أبرز عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، المجاهد عبد الله عثامنية، دور الجمعية في محاربة الأمية بتعليم أبناء الجزائريين إبان الاحتلال الفرنسي، الذي عمل على تجهيل شعبنا ومحاربة اللغة والدين.
تجربة جمعية العلماء في ميدان التعليم نادرة
يؤكد عثامنية، في حوار لـ”الشعب” بمناسبة الذكرى الـ61 لإسترجاع السيادة الوطنية، أن أبناء الجمعية كانوا وقود الثورة و سفراءها بالعواصم العربية، حيث استشهد العديد منهم بساحات المعارك.
بداية من هو عبد الله عثامنية؟
عبد الله عثامنية من مواليد 1935 بالمريج، عبارة عن بلدية بولاية تبسة، درست القرآن الكريم، قبل الإلتحاق بالمدرسة الإبتدائية التي شيدتها جمعية العلماء في مدينة ونزة ابتداء من 1950 أو 1951، ثم إلتحقت بمعهد عبد الحميد بن باديس، بمعية ثلاثة من زملائي توفوا جميعا وهم عبد المجيد براكتية، فواتحية بلغيث، والشريف سهايلية.
كنا ننام في زوايا المساجد لأن جمعية العلماء لم تكن لها مقرات بالمنطقة، انا شخصيا سكنت في مسجد يسمى سيدي بومعزة.
نهاية 1953 شيدت جمعية العلماء دار الطلبة التحقنا بها وأتممنا دراستنا في شهر أفريل 1956، أغلق معاهد ابن باديس، لمدة شهر بسبب اغتيال رضا حوحو، نحن طلبة السنة الأخيرة قررنا الإلتحاق بالكفاح المسلح، لكن هناك من إلتحقوا وهناك من تمكنوا من مواصلة دراستهم بمساعدة جبهة التحرير الوطني، التي كانت تتلقى المنح الخارجية من البلدان الخارجية.
اثناء الثورة درست في جامع الزيتونة ثلاث سنوات، خلالها كان لدينا علاقة متعددة الجوانب مع ادارة جبهة التحرير الوطني، العلاقة الأولى شخصية كنت في إحدى خلايا الجبهة اتعامل مع المواطنين التونسيين من أجل التعريف بالقضية الوطنية ومن أجل الاشتراك بها إن أمكن، والعلاقة الثانية كانت عن طريق الإتحاد الوطني للطلبة المسلمين الجزائريين.
كنا في إحدى شعب الإتحاد، كنت نائب رئيس جمعية الكشافة الجزائرية التي كانت آنذاك جمعية من جمعيات جبهة التحرير الوطني، ثم حصلت نهاية 1959 على منحة من ليبيا التي افتتحت أول جامعة في بنغازي، حيث منحت للجزائر عشرين منحة.
آنذاك لم يكن جاهزا إلا 17طالبا، الذين يتوفرون على شهادة التحصيل، من كانوا يملكون شهادة التحصيل كانوا يلتحقون بكل سهولة بجميع الجامعات الرسمية والذين أحيانا يصلون إلى السنة الثالثة، لكن لا يحصلون على التحصيل كانوا يوجهون إلى المدارس المهنية بمدارس غير جامعية مثلا في القاهرة الشرطة، البحرية، الطيران، وكان عدد كبير.
لم أواصل الدراسة في بنغازي لأسباب شخصية، ورجعت إلى تونس وبقيت على علاقة بالمصالح المتخصصة العسكرية والمدنية التي تكونت، عشنا في مدينة الكاف الواقعة على الشريط الحدودي للجزائر، في قرية تسمى القلعة الجرداء، بعدها تنقلنا الى قرية اخرى سميت تالة.
وعند الإستقلال إلتحقت كجميع الجزائريين ببلادي، بواسطة الحافلة مع عائلتي التي كانت من بين العائلات اللاجئة في تونس. رجعت إلى تونس العاصمة ودخلنا إلى تبسة.
كنت افكر ان امارس مهنة التعليم بقسنطينة، وكان الشيخ أحمد حماني، مكلفا بقطاع التعليم في اكاديمية قسنطينة، وعينني كأستاذ في ثانوية قالمة آنذاك وأحيطكم علما أن كلمة اكاديمية كانت قبل الإستقلال مخصصة لأول شخص يتكفل بالتعليم في الجزائر، كانت لدينا اكاديمية واحدة مقرها في المرادية، غذاة الإستقلال سميت اكاديميات في الولايات.
