التسليح في الثورة التحريرية من بين الإشكاليات، التي كانت تراود قادة الثورة التحريرية، على راسهم عبد الحفيظ بوصوف، المدعو سي مبروك، رئيس جهاز “الـ”مالغ”.
عبقرية قادة الثورة جعلتهم ينشئون ورشات صناعة الأسلحة بكل أنواعها القنابل اليدوية، الأسلحة البيضاء، المدافع، المتفجرات، الرشاشات وقذائف الهاون عيار 60ملم و45ملم، ركبت في سرية كبرى حملتها باخرة كاملة لنقل هذه الدفعة من السلاح وتجهيزات مراكز الصناعة نحو الجزائر.
شباب نجحوا في تصنيع قنابل يدوية ورشاشات
نجح فريق من الشباب الناشط في أول مسبكة بإشراف محمد بوداود المدعو سي منصور، في تصنيع نموذج قنابل يدوية تدعى قنابل يدوية انجليزية، طيلة 1956، لتبتدأ مغامرة تصنيع القنابل اليدوية منها الامريكية.
هذا الفريق من الشباب المهندس الجزائري المجهول من طرف جيل اليوم والمغيب في تاريخنا الجمعي، هم: محمد إسعد ، عيسى عبد الصمد ، سيف الإسلام، مراد بن تشوك، شاري وخايلي، وحمو ياتا، شكلوا جزءا من الفريق الأول.
صناعات رشاشات وقاذفات هاون، ركبت في سرية كبرى.
هذه المغامرة راح ضحيتها عاملان مختصان هما حمو ياتا، ومراد بن تشوك الذي خلفه.
تؤكد شهادة أحمد حمدان، مهندس كهرباء وأول إطار من ورشات التسليح لجيش التحرير الوطني بالمغرب، ان إنشاء النواة الأولى لصناعة الأسلحة الخفيفة كانت بدافع الحاجة الملحة للأسلحة، التي عبر عنها قادة الثورة بالداخل، حيث شرع في البداية بتصنيع القنابل التقليدية، التي نقلوها بواسطة شاحنات نقل الفواكه والخضر نحو العاصمة، وبالضبط إلى حي ليهال les halls بالحامة بالعاصمة.
ويشير المجاهد حمدان إلى ان هذه الطلبات لم تكن منظمة في البداية إلى جانب طلبات الداخل المتمثلة في المتفجرات والأسلحة الخفيفة والرشاشات والقنابل اليدوية، وطلبات قيادة الحدود المتمثلة في تصنيع مدافع الهاون بغرض مضايقة مراكز العدو المنتشرة على طول الحدود الشرقية والغربية.
يقول: “نجحنا في البداية في تصنيع القنابل اليدوية ابتداء من 1957”.
أول قنبلة يدوية سميت بالقنبلة الانجليزية
يروي المجاهد محمد بوداود شقيق عمر بوداود عضو فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا في مذكراته بعنوان” أسلحة الحرية: مذكرات وشهادات”، أن مسألة الأسلحة كانت تؤرق قادة الثورة على أعلى مستوى، واضحى من الضروري اقتناء كميات كافية للسماح لجنود جيش التحرير الوطني بمواصلة الحرب.
وفي هذا السياق تمكن مجموعة من الشباب العاملين في المسبك الأول، الذي أنجز بإشراف المتحدث تنفيذا لتعليمات عبد الحفيظ بوصوف، في 1956من صنع أول قنبلة يدوية سميت بالقنبلة الانجليزية.
ويضيف:”سارعت من فرط سعادتي بهذا المنتوج إلى وضعه بين أيدي بوصوف وبومدين، اللذين ارتاحا أيضا لذلك واقترحا عليا تصنيع القنبلة اليدوية المسماة بالامريكية، وقدما لي نموذجا عن هذا النوع من المتفجرات سلمته بدوري للشبان العاملين في هذه الورشة الأولى، أبطلوا مفعولها لكشف مختلف أجزائها وكان النجاح هذه المرة أيضا باهرا، فقد تمكنوا من تصنيع نماذج منها”.
