الشهيد عمارة رشيد من الطلبة الجزائريين الوطنيين، الذين إلتحقوا بصفوف جيش التحرير الوطني منذ الإنطلاقة الأولى للثورة، أسس مع مجموعة من الثانويين جمعية الثانويين لجلب الطلبة إلى حضن جبهة التحرير الوطني.
مسيرة نضالية مشرفة لشاب ام يتجاوز 22 سنة عند استشهاده
سهل الإتصالات وجلب المؤونة والإمدادات التي تحتاجها الثورة، برهن على قدرته الكبيرة في التنظيم عبر اتصالاته العديدة مع المسؤولين سواء الذين كانوا في الجبال أو في الكليات أو في أماكن عملهم، شهادات رفقائه في السلاح تحدثوا عن تلك المسيرة المثالية لمناضل شاب كان قدوة لزملائه الطلبة والثانويين.
تجمع شهادات رفقاء السلاح نشرها مكتب الجمعية التاريخية والثقافية 11 ديسمبر 1960، بالجزائر في ماي 2010، أن الشهيد كان ملتزما مكافحا مستعدا للتضحية، لديه موهبة الإقناع وتجنيد عدد كبير من الشبان بكل عزم وإصرار في الكفاح والمقاومة المسلحة كفدائيين ومجاهدين، تميز بشجاعته وبسالته في الجبال إلى أن استشهد بالولاية الرابعة في جويلية 1956 وعمره لم يتجاوز 22 سنة.
وصفه المجاهد المرحوم لمين خان، بممثل الشبيبة المكافحة استشهد في ميدان الشرف، كان جادا وحازما في الدراسة وكذلك في نضاله ضمن الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطيةـ
ولد الشهيد في ديسمبر 1936 بواد زناتي، تابع تعليمه الابتدائي في القبائل والثانوي في الجزائر، حسب تنقلات أبيه الذي كان يعمل ترجمانا لدى المحاكم، درس في المدرسة الثعالبية بالجزائر ثم ثانوية بيجو Bugeaud، تحصل على الجزء الثاني للبكالوريا، واصل تعليمه الجامعي في كلية الآداب في البداية ثم غير الشعبة وسجل في كلية الطب.
عمارة رشيد، كان من ألمع التلاميذ حضر وحده الجزء الأول للبكالوريا ونجح بكل جدارة هذا الفوز سمح له الإلتحاق بثانوية بيجو ثانوية الأمير عبد القادر حاليا، تحصل على الجزء الثاني من البكالوريا في جوان 1955، الشئ الذي فتح له أبواب كلية الجزائر، انضم إلى الثورة دون تردد.
كان طفلا مطيعا كثير الحركة مرح يحب اللعب، مجتهدا وجادا في دراسته، يقول المجاهد المرحوم زهير إحدادن في شهادته أن عمارة رشيد، من كبار الوطنيين الثوريين مات والسلاح في يده في مواجهة عساكر الإستعمار، وعمره لا يتجاوز 22 سنة، ساهم بصفة فعالة في دعم وتثبيت تنظيم جبهة التحرير الوطني في مدينة الجزائر، رفقة عبان رمضان وسعى إلى تحقيق وحدة القوى الحية للأمة وراء الثورة.
ويضيف أن الشهيد، إلتحق بحزب الشعب الجزائري في 1950 كان طالبا في الثانوية الفرنسية المسلمة بالجزائر وعمره 16 سنة، كان يحضر الإجتماعات المنعقدة في مقر حركة إنتصار الحريات الديمقراطية ساحة شارتر من 1950 إلى 1954.
يقول:” انتظم مسارنا المشترك في حضن العمل النضالي شاركنا معا في تحضير مؤتمر الحريات الديمقراطية في 1952، عشنا سويا مرارة وخيبة أمل الأزمة التي هزت الحزب في 1953/1954، تأسفنا على ما جرى وقررنا الإبتعاد جانبا إلى أن حل أول نوفمبر، ذهبت لمتابعة محاضرة يلقيها فرانس فانون في محل الكشافة الجزائرية، فإلتقيت بعمارة رشيد، الذي أبلغني عن نشاطه وأنه إتصل بإخوة الثورة حينها أبلغته عن رغبتي وإرادتي في الإلتحاق بهم، فطلب مني الإتصال بقدماء الطلبة المناضلين في حزب الشعب وتكوين خلية لجبهة التحرير الوطني”.
ويشير:” كان عمارة، طالبا في ثانوية بيجو خلال 1954/1955،أين كان يحضر الجزء الثاني من شهادة البكالوريا، وأنا كنت أنهى شهادة الليسانس في الأدب، الأماكن التي كنا نلتقي فيها هي الجامعة، الحي الجامعي أو مقهى طنجة، مهمتي الأولى هي إنشاء خلية حبهوية للطلبة هذا النشاط دام أكثر من ثلاثة أشهر، كنت أقدم حصيلة إجابات المناضلين الذين تمكنت من الإتصال بهم إلى عمارة، المهمة لم تكن سهلة”.