الصدفة الغريبة عندما كنت انزل السلالم التقيت بأحد زملائي في المعهد، رابح بلحاطم، التحق بالثورة ما لم يسمح له بإتمام دراسته، عينه الشيخ حماني، في متوسطة بعين مليلة وطلب مني المجئ معه،ما سمح لي بحضور الاحتفال بأول ذكرى لنوفمبر بعد الإستقلال، باعتباري كنت كشاف نظمنا في مدرسة العرفان، مع تلاميذتها حفلة اناشيد بسيطة ومسرحيات.
حدثنا عن نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في ميدان التعليم ؟.
هذا الموضوع يجرنا إلى الحديث عن جوانب عديدة لجمعية العلماء، الجانب الأول هو أن رمزية تاريخ إنشاء الجمعية هي كبيرة وثابتة، وقد جاءت مباشرة في أقل من سنة بعد الإحتفالات الكبيرة والضخمة، التي قامت بها الإدارة الإستعمارية سنة 1930، من أجل إبراز أن الجزائر قد خضعت وان الفرنسيين قد نالوا النصر النهائي على الجزائريين، فكان إنشاء الجمعية يوم 5 ماي 1931، كان يوما مشهودا وكان بداية لمرحلة طويلة من النضال والكفاح والعمل الوطني الذي قام به العلماء الجزائريون.
ابناء جمعية العلماء من شيوخ وطلبة كانوا جزءا من الثورة.
أستطيع القول ان بداية القرن العشرين كانت تقريبا منطلق العمل المعروف اليوم في التاريخ في ميدان التعليم بالخصوص، إذ من المعروف أن الشيخ عبد الحميد بن باديس، قد بدأ عمله الدعوي والثقافي والتربوي منذ 1913، لكن عليا ذكر شيخ همام هو الشيخ بلقاسم اللوجاني، والد المرحوم لمين بشيشي، هذا الشيخ فتح مدرسة في سدراتة في 1911 اي قبل ابن باديس، بسنتين.
إلتحق بالأزهر ودرس بها ورجع إلى قريته وبدأ عمله الدعوي منذ 1911،بعد ذلك جاء الشيخ عبد الحميد بن باديس، وخلال سنوات الحرب العالمية الأولى ظهرت شخصية ثانية عظيمة، وأدت دورا كبيرا في دفع قضية الإستقلال وخاصة التعريف بأن استعمار الجزائر هو عملية وحشية وأنها يجب أن تنتهي، وهي شخصية الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر، وكان له نشاط كبير في الميدان السياسي حتى انه ارسل رسالة إلى رئيس الولايات المتحدة الامريكية أنداك حدد له فيها فكرته عن وجود الإستعمار في الجزائر وعن ضرورة اقتلاع جذوره من بلادنا، لكن فرنسا والمستوطنين الأوروبيين هنا في الجزائر قد ذاقوا به درعا ونفوه إلى المشرق، بحيث توفي ما بين القاهرة أو دمشق.
منذ العشرينيات بدأت تنتشر ظاهرة العلماء، الذين يرجعون من الزيتونة أو من الجامع الأزهر ويبادرون بفتح دروس في الوعظ والإرشاد من ناحية الشكل ولكنها في ناحيتها المعنوية كانت عبارة عن عملية سياسية لتوعية الجماهير، وتعويد الجزائريين على اللقاء والمناقشة والحديث في الوضعية القائمة أنذاك إلى أن وقع لقاء ما بين الشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ الإبراهيمي، في ذلك الوقت كان هذا الأخير تقريبا مقيم في المدينة.
لكن بن باديس، كان في رحلة حج وإلتقيا وهناك ظهرت لهم فكرة تكوين جمعية من علماء الجزائر للعمل في الميدان بثلاثة مطالب كانت هي دستور جمعية العلماء طوال فترة الإستعمار، وهي تحرير الأوقاف الإسلامية من يد الإستعمار وتحرير الديانة الإسلامية بصفة عامة يعني المساجد والأئمة والعمل الخيري والتعليم في المساجد، كل هذا كان يقع بواسطة الأوقاف الإسلامية لكن الإدارة الإستعمارية استولت على الأوقاف الجزائرية ومن ثم استولت على المساجد وعلى فكرة تعيين الأئمة.
