كان تضامن الجزائريين مع جيش التحرير الوطني، ونضاله من أجل استقلال الجزائر من نير الاستعمار الفرنسي عاملا رئيسيا لنجاح الجهود و التضحيات، التي قدمت من أجل حرية الجزائر، مثلما أكده بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال الضابط السابق في جيش التحرير الوطني، صلاح أوزرورو.
يؤكد المجاهد أوزرورو، و هو أحد الناجين من تفجيرات النابالم في 1960 في بومهني (تيزي وزو)، ورغم كونه اليوم يشارف من العمر 82 عاما، أنه يحتفظ بصورة جميلة لتضامن سكان القرى و اتحادهم و وقوفهم إلى جانب جيش التحرير الوطني، عندما كان يحاول فك الخناق، الذي فرضته القوات العسكرية للاستعمار الفرنسي على جنوده المحاصرين في الجبال أثناء عملية “المنظار” الجهنمية.
يروي المجاهد: ” في المنطقة الثانية، التي تقع في حدود المنطقة الرابعة للولاية التاريخية الثالثة، كنت أنشط كضابط اتصال قبل تعييني مراقبا إقليميا، كان القرويون والفلاحون يزودونا بالطعام والأدوية والملابس وكذلك بالمعلومات، و كان ذلك يشجعنا كثيرا ويعطينا القدرة على مواصلة الجهاد في سبيل الجزائر”.
في مذكراته المكتوبة والمنشورة بعد الاستقلال والمخصصة للمهام العسكرية وشبه العسكرية، التي تولاها في الفترة ما بين 1957 حتى مارس 1962، كتب هذا الضابط السابق في جيش التحرير الوطني، وهو من مواليد منطقة عين الحمام (تيزي وزو)، أن دعم السكان كان السبيل الوحيد للخروج بأضرار أقل من عملية المنظار.
ولم يمنع الانتشار المكثف لقوات العدو حول القرى والمداشر، سكان مزرانة أو آث حمصي، أو تاسافث أوقمون، أو قرى أخرى، من تزويد المجاهدين بالمواد الغذائية وكذلك المعلومات، مثلما يؤكده.
وعن عملية “المنظار” الجهنمية، يتذكر الضابط السابق في جيش التحرير أن القوات الاستعمارية حشدت ونشرت أكثر من 50.000 جندي للمشاركة في هذه العملية الواسعة النطاق، التي بدأها الجنرال شال في جويلية 1959 في منطقة القبائل، وكان الهدف منها تدمير جيش التحرير الوطني في المقاطعات واستعادة مواقعها الإستراتيجية.
وجاء في شهادة المجاهد اوزرورو: “انتشرت قوات الاستعمار تقريبا في كل قرى وتلال وجبال منطقة القبائل بقوافل عسكرية لمنع تحركات المجاهدين، و كان من الصعب علينا في تلك الوضعية الانتقال من منطقة إلى أخرى، لكننا بقينا على اتصال دائم لإحباط عمليات التمشيط والهجمات المتتالية، التي كان يقوم بها العدو”.
ويتذكر أوزرورو، الذي يحمل حتى يومنا هذا آثار الرصاص وشظايا القنابل في جسده، بعاطفة التضامن الذي لا يوصف للسكان لا سيما الفلاحين مع جيش التحرير الوطني.
يشير في هذا الشأن: ” تلقينا دائما الدعم والإمدادات في كل مرة نعبر فيها قرية، وكان هذا يجعلنا أكثر إصرارا وشجاعة لمواصلة طريق الكفاح المسلح”.
ويضيف أنه بالنسبة للعدد الكبير من ربات البيوت الجزائريات، كان من الصعب الانضمام إلى صفوف جبهة التحرير الوطني بسبب مسؤوليتهن اليومية، لكن هؤلاء النساء المعروفات باسم المسبلات، ساهمن بشكل كبير في استقلال الجزائر انطلاقا من بيوتهن.
ويؤكد أن مهام هؤلاء النساء كانت متعددة، فكن يساعدن المجاهدين كضابطات اتصال، أو لجمع التبرعات والأغراض المختلفة، أو كممرضات وسكرتيرات وخياطات، و أحيانا كعميلات استخبارات، فضلا عن مساهمتهن في نشر الدعاية الثورية.
واستخدمت المسبلات منازلهن كملجأ للمجاهدين وتقديم الزاد لهم، ولاستقبال الجنود الجرحى وتقديم الرعاية والطعام لهم.
ويضيف المجاهد أوزرورو، أن دور ربات البيوت في الثورة كان كبيرا جدا، فعلى الرغم من مراكز الاعتقال والتعذيب، التي وضعتها قوات الاستعمار في قرى وغابات منطقة القبائل للسيطرة على السكان، إلا أن المسبلات تمكن من تحدي الخطر لتقديم المساعدة للمجاهدين. و خلص إلى القول “دعم و تضحية المسبلات كان هائلا”.
وفي كتابه بعنوان “من الثورة إلى الحرب الجزائرية، شهادة أحد الناجين من عملية المنظار”، استعاد الضابط صلاح أزرورو، حياته ومعاركه البطولية من خلال سلسلة من الشهادات حول معارك مختلفة وأعمال عسكرية وشبه عسكرية أخرى نفذت خلال الفترة من 1956 إلى 1962.