ويشير بوداود، إلى أن العملية كانت في مسبك صغير بمدينة تيطوان شمال المغرب، يدار من طرف ثلاثة مناضلين جزائريين شباب يعملون بإشراف المسؤول المحلي بالدار البيضاء، يدعى محمد اسعد، يعمل بإشراف المتحدث، في حين الشباب الثلاثة المشرفون على المسبك فهم عبد الصمد، سيف الإسلام، ومراد بن تشوك ،وكان ضمن هذا الطاقم الأول ساري وخليل.
بعد هذه البداية الناجحة جهز المسؤولون الورشة بكل الوسائل الضرورية لتوسيع المكان، بغرض إنتاج المزيد من القنابل وقد وفر المسؤولون محلات أخرى، اضافة إلى المحل الواسع وعقاريين الذي وضعه محمد خطاب، في متناول قادة الثورة.
من لا يعرف محمد خطاب أو الخطابي، مثلما تذكره المصادر التاريخية، هو مواطن جزائري كان يقطن المغرب، كان مناضلا من أجل القضية الجزائرية، منح جزءا من املاكه غير المنقولة لجيش التحرير الوطني لتشييد مراكز تصنيع الأسلحة، ينحدر من مدينة ميلة وقد توفي بأزمة قلبية بسويسرا بعد الإستقلال.
يواصل سي منصور بوداود شهادته بالقول: ” قبل ان أباشر هذه المرحلة لفتت انتباه المسؤولين الى ان ذلك يتطلب وجود عدد كاف من التقنيين ذوي الخبرة في مجال تصنيع الاسلحة حتى نتمكن من خوض هذه التجربة، كان جوابهم الوحيد:”تصرف يا منصور..وحاول ان تتدبر الأمور، بعد ان سمعت ذلك لم انتظر كثيرا لاخذ القرار.”
ويضيف: ” كان الحل الوحيد هو التوجه إلى فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا، وهكذا انصلت بأخي عمر بوداود، وعلي هارون، وقدور العدلاتي، وطلبت منهم البحث في أوروبا عن منظمة قادرة على تزويدنا بالعتاد الضروري لتصنيع الأسلحة.”
لم يتأخر قادة الثورة في ذلك، اذا اتصلوا بزعماء الأممية الشيوعية الرابعة (هي منظمة شيوعية تروتسكية، تأسست في 1938بفرنسا على يد ليون تروتسكي)، وحدد موعد معهم بألمانيا على الحدود مع هولندا.
أرسلوا ثلاثة تقنيين من جنسية هولندية احدهم يدعى ميشال رابتيس، المسؤول الأول عن الأممية الرابعة المعروف باسم بابلو، تحدث معهم مسؤولوا جبهة التحرير الوطني وشرحوا مختلف المراحل الضرورية لصنع السلاح والقطع والات التصنيع والتركيب، وطلب بوداود، من المهندسين الذين وفرتهم هذه المنظمة اليسارية ان يرفق كل ما قيل بتفاصيل حول أسماء الآلات والعتاد الضروري وايضا تسميات المعادن، التي تدخل في تصنيع هذه الأسلحة على ان تسجل تلك التفاصيل في ملف حتى تسلم إلى المسؤولين المباشرين وإلى المهندسين والتقنيين الذين كانوا تحت اشراف المجاهد بوداود، قبلوا بذلك وانصرفوا.
يقول بوداود: “في الواقع كان لدينا مهندس واحد يدعى أحمد حمدان، مختص في الكهرباء من فيدرالية فرنسا توازيا وتعاملنا مع الأممية الشيوعية، طلبنا من مسؤولي فيدرالية فرنسا الإتصال برئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية،فرحات عباس، ليوجه نداء للتقنيين والمهندسين الجزائريين من ذوي الخبرة في تقنيات المعادن كي يلتحقوا بصفوف جيش التحرير الوطني وكان ذلك في 1958″.
وقد أعد المهندسون والتقنيون، الذين أرسلتهم الأممية الشيوعية لمساعدة حبهة التحرير الوطني، ملفا كبيرا تسلمه بوداود، خلال لقائه الثاني بهم وقد عين هذا التنظيم مهندسين من جنسية هولندية للمساعدة في تشكيل مكتب دراسات متخصص في تحليل المعادن وامور أخرى ذات طابع تقني.