ثانيا تحرير تعليم اللغة العربية في الجزائر، وثالثا تحرير القضاء الإسلامي أي القضاء ما بين المواطنين الجزائريين، يجب أن يكون قضاء جزائريا ويترك أمره للجماعة الإسلامية، هذه هي مطالب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
ما هي وسائل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لنشر التوعية والتعليم؟
وسائلها الإعلام والتوعية بواسطة الصحافة والجرائد والمجلات، إبن باديس منذ بداية العشرينيات كانت لديه مجلات السنة والمنتقد صادرتها الإدارة الإستعمارية، لكنه يعاود إصدار مجلة أخرى بإسم جديد، لكن في النهاية المجلة التي طال عمرها هي مجلة الشهاب استمرت تقريبا 14 سنة.
والنقطة الثانية هي التعليم بحيث تجربة جمعية العلماء في ميدان التعليم هي تجربة نادرة ولا وجود لها لا في التاريخ القديم ولا في التاريخ المعاصر، لم نعرف في بلد مستعمر بالخصوص أن جمعية استطاعت إنشاء نظاما تعليميا، وشبكة من المدارس الابتدائية والمتوسطة اي العليا ثم بعد ذلك سياسة بعثات الطلبة إلى المدن المشرقية والذين أكملوا فيها دراستهم الثانوية.
نظام تعليمي وشبكة من المدارس الابتدائية
وماذا عن دور جمعية العلماء في التعليم قبل وأثناء الثورة؟
افتتح معهد بن باديس في 1947، وبما انه يؤدي تعليم المرحلة المتوسطة أربع سنوات من 1947 إلى 1951، معهد ابن باديس، كان المؤسسة الثانية التي انشأتها جمعية العلماء في هذا المستوى، المؤسسة الأولى أنشأت في 1937، وهي إلى الآن قائمة وعلى راسها أحد نواب رئيس الجمعية اسمه الشيخ أيت يونس، اسمها دار الحديث كانت في عهد الابراهيمي، الذي اشترى قطعة أرض وشيد هذه المدرسة بتلمسان وسجلها بأسماء عشرين عائلة من تلمسان كي يتفادى مصادرتها من طرف الإدارة الاستعمارية من ناحية القانون.
وبالفعل المؤسسة الوحيدة التي بقيت في ملكية جمعية العلماء في حين كل مدارسها وهي بالمئات وايضا معهد ابن باديس ودار الطلبة ومدرسة التربية والتعليم، التي هي المؤسسة التربوية الأولى التي اكتسبت لعمل بن باديس، للعمل البداغوجي للأطفال الصغار.
شيدت جمعية العلماء المسلمين مدرسة العرفان، ادارها الشاعر محمد العيد ال خليفة، ثم بعد ذلك حينما التحق ال خليفة ببسكرة ادار هذه المدرسة شيخ جليل وهو من تلاميذ عيد الحميد بن باديس، يدعى محمد الجلالي السماتي، وهو من المعلمين الرائعين بحيث ان بن باديس، اختاره بعد تخرجه ليكون مساعدا له في تعليم الأطفال، له كتيب في الاناشيد المدرسية طبع نهاية الثلاثنيات بتونس.
هذا الشيخ كان في مدرسته عندما يلاحظ شابا قد بدأت تبرز رجولته يقول له ماذا تفعل هنا الرجال في الجبال، وهو نفسه التحق بالجبل وألقي عليه القبض في معركة ناحية عين مليلة. قدم أمام المحكمة العسكرية.
فطرح عليه القاضي سؤالا، انت شيخ علم ولماذا تلتحق بالفلاقة، فرد عليه الشيخ السماتي، :” كلنا فلاقة رافضون للإستعمار، كنا نطالب بالاستقلال مطالبة سياسية لكن انتم لم تفهموا صيغتنا فحولناها إلى الوسيلة الحربية والان أنا بين أيديكم ولا أتراجع عما فعلته”.
بقي في السجن ولم يخرج إلا بعد تطبيق اتفاقيات ايفيان ابتداءا من 20مارس 1962، والصدفة كنت ضيفا عند زميلي في المعهد بعين مليلة، نتناول غذاءنا وكنا نقضي الليالي في مدرسة العرفان، الى ان حضر هذا الشيخ لم أكن اعرفه من قبل، قضيت في المعهد ثلاث سنوات.
أتم التدريس في المدرسة الى ان حصل على تقاعده ورجع إلى مدينة اولاد جلال أين توفي.
حوالي 400 مدرسة منتشرة في الجزائر
جمعية العلماء أسست حوالي 400مدرسة منتشرة عبر الجزائر، كنت شخصيا أحد تلاميذها بمدرسة الونزة، تخرج منها عدد كبير من الطلبة منهم أحد زملائنا العقيد شريف براكتية، عندما اندلعت الثورة التحق بها وشارك في عشرات المعارك في الناحية الشرقية سوق أهراس وما يقابلها في ناحية الحدود التونسية.
