنظيميا للثورة من خلال تقسيم الولايات وتنظيم جيش التحرير الوطني. ما مدى أهميتها مقارنة ببيان أول نوفمبر 1954؟
اقترحت أرضية بيان مؤتمر الصومام تغيير أسماء المناطق التي كانت منذ نوفمبر 1954الى ولايات وأضافت إليها الولاية السادسة التاريخية التي تضم مناطق واسعة من جنوبنا الشاسع، وفرضت تنظيما -مثلما قلنا- دقيقا وشاملا لإدارة هذه الولايات طبقا لتقسيمات مناطقية ورتب عسكرية، وما إليها من المهام بما فيها تلك التي تعنى بجماهير الشعب الذي هو حاضن الثورة وممولها بالمقاتلين والمؤونة والإيواء وغيره.
عبان رمضان مهندس مؤتمر الصومام، حدثنا عن دوره في تنظيم المؤتمر؟
لقد أجبنا عن هذا السؤال من خلال كلامنا عن سؤالكم الأول، ولم يكن الشهيد عبان رمضان إلا فردا من فريق كامل يمثل كل مناطق البلاد، فلا هو ولا غيره مهما تعددت الآراء واختلفت وجهات النظر وتمابزت القناعات و الإيديولوجيات لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يفرض رايه.
إذ أن لثورة التحرير مبدأ ثابت ومقدس، تم الإفصاح عنه منذ نوفمبر 1954مفاده بالبنط العريض:القيادة الجماعية للثورة،، ونخشى ما نخشاه اليوم القراءات السياسوية لحركة التاريخ على ضوء الظرفيات والأهواء والاستقطاب، وما إلى ذلك من قلب الحقائق ، واختراق الثورة بالثورة المضادة من اجل عرقلة استكمال مشروع المجتمع بوحدته الشعبية والترابية، ووضع قطيعة مع المخلفات الكولونيالية والاهتداء إلى سبل التنمية الحقيقية وبناء دولة مؤسسات في جميع القطاعات، التي لا تلين أمام الإختراقات والمؤامرات والصراعات الجيوسياسية والهيمنة والنفوذ.