وقد تمكن مسؤولوا الثورة من تجنيد كل عناصر المنظمة بالمغرب، بغرض جمع كل الآلات والعتاد، الذي يمكن أن يستعمل في المشروع مثل عتاد الحفر وغيره ،مع اقتناء الات خاصة من خارج المغرب لأنها غير متوفرة داخل هذا البلد.
أغلب الآلات اشتراها مسؤولوا الثورة إلى جانب تبرعات بعض البلدان الصديقة بالعتاد على غرار يوغسلافيا انذاك، ويشير المتحدث في شهادته:” كانت الدار البيضاء تحتضن معرضا دوليا مرة كل سنتين أو ثلاث، طلبنا من الدول الصديقة عن طريق الحكومة المؤقتة احضار بعض الآلات، التي يمكن أن نستعملها في تصنيع بعض قطع من السلاح إلى هذا المعرض”.
وحولت هذه الآلات، التي استقدمت لعرضها في تلك التظاهرة التجارية إلى ورشات تصنيع الأسلحة التابعة لجيش التحرير الوطني بالمغرب عند انتهاء المعرض.
وعكفت قيادة الثورة على تهيئة فضاءات لإحتضان هذه الورشات الخاصة بتصنيع الأسلحة، حيث انجزت الورشات بمساعدة نجارين وبنائين ومجموعات عمل.
أعد في البداية مكتب دراسات في القنيطرة شمال الرباط، كان المقر ملك لمحمد خطابي الذي وضعه تحت تصرف قيادة الثورة.
وإتخذ مسؤولوا جبهة التحرير كل الإحتياطات اللازمة في عملية انجاز هذه الورشات داخل مدن مغربية اختيرت بدقة ، لأن فرنسا نشرت عملائها وجواسيسها بالمنطقة، اختيار بعض المدن المغربية أملته اعتبارات تتعلق بتوفير مواد أخرى ،حيث كان من الضروري إقامة المحلات بالقرب من المراكز الحضرية حتى يتمكن المناضلون من التمون بسهولة بالمواد الغذائية وكل ما هو ضروري للورشات.
وضعت الأممية الشيوعية الرابعة مهندسين وتقنيين تحت تصرف الثورة لدعم طاقم العمال في الورشات، وقد تمكنت المنظمة من توظيف مهندسين ألمان وانجليز وأرجنتنين لصالح الثورة،بلغ عددهم قرابة عشرة ما بين مهندس وتقني، اضافة إلى جزائريين من الطلية، الذين يدرسون بفرنسا والذين استجابوا لنداء الحكومة المؤقتة.
وقد تمكنت قيادة الثورة بفضل هذا الدعم الهام من تصنيع البندقية الالية الأولى، عرض هذا السلاح بمجرد صنعه في هذه الورشات على عبد الحفيظ بوصوف وكريم بلقاسم.
بعد التجارب الناجحة لهذا السلاح، الذي صنع في ورشة جيش التحرير الوطني أصبح جاهزا للاستعمال.
وحسب شهادة بوداود، فإن صنع هذه البندقية الالية كان يتطلب مكانا أوسع من مكتب الدراسات، حيث طلب من المسؤولين المغربيين انشاء مركز تكوين مهني بذريعة التكفل بالجرحى القادمين من الجزائر للعلاج بالمغرب حتى ينقذهم من الفراغ ،مكنتهم هذه الحيلة من الحفاظ على سرية الورشات إلى غاية الإستقلال و كانت تلك الحجة أيضا ذريعة لإقتناء ما يحتاجونه من الآلات وعتاد.
يضيف: “حرصنا على المزيد من الحيطة للحفاظ على سرية هذه الورشات ،أحضرنا قطيعا من الغنم إلى هذا المركز الواقع داخل ملكية كبيرة توجد في تفلفلت، غير بعيد عن خميسات، وكان حراس هذا المركز هم الرعاة المكلفون بالماشية وكان النظام الداخلي للمركز صارما وصعبا، اذ كنا نعمل 24 ساعة على 24 ساعة بالتناوب بين ثلاث فرق ولا يسمح بمغادرة المركز”.