هذه المدارس كانت تخرج تلاميذ يلتحقون مباشرة بالمعهد، وكانت تنظم الجمعية سنويا امتحانا للشهادة الابتدائية وكنت من بين التلاميذ، الذين اجتازوا هذا الإمتحان وبنجاح ،ومن يجتازون هذا الامتحان بنجاح يمرون مباشرة إلى السنة الثانية من برنامج معهد عبد الحميد بن باديس، زيادة على المدارس كانت الجمعية تتوفر على النوادي مثلا بتبسة.
كنا نشاهد الشيخ العربي التبسي، يخرج يوميا من مدرسته في أعالي المدينة وينزل إلى النادي مع كوكبة من زملاءه من المعلمين في المدرسة نفسها، النوادي كانت مقرا لعمل الجمعية والإتصالات وغير ذلك زيادة على الصحافة.
عند قيام الثورة مباشرة يوم 2او ،3 نوفمبر صدر بيان عن الشيخ الابراهيمي، الذي كان موجودا بالقاهرة آنذاك، حيا الثورة وطلب من الثوار أن لا يعودوا أدراجهم، وفي15نوفمبر 1954، صدر عنه بيان نشر في الجرائد المصرية.
الشيخ البشير الابراهيمي، مع مجموعة المسؤولين الذين كانوا موجودين بالقاهرة بن بلة، ايت أحمد، خيضر، حتى ممثلو بعض الاحزاب التقليدية كانوا موجودين بالقاهرة وانشأو حركة جامعة بينهم وكان الشيخ الابراهيمي، هو أول الموقعين على قانونها الأساسي جمعية العلماء لم تكن غائبة عن الثورة بل شاركت فيها مشاركة كبيرة.
اعطيك نموذج أولا انطلاقا من مارس 1956وقعت واقعة كبيرة في قسنطينة صدرت الاوامر بالمبادرة بالعمل الفدائي في المدن اول عملية فدائية كان قتل محافظ الشرطة كان يراقبون نحن طلبة ابن باديس، كل يوم جمعة، كنا نجلس في مقهيين معروفين ،وكان محافظ الشرطة شديد الوطئة على جمعية العلماء وطلبتها.
وظهرت عند الجيش الفرنسي آنذاك فكرة الإنتقام المكافئ يعني قتلتم لنا شخصية نقتل شخصية أخرى، ذهبوا إلى منزل الشيخ رضا حوحو، واختطفوه وقتل بالطريقة التي قتل بها الشيخ العربي التبسي، لا يعرف له قبر هو من شهداء معهد ابن باديس، كان أمين عام للمعهد.
الظروف اوصلتني في شهر سبتمبر كنت في تونس وسجلت في جامع الزيتونة، الامر الذي انتبهت إليه هو ان خمسة او ستة من شيوخنا، الذين كانوا متواجدين آنذاك في تونس كانت لهم مسؤوليات كبيرة، مثلا الشيخ عبد الرحمان شيبان، كان رئيس أكبر هيئة كانت تسمى القاعدة الشرقية مهمتها الأساسية تمرير السلاح، الذي يأتي من القاهرة إلى الحدود الجزائرية سواء عن طريق تبسة او واد سوف او سوق اهراس.
كان لدينا جزائريين قدامى هاجروا من يوم احتلال الجيش الفرنسي لبلادنا، هاجرت عائلات كثيرة تحت الضغط والقمع الإستعماري مثلا ثورة المقراني عوقب سكان المنطقة عقاب جماعي صودرت اراضيهم واملاكهم فهربوا إلى تونس واعتبروا حكم الباي في تونس حكم إسلامي، وجدناهم مازالوا على جزائريتهم.
كنت نائب رئيس جمعية الكشافة الإسلامية، انشأنها لتأطير الطلبة وكونت فوج من الكشافة كان رئيسها عز الدين بوكردوس، الذي كان مدير عام جريدة الشعب، كان عضو من اعضاء الكشافة الاسلامية كان من الجزائريين القدامى في تونس، هناك المرحوم محمد الصالح أيت علجت، هو الذي ذكرني بأنني ادخلته في الكشافة الجزائرية، كانت تسمى الكشافة الاسلامية لمنع الفرنسيين من دخولها.
