يؤكد المختص في تاريخ الحركة الوطنية والثورة عامر رخيلة دور العمال الجزائريين بفرنسا في دعم الثورة، في حديث لذاكرة “الشعب” أن منشأ الحركة الوطنية الإستقلالية كان بالمهجر.
وصف رخيلة 17 أكتوبر 1961 بأنها محطة رئيسية في النضال الجزائري، وأثنى على دور المرأة الجزائرية في مواجهة المستعمر بعقر داره.
17 أكتوبر يذكرنا بمجازر ارتكبت في حق الجزائريين سنة1961، ما الذي يمكننا استلهامه من هذه الصفحة السوداء من تاريخ فرنسا الاستعمارية؟
لما نتحدث عن الهجرة الجزائرية، فإننا نتكلم عن الثورة الجزائرية، لأن منشأ الحركة الوطنية الاستقلالية كان في الهجرة، بمجرد اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954.
انخرطت الهجرة في الثورة رغم التناقضات التي كانت موجودة داخل الحركة الوطنية بتشكيلاتها، بالرغم من ذلك لاحظنا كيف انتصرت الهجرة لخيار الثورة والعمل المسلح وتجسيد شعار الحركة الوطنية أي ما يسمى بالعمل المباشر.
بمجرد اندلاع الثورة كانت الهجرة حاضرة، وفي 1955، بدأ تنظيم الهجرة في إطار ودادية الجزائر في أوروبا، وعندما نتحدث عن محطة 17 أكتوبر 1961، لا يمكن تناولها تناولا مفصول في يومها.
في جوان 1961 نقل الدموي موريس بابون محافظ شرطة باريس من الجزائر إلى باريس مجموعات من الحركى من جهات البلاد، وبثهم في أوساط المهاجرين الجزائريين في البيوت القصديرية بضواحي المدن، لاسيما مدينة باريس، للحد من نشاط اتحادية جبهة التحرير الوطني بفرنسا.
وفي الوقت نفسه للإيقاع بين مكونات مناضلي اتحادية جبهة التحرير الوطني، على أساس جهوي أو صراع سياسي وغيره، وحضر مجموعة بما أن 17 أكتوبر كان مبيتا من خلال استفزاز الجزائريين.
لأنه في 5 أكتوبر 1961 تمكن موريس بابون من إقناع السلطات الحكومية الفرنسية بفرض حضر التجول، خاصة على الجزائريين قرار تمييزي ويدخل حيز التنفيذ، واستجابت الحكومة الفرنسية ووزير الداخلية.
وأعلنوا حضر التجول يوم 5 أكتوبر ويدخل حيز التنفيذ بدءا من 12 أكتوبر1961، فأدركت جبهة التحرير الوطني لاسيما قيادة الودادية التي كانت مقيمة في باريس أنها أمام خطر محدد، وهو شل نشاطها زيادة على المتابعات البوليسية والاعتقالات، وإجهاض كل محاولات عمل فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا.
بدأت تحضر رد الفعل وهو وجوب تنظيم مسيرة للرجال يوم 17 أكتوبر وأخرى للنساء والرجال يوم 18 أكتوبر ، وفي اليوم الموالي أي 19 أكتوبر، مسيرة للنساء وأطفالهم للمطالبة بإطلاق سراح من يعتقل في هذه المظاهرات.
وأقدمت فرنسا على تجنيد الأسلاك الأمنية من الدرك والشرطة والشرطة المدنية وعناصر من الجيش الفرنسي، وشرع في تطبيق قرار حظر التجوال يوم 12 أكتوبر، وأصبح ممنوع على الجزائريين السير في باريس من الخامسة صباحا إلى السابعة مساءا، وهذا معناه الحيلولة دون ذهاب العمال الجزائريين إلى المصانع التي يشتغلون بها لأنها تبعد مسافات عن مكان إقامتهم في ضواحي باريس.
لذلك، دعت الاتحادية إلى إضراب وتنظيم مسيرات بشعارات وحرصت الاتحادية على تجريد كل المشاركين في المسيرات من حمل أي وسيلة من وسائل السلاح الأبيض، كان يوم ممطر حضرت وفود من المهاجرين.