يصف المجاهد بوداود، الظروف التي كان يعمل فيها العمال، حيث كانت شروطا قاسية على العمال الذين هم شباب، وكادت ان تقع كارثة مع مرور الوقت، يروي :” تفطنا إلى بداية جنون جماعي خاصة بين التقنيين والمهندسيين والعمال، كانت اعمار هؤلاء الشباب، الذين قدم اغلبهم من فرنسا تتراوح بين 18و20سنة ولا يتجاوز عمر اكبرهم 24سنة عاشوا في عزلة تامة مدة شهور في المكان نفسه”.
ويضيف: ” صار الوضع لا يحتمل اذ لوحظت حالات من الإضطرابات النفسية، في يوم من الأيام ابلغت بوقوع حادثة داخل المركز فقد حاول تقني شاب ممن جاؤا من فرنسا الخروج من المصنع بملابس أنيقة اوقفه الحارس العسكري وسأله إلى أين؟ فرد عليه الشاب “ألا تعرف ان ضربت موعدا لالة عائشة”.
في تلك اللحظة أدرك الحراس ان الشاب بدأ يفقد صوابه فأحضروه في المساء مرفقا بتقرير مفصل عن حاله، وفي اليوم الموالي لاحظ بوداود، حالة مماثلة بالمصنع نفسه، فطلب من الطبيب الدكتور خلاف، الذهاب إلى المركز لمعرفة ما يحدث وإعداد تقرير عن ذلك، عاد بعد ساعتين قلقا من تطورات الوضع واخبره بنبرة خوف أنها بداية جنون جماعي، وطلب اخراجهم من المركز في الساعات القادمة.
وصف لهم الطبيب مهدئات، وفي تلك الليلة غادروا الموقع وتم ترحيل الموظفين ونقل الآلات حتى لا يتوقف التصنيع وفي وقت قياسي تمكنوا من نقل العمال والعتاد إلى مزرعة رحبة يمكن فيها التنفس والإستمتاع بالهدوء، وتفادي بذلك كارثة حقيقية.
يقول المجاهد:” طلبت من بوصوف ان يسمح بمنحهم انجازات لأنني لم أعد قادرا على رؤية هؤلاء الشباب يتعذبون وانا عاجز عن إيجاد حل فرد بوصوف، بأنه سيطرح المشكل خلال الاجتماع القادم للحكومة المؤقتة،وبعد حصوله على الضوء الأخضر دعاني لإتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من الضغوط على هؤلاء المناضلين داخل المركز”.
نظمت رحلات ترفيهية للمناضلين العاملين في الورشات بعد تقسميهم على مجموعات من 12فردا يشرف على كل مجموعة مسؤول.
سار هذا النظام على ما يرام، واستمرت الورشات في العمل مع الحفاظ على السرية التامة، رفعت من الإمكانيات داخل المعسكرات اذ ادرجت حصص عروض سينمائية واقتني جهازا لعرض الأفلام، وشجعوا من يريد تعلم اللغات الاجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية خاصة وان عمال الورشة كانوا من جنسيات مختلفة.
كانت دائرة اللوجيستية والتسليح الغربية، تتشكل من حوالي 300شخصا،موزعين على خمس وحدات وقام هؤلاء بتأسيس فريق لكرة القدم ونظموا دورات فيما بينهم وهكذا تغير الوضع إلى الأحسن بالنسبة للترفيه.
أخذت وتيرة العمل في الورشات الخمس ترتفع، وكان الجدول الزمني للإنتاج ينص على 10الاف بندقية و100ألف قطعة من الذخيرة الخاصة بالبندقية و50 ألف قطعة خزان، عبئت في صناديق وأرسلت إلى قيادة الحدود، صنعت هذه الصناديق أيضا على مستوى الورشات، التي بها وحدة نجارة وكان باقي العتاد على شكل قطع غيار لم تركب بعد غداة الإستقلال،يؤكد بوداود في شهادته.
علاوة على البنادق، صنع المناضلون بالورشة البنغالور وهو نوع من الأنابيب التي تحشى بالمواد المتفجرة الممزوجة ببودرة النابلم، وتستعمل في تفجير الألغام التي زرعت على طول خطي شال وموريس على الحدود الشرقية والغربية للجزائر.والتي كانت تمنع جيش التحرير من إدخال الأسلحة والجنود إلى الجبآل بالداخل.