جبهة التحرير الوطني نظمت الجزائريين في تنظيمات عديدة، كانت هناك جمعية الشبيبة الجزائرية كانت تتكفل بأبناء الشهداء دار كبيرة للسكن يأكلون ويدرسون، كان هناك جمعيتان للطلبة تسمى جمعية البعثة وجمعية الطلبة الزيتونيين، لما أنشئ اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين وقع اتحاد ما بين الجمعيتين وأصبحوا يمثلون فرعا من فروع الإتحاد الوطني للطلبة المسلمين الجزائريين، بإشراف جبهة التحرير الوطني.
عبد الرحمان شيبان، هو الذي كان الأمين العام لهذه المنظمات في نطاق جبهة التحرير، كان لنا شيخ آخر أحمد حسين، قاضي الثورة يعمل عقود الزواج ما بين الشباب، ايضا الشيخ أحمد بوروح، سعدي الطاهر حراث، هذا الأخير كان مكلف بعملية تنظيمية في شمال تونس.
كان يأتي أسبوعيا إلى مقر جبهة التحرير الوطني يحمل في سيارته عدد من جريدة المجاهد ليوزعها.
جبهة التحرير الوطني كانت قادرة على تأطير كل شيء تأخذ الشيوخ إلى الحدود لإلقاء دروس في الوعظ والإرشاد سواء لأعضاء جيش التحرير الوطني او حتى للاجئين تقدم لهم انشطة ثقافية.
أشير إلى أن منتصف سنوات الثورة جميع سفراء الثورة في عواصم البلاد العربية ،كانوا من شيوخ جمعية العلماء في مصر الشيخ أحمد رضا حوحو، احمد توفيق المدني كان بمثابة قنصل، تكفل بجميع قضايا الجزائريين بالعلاقة مع السلطة المصرية، شيخان في السعودية الأول بن الشيخ العباس، شخصية كبيرة آخر منصب له بعد الإستقلال كان رئيس المجلس الاسلامي الأعلى، ثم عين كعميد لمسجد باريس، بعده جاء الشيخ محمد يكر، المعروف بمحمد الغسيري لأنه من مدينة غسيرة، في الأردن كان الشيخ عبد الكريم العقون، صاحب كتاب بعنوان “التاريخ القومي للجزائر”.
في دمشق عين عبد الحميد مهري مكان الشيخ الغسيري، اعرف مهري معرفة جيدة هو مع الحق أينما يكون، في بغداد كان شيخان من الزيتونة الذين كانا في التعليم مع الشيخ العربي التبسي، وهما الشيخ حامد روابحية، من الشخصيات العتيدة في حزب الشعب، والشيخ محمد الربعي. هذان الشخصان في بغداد افتتحا وبمبادرة منهما اذاعة صوت الجزائر، وبقي يعمل هذا البرنامج إلى غاية الإستقلال.
ونشير الى ان العربي التبسي، انتقل إلى مدينة سيغ بالغرب الجزائري بعد مضايقة الإدارة الاستعمارية وبنوا له مدرسة ومسجد وعمل هناك، فغار ابناء تبسة وطلبوا منه العودة فرد عليهم ارجع لكم بشرطين الأول ان يقبل أبناء مدينة سيغ وثانيا ان تبنوا لي مدرسة ومسجدا، فقبلوا، وعاد وبنيت له مدرسة بعنوان “مدرسة تهذيب البنين والبنات “.جمعية العلماء كان عندها التعليم للأنثى والذكر بدون تفريق.
نشاط اعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لم يقتصر على الجزائر بل في فرنسا افتتحوا مراكز عديدة للوعظ، مثلا الشيخ الورتلاني، من أوائل الشيوخ الذين حولوا إلى فرنسا بما أنه كان شديد النشاط اصدرت فرنسا قرار بمنعه من البقاء في فرنسا، وفعلا بقي طول حياته ممنوعا من الدخول إلى فرنسا. بعدها انتقل شيوخ اخرين نذكر الشيخ سعيد الصالحي، كان رئيس بعثة جمعية العلماء في باريس وقاموا بدور كبير، والمجاهد الكبير الشهيد عميروش، كان عضو في خلية من خلايا جمعية العلماء، وهي مدونة في مذكرات عبد الحفيظ أمقران، من الجنود الذين كانوا يحرسون في مؤتمر الصومام.
أول بعثة أرسلت إلى الكويت
ما هي أول بعثة أرسلت؟ وهل لديك أسماء بالطلبة، الذين درسوا معك وأصبحوا إطارات للجزائر المستقلة؟.