تفاجئوا برد فعل الشرطة الفرنسية، الذين كانوا يرمون الأشخاص أحياء في نهر السين لكونهم كانوا يخشون نجاة الجزائريين من الغرق في نهر السين سباحة، فكبلوهم إلى صخور وألقوا بهم في النهر لضمان استحالة عودتهم، إلى درجة أن نهر السين تحول في أكثر من ساعة إلى بقعة من المياه الحمراء والسوداء، واعتقال جماعي للجزائريين في حافلات نحو ملعب في باريس، وأودعوا هناك ومورست عليهم مختلف أنواع التعذيب والقتل الجماعي دون تمييز.
وتشير الإحصائيات الى وقوع 2200 من الضحايا والمساجين ومن كانوا في أقبية محافظات الشرطة، وبعض البنايات في فرنسا فعدد لا يحصى فهناك من عثر على جثثهم بعد عشرة أيام.
الأعمال التي قامت بها الشرطة الفرنسية جعلت الجريمة وآثارها مستمرة،لأنه بعد القيام بمشاريع بناء وشق الطرقات في فرنسا، عثر العمال على سراديب مملوءة بجثث الرجال والنساء، ولم يتوقف الأمر هنا بل نقل الجزائريون على أساس أنهم سيعادون إلى الجزائر وألقي بهم في البحر، واجبر العديد منهم كذلك للعودة إلى مدنهم داخل الجزائر في محاولة من فرنسا لبث الشك بين الجزائريين.
ما صدى هذه المجازر على الصعيد الدولي؟
كانت مجزرة رهيبة لكن كانت لها أصداءها ونتائجها الإيجابية على صعيد الأمم المتحدة، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة فصلت في القضية الجزائرية في ديسمبر 1960 ، ولكن أصداء 17 أكتوبر1961 وما ولاه من أيام في باريس والمدن الأخرى التي امتد إليها لهيب هذه المظاهرات وصل لأروقة الأمم المتحدة، ما جعل الكثير من الدول التي كانت مؤيدة لفرنسا تبدي امتعاضا ومواقف لاسيما مع وصول صور حية عن بشاعة ما ارتكبته في حق المهاجرين الجزائريين.
بما أن فرنسا عاصمة عالمية كانت تشهد حضور الصحافة الدولية التي نقلت المجازر لاسيما الصحافة الألمانية.
الشعب الجزائري وضع حدا نهائيا، و أكدت الهجرة أنها مازلت تقوم بدورها اتجاه وطنها، بحيث انه بعد 17 أكتوبر اندلع العمل الفدائي بشكل عنيف جدا في شوارع باريس، ونشطت الخلايا الحية التي مازلت موجودة.
و دوليا كان فيه استنكار عالميا وسياسيا، وعلى صعيد المرأة الجزائرية أثبتت بأنه مثلما ساهمت في مظاهرات 11 ديسمبر 1960 بشوارع مدينة الجزائر، كان للمرأة الجزائرية في الهجرة يومها هو 17 أكتوبر ولم تتردد في مواجهة أسلحة فرنسا بصدر عار وبشجاعة.
مجازر 17 أكتوبر 1961 محطة رئيسية في النضال الجزائري
هناك من يقول إن مجازر 17 أكتوبر سرعت في المفاوضات مع الطرف الفرنسي، ما قولكم؟
المفاوضات مع الطرف الفرنسي انطلقت في 1960 وظلت متأرجحة، لكن لا ننسى أن المفاوضات انطلقت في جوان 1960 وفي ديسمبر 1960، اتخذت الأمم المتحدة قرار لتقرير المصير وقرار يدعو فرنسا إلى التسليم بشرعية الجزائريين في تقرير مصيرهم والاستقلال.
لكن الأهمية في ما يجري في 17 أكتوبر هي أنها محطة من المحطات الرئيسية في النضال ولا تختلف عن مظاهرات 11 ديسمبر 1960 في الجزائر، وفي ظرف قرابة تسعة أشهر عرف العالم مسيرتين أو ملحمتين متميزتين شعبيتين جهاديتين، وفي المدينة كان لها أصداءها في الجزائر وباريس.
لذلك نقول إنها كانت آخر محطة، حيث لاحظ ديغول مناورات الوفد والكثير من المتشددين من الطرف الفرنسي أبدوا استعدادهم للجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولقبول استرجاع الجزائر لسيادتها المسلوبة في 1830.