اعتقل عمارة رشيد يوم 7ديسمبر 1955، بصفته رئيس جمعية شباب الطلبة المسلمين الجزائريين مع ثلاثة من رفقائه لونيس، تواني، وصابر، في سجن سركاجي بتهمة القيام بتوزيع منشور بنادي مقاطعة الانتخابات التشريعية المقررة في 2جانغي 1956، وأسلحة وأموال.
وفي شهادة للمجاهد لعيد لشقر يقول:”لقد عرفت عمارة رشيد في 1953عندما إلتحقت بمدرسة الجزائر الثانوية الفرنكو مسلمة، كان رشيد شابا متواضعا جدا ومجتهدا ترى دائما حوله أصدقائه وزملائه في القسم، محمد لونيس، مصطفى صابر، حيحي مكي، أحمد تواتي، الطاهر قايد، حتى إن هذه المجموعة كانت تعتبر نخبة الثانوية في تنافس دائم من أجل الفوز برتبة الأولى في الترتبب العام، المجموعة نفسها المنشطة من طرف عمارة رشيد، ناضلت في الحزب الوطني حركة انتصار الحريات الديمقراطية مع رفقاء آخرين من أقسام أخرى”.
ويضيف لشقر، أن الشهيد كان جادا وحازما في الدراسة وكذلك في نضاله ضمن الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية، إيمانه العميق ووطنيته الفائقة دفعت الكثير من زملائه في الدراسة للإنضمام إلى الحزب الوطني، ويؤكد أن عمارة رشيد، طالب مواظب على دراسته كان على اطلاع بما يحدث في الجزائر، تعاليقه على ما كان يصدره في جريدة l’Algérie Libre،كانت محبوبة ومقدرة من طرف الجميع.
أسس عمارة رشيد، في 1955 مع مجموعة من الثانويين جمعية الثانويين لجلب الطلبة إلى حضن جبهة التحرير الوطني، اعتقال عمارة رشيد ومجموعة من الطلبة رفقة فرحات عباس واحمد فرنسيس، أدى إلى تضامن كبير في الثانويات وخاصة في الثانوية الفرنسية المسلمة من هنا بدأت تنضج فكرة مقاطعة الدراسة والالتحاق بالثورة في أذهان الطلبة.
أطلق سراح عمارة رشيد، ورفقاؤه بعد بضعة أشهر قضوها في سجن باربروس، في أفريل 1956، اتخذت السلطات العليا لجبهة التحرير الوطني قرار مقاطعة الدروس في الجامعة وكل ثانويات البلاد.
خبر التحاق عمارة رشيد بالولاية الرابعة مع المجموعة من الطلبة تسبب في تعبئة غير مسبوقة،يقول لشقر- جعلني أسميه وقتها بظاهرة عمارة رشيد، الذي بقي في الوسط الطلابي، بينما كان المتحدث في إتصال مباشر مع الولاية الثالثة والرابعة الأمر، الذي سمح له بتنظيم الطلبة المتطوعين في ثلاثة أفواح لإرسالهم نحو الجبال في الولايات الثالثة والرابعة يوم 23ماي 1956.
وتؤكد شهادة المجاهد عبد القادر دريف، الذي إلتقى عمارة رشيد بداية 1955 عندما كان تلميذا في ثانوية بيجو المقراني حاليا، أن الشهيد كان قد بدأ في مشواره النضالي، من أجل تجنيد الطلبة المتمدرسين في مختلف الثانويات والمعاهد بمدينة الجزائر في 1955، وقرر إنشاء جمعية شباب الطلبة المسلمين الجزائريين، هذه الأخيرة أدت دورا حاسما في تعبئة الطلبة الشبان لإنجاح الإضراب عن الدراسة يوم 19ماي 1956.
ويضيف أن الشهيد، فرض على نفسه مبدأ جمع وتوحيد أكبر عدد ممكن من تلك الشريحة المدعوة للقيام بأدوار هامة في مساندة وتنظيم الثورة، حكمه على الرجال كان صارما دون مجاملة كي ينجح في مهمته نصب في كل ثانويات العاصمة خلايا فعالة.
ويقول محمد رضا بسطانجي رئيس جمعية الكشافة الإسلامية،في شهادته أنه كان يلتقي بالشهيد في مقر الجمعية المتواجد بسلم السماكة في أسفل مسجد الجامع الجديد، كانت الأوقات التي يقضيها في هذه الأمانة تخصص لإعداد المناشير السياسية المنجزة بطريقة سرية بواسطة آلة كاتبة قديمة ومسحوبة عن طريق الساحبة رونيو، وبمجرد انتهائه من العمل يرجع قافلا حاملا معه حزمة من المناشير داخل محفظته.
ويصف عمارة رشيد، بأنه كان ملتزما مكافحا مستعدا للتضحية، لديه موهبة الإقناع وتجنيد عدد كبير من الشبان بكل عزم وإصرار في الكفاح والمقاومة المسلحة كفدائيين ومجاهدين، تميز بشجاعته وبسالته في الجبال إلى أن استشهد بالولاية الرابعة قرب حمام ملوان.