الدفعة الأولى من خريجي المعهد أرسلوا إلى الكويت، حوالي 40 طالبا اتذكر أسماء بعض الطلبة وأقربهم هو زميلي هو الدكتور عمار بوحوش، هو من الطلبة الذين أرسلوا إلى الكويت وتحصلوا على شهادة البكالوريا، طبعا اللغة الثانية في الكويت بعد اللغة العربية هي اللغة الإنجليزية، كان الدكتور بوحوش مهيئا للحصول على منحة إلى أمريكا.
وفعلا ارسل إلى أمريكا وتخصص في علوم حديثة وهو علوم الإدارة وهو الآن ما يزال يشرف على الدكتوراه في معاهد خاصة العلوم السياسية، كذلك هناك طالب زميله الدكتور محمد الصالح باوية، تخرج من الكويت وإلتحق بدمشق وأتم دراسته الجامعية في الآداب أو الفلسفة ثم أرسل في بعثة إلى يوغسلافيا، وتخرج كطبيب وأتم دراسته عاد إلى الجزائر بعد الإستقلال أي في 1969 وسجل للتعليم العالي على يد استاذ فرنسي في مستشفى الدكتور لمين دباغين حاليا بباب الواد، وأخبرني أن هذا الاستاذ عندما عرف أنه معرب درس في معهد بن باديس، ودمشق طلب منه اعادة الدراسة من جديد وتركه الأستاذ.
لكنه وجد استاذ جزائري كان في بدايات التدرج بالتعليم العالي هو الدكتور مهدي، الذي أشرف عليه وتخصص في جراحة العظام وعمل في المستشفيات الجزائرية ما بين الدويرة والبليدة، هو من مدينة المغير، وله مشاركات عديدة في الأدب العربي خاصة في جريدة المجاهد، التي كانت تصدر عدد أسبوعي يسمى جريدة المجاهد الثقافي بقصيدة عن مدينته، حول الفيضان الذي حدث فيها.
بعد ذلك تقاعد وأنجز مكتب طبي بمنزله يستقبل فيه مرضاه، وبعد ذلك يحولهم إلى المستشفيات، توفي في 1997.
شخص ثالث عرف أنه من أهم اساتذتنا في جامعة الجزائر وهو الدكتور أبو العيد دودو، أتم دراسته الجامعية في دمشق ثم إلتحق بالنمسا وأكمل دراسته في ألمانيا ورجع إلى الجزائر وأصبح من الأساتذة المهمين جدا في جامعة الجزائر 1، وأصبح مترجما لبعض الكتب التي كتبت باليونانية لأنه يتقن اللغات الأجنبية.
الدكتور أبو العيد دودو، ومحمد الصالح باوية في الدفعة التي سبقتني وعمار بوحوش، كان من دفعتي وأيضا المرحوم العقيد محمد شعباني، إلتحق بعد إضراب 1956 الذي دعونا إليه مباشرة بعد إعتقال واغتيال رضا حوحو، وتفرقنا والمعهد أغلق لمدة شهر لأن كل طلبة السنة الأخيرة، لم يعودوا لأننا كنا كبارا نوعا ما قررنا الإلتحاق بالكفاح المسلح، لكن بعد تكفلت إدارة جبهة التحرير الوطني بالموضوع وأعادت عدد كبير إلى الدراسة في البلدان المشرقية ابتداء من تونس.
لدينا زملاء كثر أصبحوا فيما بعد مسؤولين في الدولة منهم المرحوم الهاشمي هجرس، الذي تقاعد من الجيش برتبة لواء هذا من زملاء القسم، وأيضا المرحوم عبد الرحمان بوساعة.
كيف تعاملت إدارة الاحتلال إزاء نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟
في سبتمبر 1957، صدرت قرارات عن شخص عرف فيما بعد أنه من أشرس أعداء الحرية السفاح موريس بابون، القرار الأول يتعلق بحل جمعية التربية والتعليم وجميع فروعها الموجودة بقسنطينة، القرار الثاني مصادرة جميع املاكها واموالها والمدرسة نفسها وقرار بغلق معهد عبد الحميد بن باديس، ودار الطلبة الملحقة به وحولوه إلى مركز تعذيب، منذ ذلك الوقت جمعية العلماء انقطعت عن عملية التعليم لكن انتشر ابناءها من طلبة وشيوخ في الجزائر وخارجها.