بعد صناعة البنادق زاد طموح قيادة الثورة في مجال تصنيع الأسلحة وطلب قادة الثورة تصنيع قذائف الهاون، فصنع ذلك السلاح لكنه كلف جبهة التحرير ثمنا غاليا للأسف اذ فقدت اثنيين من المختصين في صنع المتفجرات خلال التجارب احدهما النقيب حموياتا،كان ضابطا في الجيش الفرنسي وإلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني، كان يتميز بأخلاق عالية.
انفجرت القذيفة داخل المدفع لحظة بدء التجارب واصابت مباشرة حمو، الذي كان يقوم بها بنفسه وتوفي في الحال، يقول بوداود في شعادته:” كان هذا الحادث اختبارا آخر علينا تجاوزه، لقد فقدنا أحسن المختصين بين رجالنا في هذا المجال.وقد عوض بمراد بوشوك الذي لقي المصير نفسه”.
ويضيف:” عوض حمو، وبطلب منه بمراد بلتشوك، الذي تعلم أسس هذه المهنة الخطيرة من الفقيد، بعد شهرين او ثلاثة من الحادث الأول وقع حادث آخر كان قاتلا، فذهب هو الآخر ضحية انفجار بمخيم لعراش، وهكذا فقدت رجلا ثانيا مختصا في المتفجرات إنه الثمن، الذي دفعناه لتزويد جيش التحرير الوطني بهذا السلاح الذي كان ينقصه”.
ويؤكد المجاهد، أن هذه الحوادث المؤسفة لم تثن من عزيمتهم واستمروا في تصنيع الأسلحة في سرية تامة.
وحسب شهادته، مسعود زقار، المدعو رشيد كازا، ارسل من وهران من قبل المسؤول السابق لجيش التحرير الوطني في هذه المدينة، حاج بن علا، واستقبل من طرف القيادة وفي أحد الأيام استدعي بوداود، من طرف بوصوف وقال له:”لا تهتم بعد اليوم بالقواعد الأمريكية بالقنيطرة، مراكش،سيدي سليمان والدار البيضاء ،هناك شخص يتحدث الإنجليزية سيهتم بذلك”.
لم يتردد بوداود، في القبول لان ذلك سيخفف عنه الضغوط، فعادت تلك المهمة إلى رشيد كازا، الذي أعانه الأمريكيون وأنهى مهمته بشكل جيد.
ويضيف أن مسعود زكار، طلب من الامريكيين المساعدة في تصنيع قاذفة صاروخ من نوع بازوكا، وهو سلاح كان بومدين، يلح على امتلاكه بأي ثمن، عمل رشيد كازا، لوحده ولم يكن مهيكلا، حيث تعامل مباشرة مع بوصوف.
طلب بومدين، من المناضل بوداود قبل تكليف مسعود زقار، بهذه القضية ان يتدبر الأمر وأحضر له بازوكاتين، فاتصل بوداود، بمحمد خطاب، وطلب منه ان يفعل كل ما في وسعه لإقناع محمد الخامس، الذي كان يستعد لزيارة القاهرة بإحضار البازوكتين.
وقد سلم المصريون الملك السلاح المطلوب وبدوره سلم إلى بوداود، فتوجه هذا الأخير إلى وجدة بالسيارة حتى يسلم بومدين اياهما، حيث غمرته سعادة لا توصف عند مشاهدة البازوكتين، وقال لبوداود :”الآن سنبرهن لفرنسا أننا قادرون على تحطيم دباباتهم”.
إعتراف بومدين وبوصوف..
ويؤكد بوداود في مذكراته أنه ما يزال يحتفظ برسائل بومدين وبوصوف، التي قالا له فيها: “إن الجزائر المستقلة ستعترف بما قدمته لها من خلال نجاحك في هذه العملية”.
ويشير إلى أنه بعد الإستقلال صنع المناضلون، 200 قاذفة هاون (60 ملم و45 ملم )،سلمت للجيش الجزائري ومعها الخردة وقطع الغيار، وشحنت الأسلحة والتجهيزات الموجودة في تلك المراكز على متن باخرة وأرسلت إلى الجزائر ،حيث تسلمها العقيد بن حدو بوحجر، المدعو عثمان، من الولاية الرابعة، وبنيت شاليهات في إطار سياسة الترفيه عن موظفي مراكز وورشات تصنيع الأسلحة.