يؤكد المجاهد صادق كيرمان أن عمارة رشيد، اجتاز مسارا دراسيا لامعا، تنقل من الثانوية الفرانكو إسلامية التي تحمل اسمه الآن، إلى ثانوية بيجو (ثانوية الأمير عبد القادر حاليا)، تحصل على شهادة البكالوريا قبل الالتحاق بجامعة الجزائر للسنة الجامعية 1955-1956.
انضم مبكرا إلى العمل السياسي، انخرط في حزب الشعب الجزائري في 1950، ولم يبلغ 16 سنة، كان لديه إحساس عميق بالظلم المسلط على الجزائريين من طرف الإدارة الاستعمارية، وكان يطمح للنضال في التيار الذي يطالب باستقلال الجزائر والكفاح بكل الطرق والوسائل لتحقيقه، انضم إلى جبهة التحرير الوطني في ديسمبر 1954.
عمارة رشيد، وكل الذين انضموا إلى الثورة، لم يختاروا الطريق السهل، عكس ذلك اختاروا طريقا مملوءا بالعراقيل والمخاطر، الإيمان بعدالة القضية الجزائرية وحتمية تحرير الجزائر عن طريق التضحيات الجسام والمخاطرة لتحقيق الهدف، هذه الصفات المميزة وأخرى وجدتها في عمارة رشيد عندما تعرفت عليه أول مرة في أفريل 1955 بمناسبة تبادل بين جمعيات الطلبة، يقول كيرمان.
ويشير المجاهد إلى انتخاب عمارة رشيد رئيسا لجمعية شباب الطلبة المسلمين الجزائريين، عند انعقاد الجمعية العامة يوم 15 فيفري 1955، في إطار التبادل بين جمعية الجزائر وجمعية قسنطينة، التي كانت برئاسة الأخ علي عبد اللاوي، وكان كيرمان أمين المال، حيث التقى لأول مرة بعمارة رشيد، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشبيبة المناهضة للاستعمار والإمبريالية المنعقد في 21 أفريل 1955، وكان المتحدث حينها ممثل جمعية قسنطينة.
جمع هذا اللقاء حوالي 200 شاب أغلبهم من الطلبة والثانويين، يقول كيرمان:«التقيت عمارة رشيد ولونيس وصابر على هامش التجمع، وتبادلنا وجهات النظر، وتبين أن مواقفنا كانت متطابقة ومتقاربة جدا وتبادلنا مناشير، وقد أعطاني عمارة بيان 1 أفريل 1955 المشهور الذي وجه فيه عبان رمضان، نداء للشعب الجزائري يطالبه فيه بمساندة الثورة، وسلمته منشورا أو اثنين وزعا من قبل في قسنطينة”.
ويضيف: “عند تعييني كمراقب داخلي في ثانوية بيجو في أكتوبر 1955، عاودت الاتصال بالأخ عمارة رشيد، واندمجت في فوجه.. كنا في البداية أربعة: عمارة، لونيس، صابر.. كان عمارة مسؤولا عن الفوج مكلف بالاتصال مع عبان رمضان، لم يقتصر دور عمارة على تنشيط الفوج فقط. كنا نجتمع مرة واحدة في الأسبوع لضبط أنشطتنا وأخذ التعليمات من المسؤولين بواسطة عمارة، بمحل كائن في نهج ماهون Mahon ملك لأب لونيس، من المواضيع التي ناقشناها آنذاك انتخاب قسمة الجزائر للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، المقررة في 9 ديسمبر 1955 بعد محادثات، اتفقنا على ترشيح عمارة رشيد، عضوا في المكتب بنية أن يصبح رئيسا”.
أياما قبل الانتخابات، كلف عمارة رشيد بالسهر على حسن سير الاقتراع دون لفت الانتباه وعدم التدخل إلا في حالة الاستفزاز أو الانزلاق، كان الخطر ضئيلا، لأن جبهة التحرير الوطني قد صادقت على القائمة الوحيدة المرشحة، وفي نهاية هذا اليوم تلقى المجاهد كيرمان، بكل أسف خبر توقيف الأخ عمارة رشيد، رفقة فرحات عباس وأحمد فرانسيس الذين كانوا في طريقهم إلى لقاء عبان رمضان، أطلق سراح فرحات عباس وأحمد فرانسيس بعد استجوابهم لأنهما يتمتعان بالحصانة البرلمانية.
ويقول بشير رويس: “لقد تفانى عمارة رشيد كليا في العمل السياسي الوطني إلى حد التميز، اكتسب مودة وإعجاب زملائه الطلبة وبعض قادة الحركة الوطنية آنذاك مثل عبان رمضان، محمد الصديق بن يحيى، بلعيد عبد السلام، بلقبي، مسعود أيت شعبان، علي لونيس، بن يوسف بوديسة، بن قرطبي، لمين خان، عبد القادر كلاش وشقيقه يحيي”.