أبناء الجمعية كانوا جزءا من الثورة
هل تتذكر أسماء لشهداء طلبة الجمعية؟
شهداء معهد عبد الحميد بن باديس، أربعة من شيوخ المعهد ماتوا تحت التعذيب ذكرهم الشيخ احمد حماني رحمه الله في كتاب بعنوان “شهداء معهد عبد الحميد بن باديس”، الشيخ محمد العدوي، نسبة إلى قبيلة بناحية المسيلة تسمى قبيلة بن عدي، لكن لقبه الأصلي هو محمد جعفر، اعتقل وعذب وبعد خروجه بقي ينشط في قسنطينة رغم تهدبدات الشرطة الفرنسية، ثم اعتقل مرة أخرى ولم يعرف عنه أي خبر.
الشيخ محمد الزاهي، من الشمال القسنطيني أظن ميلة او الميلية كان من شيوخنا المباشرين التحق بالثورة واستشهد في معركة، ورضا حوحو، الشيخ العربي التيسي، من شهداء اطارات معهد ابن باديس، وعن الطلبة فهناك اعداد كبيرة منهم عبد الرحمان بوساعة من ناحية القبائل استشهد في الولاية الثانية، وبومنجل بوسنان.
الشيخ حماني هو مجموعة شهداء درسنا كان نائب او مساعد متطوع مع رضا حوحو، في مكتب ادارة المعهد، والمدير الكبير الشيخ العربي التبسي، هذا الأخير كان موجودا في العاصمة لأن مركز الجمعية كان متواجدا هناك لهذا كان يتعذر عليه التنقل لقسنطينة، من حسنات الشيخ أحمد حماني، أنه اعطى نموذج لجميع الشيوخ في السجون بتنظيم الدروس والصلاة في المساجد وتعليم السجناء المناضلين الصلاة وأخرجوهم من الأمية.
هناك أشياء قامت بها الجمعية وكانت لها نتائج مباشرة على الثورة، في حوالي 1956الشيخ البشير الابراهيمي، يوجه رسالة إلى ملك السعودية آنذاك يشكره على ما يقدمونه للثورة أموال بملايين الدولارات لشراء الأسلحة، ويقول له الثورة الجزائرية تأمل أن تمتد يدكم إلى جميل اخير وهو تعيين أحد الشخصيتين وتعيينه في سفارة السعودية بنيويورك، ليلقي خطابا عن الثورة الجزائرية باسم السعودية.
وفعلا وظف الملك السعودي أحمد الشقيري، الذي أصبح فيما بعد رئيس المنظمة الوطنية الفلسطينية، سنويا ابتداء من 1957يلقي خطابا في دورة الامم المتحدة عن الثورة الجزائرية باسم الوفد السعودي.
اخر خطاب القاه كان أواخر 1962بعد استقلال الجزائر وانخراطها في الأمم المتحدة وبحضور الوفد الجزائري، يقول فيه جمعية الامم المتحدة كانت لها يد طولا في قضية تنظيم الإستفتاء لتقرير مصيره الجزائريين، وقع احتفال ب5جويلية بجيش الولاية الرابعة في سيدي فرج بالمكان الذي دخل منه الجيش الفرنسيوحطموا تمثالا للقائد الفرنسي الذي نزل هناك.
ما هو دور طلبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في استكمال مسيرة التعليم بعد الإستقلال ؟
دورهم بداية الإسنقلال، أبدأ بنقطة تغيب عن نسبة كبيرة من الجزائريين وهي ان الطلبة الجزائريين الذين تخرجوا قبل 1962، وهم كثر أذكر محمود ملاوي، عقيد متقاعد، آنذاك كانت موجودة الحكومة المؤقتة، ووزارة تتكفل بالطلبة لها قسم التكوين، وعلى راسه شيخ من شيوخ جمعية العلماء وهو المرحوم عبد المجيد حيرش، هو من خريجي الدراسات العليا في الزيتونة، بشهادة تسمى التطويع او التحصيل تعادل البكالوريا حاليا.
هؤلاء المتخرجون ارسلوا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، التي كان على راسها عبد الحميد مهري، انتظروا مدة شهرين ثم بدأ التذمر فطلبوا لقاء مع مهري واستدعى رئيس مصلحة المنح والطلبة في البلدان الغربية وهو المرحوم عبد السلام بلعيد ،ورئيس مصلحة طلبة المشرق وهو الصديق أرزقي صالحي، ابن الشيخ السعيد صالحي، قالوا له انهم اكملوا دراستهم ويودون الإلتحاق بالثورة.
طلب منهم مهري، تعليم أبناء اللاجئين الجزائريين في الحدود، كان آلاف الأطفال الذين بلغوا سن الدراسة.