بخصوص ورشات الأسلحة، يروي بوداود:” بدأنا العملية خطوة بخطوة ووصلنا إلى انجاز خمس مصانع صغيرة لإنتاج عتاد صيانة الأسلحة، كانت هناك ورشة في بوزتيقة، واخرى بتيطوان، شرع في العمل بتيطوان وكانت دائرتنا تشرف على سير مسبك تذويب الحديد”.
ويضيف:” بدأنا بتصنيع القنابل اليدوية ومكونات البنادق وخزان الذخيرة، ثم صنعنا مدافع الهاون ومكونات 2000بندقية من نوع كوبرا، في سوق الأربعاء بمقاطعة القنيطرة.كانت لدينا أيضا وحدة سخيرات لتصنيع مكونات مدافع الهاون والبندقيات الالية وتركيب الأسلحة. وتخصصت وحدة أخرى في تصنيع مكونات الآلات كانت بتمارة بالرباط، وهناك وحدة بالمحمدية لصنع مكونات البنادق الالية وتركيبها”.
ويشير في شهادته، أن هذه الورشات عبئت فيما بعد لتصنيع عتاد آخر على غرار مقصات اليد لقطع الأسلاك الشائكة المقامة على طول خطي شال وموريس، والمقص مزودا بغمد خشبي لتفادي الصعق الكهربائي.
وقد حرص المسؤولون في الورشة على ان تبقى هذه العملية في سرية كاملة وتمكنوا من التقدم بانتظام واصبحوا يشتروا المواد الأولية من الخارج واقتنوا أسطولا من شاحنات نقل وكانت هذه الورشات تعمل على تكوين الشباب.
أشهر قبل الإستقلال اتفق مع بوصوف على إرسال أحسن الجنود، الذين كانوا يعملون في مصنع الأسلحة إلى يوغسلافيا لتلقي تكوين متخصص في مجال التسليح ،كانوا يصنعون القنابل اليدوية وقذائف الهاون وقنابل ورشاشات وكان الهدف من هذا التكوين هو تمكين تقنيي الورشة من التخصص في تصنيع الذخيرة واسلحة أخرى، والبنادق الرشاشة وكانت هذه البعثة تشكل النواة الأولى للأسلحة في الجزائر.
80 مناضل تلقوا تكوينا متخصص بيوغسلافيا..
بعد موافقة السلطات اليوغسلافية أرسل 80مناضلا من أحس تقنيي ورشات الأسلحة لتلقي تكوين متخصص وتحصل هؤلاء على تكوين في مجال تصنيع الذخيرة والخطط الدراسية لتصنيع النسخ واسلحة جديدة. بعد ستة اشهر من استرجاع السيادة الوطنية، اتخذ الرئيس أحمد بن بلة ،قرار اعادة رسكلة هؤلاء العمال في ميادين أخرى أقل أهمية من صناعة الأسلحة.، وهو نا تأسف له المجاهد بوداود.
ويضيف:” اتصل الرئيس بن بلة، بالسلطات اليوغسلافية لتوقيف تكوين هؤلاء الجنود في الأسلحة، وطلب من قيادتها توجيههم نحو مجالات مثل تصنيع الدراجات والأواني المنزلية، ولأسباب نجهلها لم يرغب بن بلة، في ان يتكون هؤلاء الجنود العمال في السلاح”.
قرار من بن بلة..
ويشير إلى أن هذا القرار أثار استياء كبيرا لدى هؤلاء المتربصين، الذين طلبوا العودة إلى الجزائر، وعوملوا بشكل سيء عند رجوعهم بحجة انهم ليسوا بجنود ولا بمناضلين، وكان عليهم أن يتدبروا أمورهم للحصول على عمل دون ادنى اعتراف.
ويضيف:” لم نكن راضين عن هذا القرار بالنظر إلى التضحيات الجسام، التي قدمها هؤلاء الجنود لسنوات بهدف تزويد جيش التحرير الوطني بنواة صناعة عسكرية، وقد حرم هؤلاء المناضلون، الذين يمتلكون خبرة وتكوين في مجال تصنيع القنابل والرشاشات وقذائف الهاون من تعميق تكوينهم والمساهمة في تمكين الجيش الوطني الشعبي الفتي من إنشاء ورشات لصنع الأسلحة”.