أرسل أرزقي صالحي، إلى مدينة الكاف الحدودية نظموا مراكز للتعليم حيثما يوجد اللاجئون في الحدود وأصبحوا يتلقون مساعدات من الهيئات الإنسانية والصليب الأحمر الدولي، حتى الأطباء كانت لدينا منظمة عظيمة على راسها المرحوم الدكتور نقاش.
أبناء جمعية العلماء انتشروا في تلك الحدود وأصبحوا يعلمون، أنقذوا 12 ألف طفلا من الأمية. حاليا أعرف بعضا من بعض التلاميذ الذين بدأو دراستهم على الحدود وهو الآن طبيب جراح في مستشفى عين النعجة ابراهيم حمادة، من الأطباء الناجحين في تخصصه، وصالح سعود دكتور في العلوم السياسية.
جاء الإستقلال دخلنا جميعا خاصة بعد مغادرة الفرنسيين جماعيا، واول قطاع متضرر من هذه المغادرة هو قطاع التعليم، كيف أمكن للدولة الجزائرية الوليدة فتح الموسم الدراسي في سبتمبر 1962؟، نظموا مجموعات من خريجي المشرق، حيث نظم الدكتور بوعبد الله غلام الله، في تيارت عمليات تكوين سريعة لمدة ستة أشهر في شكل ورشات ثقافية يكونون طلبة القرآن، ومبادئ في التعليم.
وهكذا أمكن انقاذ الافتتاح المدرسي غداة الإستقلال، خريجوا جمعية العلماء من الطلبة الذين درسوا الحقوق في المدارس الشرقية الاغلبية في العراق ثم دمشق ثم في مصر، تكون لدينا العشرات من الخريجين في ميدان الحقوق.
كان أول وزير للعدل المحامي الشهير محمد بن تومي، جمع القضاة وأرسلهم إلى الجنوب، لأنه في الشمال الإدارة ما تزال مفرنسة وطلب منهم الإجتهاد في تسيير الحياة العملية هناك وسيروا الجنوب عشرات السنين.
كنت إطار في وزارة التربية الوطنية، أظن أواسط السبعينيات شخصيا كانت لي فرصة تعليم اللغة العربية لوزير العدل آنذاك لأن الرئيس الراحل هواري بومدين، أصدر أمريه جمد فيها ترقيات موظفين في الإدارة العمومية الى ان يدرسوا اللغة العربية وتكون لديهم شهادة بمعرفة اللغة العربية ولو صغيرة، وفعلا تم البرنامج بالإتفاق بين وزارتي الداخلية والتربية الوطنية لتعليم العربية للموظفين.
بداية التعليم في الجزائر كان على كاهل شيوخ وطلبة جمعية العلماء، عدد كبير من شيوخ الجمعية الذين درسونا كانوا تحت سن الأربعين، وظفوا ما بين قطاعي التربية والتعليم كمعلمين واساتذة والشؤون الدينية كمديرين للشؤون الدينية في الولايات وكمفتشين.
مثلا الشيخ أحمد حسين، الذي كان قاضيا ابان الثورة في تونس، كان مديرا في وزارة الشؤون الدينية، وايضا الشيخ أحمد بوروح، وشيوخ اخرين.
هؤلاء الشيوخ، الذين كانوا يعلمون في المعهد او المدارس كيف أمكن دخولهم للوظيف العمومي، هذه الحركة قادها الشيخ شيبان، رحمه الله، كان نائبا في اول مجلس نيابي في الجزائر في 1962، على اساس أنه يهيئ اول دستور للجزائر بعدها ينظم عملية الإستفتاء لإبراز جمعية جديدة وتنتهي مهمته.
اغتنم الشيخ شيبان، فرصة وجوده مع وزير التربية آنذاك وهو المرحوم الشريف بلقاسم، وحدثه عن موضوع شيوخ المعهد والمدارس وانهم في وضعية غير قانونية واتفقوا على اصدار مرسوم رسمي من الدولة يفتح لهم باب الدخول في الوظيف العمومي.
تكونت لجنة من كبار إطارات جمعية العلماء على راسها الشيخ أحمد حماني، يقدمون ملفاتهم وكل واحد اعطي شهادة عمل بسنوات الاقدمية وتمت العملية بسلاسة جميعهم ادخلوا واخذت فترة التعليم القديمة للمدارس الحرة في اقدميتهم في المناصب الجديدة. هذه نقطة من النقاط المضيئة للشيخ عبد الرحمان شيبان، تمكن من ترسيم معلمي التعليم الحر.