الأندلس اسم أطلقه المسلمون على شبه جزيرة أيبيريا عام 711م، بعدما دخلوها بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير وضمّوها للخلافة الأموية واستمر وجود المسلمين فيها حتى سقوط مملكة غرناطة عام 1492.
أسس الأمويون حضارة إسلامية قوية في مدن الأندلس المختلفة، وهي أطول وأهم الفترات التي استقر فيها المسلمون في الأندلس ونقلوا إليها الحضارة الأدب والفن والعمارة الإسلامية.
من روائع ما خلفه الأمويون مسجد قرطبة، وقد كان لعبد الرحمن الداخل جهود حضارية متميزة فقد جمل مدينة قرطبة وأحاطها بأسوار عالية وشيد بها المباني الفخمة والحمامات على شاكلة الحمامات في دمشق والمدن الإسلامية والمدارس والمنتديات والمكتبات.
الطراز الأموي هو أبرز سمات الفن الأندلسي وبرع الأمويون في شتى الفنون فن النحت على الخشب، والزخرفة والنسيج والتحف المعدنية والنحاسية، التي نقلوا صناعتها من دمشق.
أصبحت مدن الأندلس منارة للعلم والحضارة، وكانت قرطبة تُنار بالمصابيح ليلا لمسافة 16 كم واحاط الخلفاء الأمويون مدن الأندلس بالحدائق الغناء، فكانت قبلة للناظرين وما تركوه وخلفوه لنا من اثار ينطق بالعظمة والجلال.
من بين معالم الحضارة الأندلسية الطقوس الجنائزية. تذكر بعض المصادر التاريخية حول طقوس الجنائز الأندلسية في الأندلس من خلال كتب التراجم والنوازل للقرنين 04 و09 هجري، أهم الطقوس التي كانت تمارس خلال تلك الفترة واهم الجنائز التي تسبق الدفن لدى مختلف الطبقات الاجتماعية بالأندلس وعلى رأسها الطبقة الأرستقراطية، التي تشمل أفراد الأسرة الحاكمة وكبار الملاكين والأغنياء.
وأشار لسان الدين بن الخطيب، أكثر من مرة في كتابه “الإحاطة في اخبار غرناطة “، إلى العظمة والتقدم اللذين بلغتهما مملكة غرناطة فأعطانا صورة واضحة عن عصره انطبعت مظاهرها على حياة اهلها وطرق معيشتهم في جميع النواحي السياسية والحربية والدينية والثقافية وكان الرخاء والثراء محور هذه الحياة التي بلغت في البذخ حدا كبيرا.
فذكر ان أهل غرناطة كانوا يميلون إلى الأناقة في اللباس ويكثرون الإبتذال فيه ومثال ذلك أسرة بني زيري كانت في قمة الهرم من حيث الثراء والإقطاعات الكبيرة، ثم عملوا على تقوية تلك الطبقة والهدف هو المحافظة على الحكم.
ويؤكد ابن بسام، انه ظهر ببلنسية، طبقة خاصة ثرية تشكلت من الوزراء والصقالبة، الذين نعموا بترف اجتماعي لا مثيل له، وفي اشبيلية كانت الطبقة الأرستقراطية تحتل القمة في المستوى المعيشي واسلوب الحياة الرفيع وشكل البلاط مثال أعلى للمجتمع برمته، استعملت هذه الطبقة حيل كثيرة لزيادة نفوذها ومحاربة خصومها الطامعين في السلطة كمصادرة ممتلكات منافسيهم أو غيرهم من الاغنياء الكبار، وأجبروا الملاكين الصغار على ترك اراضيهم بمختلف الوسائل وفرضوا ضرائب باهظة لخدمة اغراضهم وتوسيع رقعة نفوذهم المادي.
كانت هذه الطبقة الأكثر ثراء في المجتمع الأندلسي، حيث طال هذا الثراء والرخاء كل جوانب الحياة ليشمل الموت ومراسم الجنازة والقبور فأبدع الأندلسيون في بناء القبور والقباب والسقاف والروضات عليها، وتفننوا في زخرفتها ونقشها، ولكن هذا لم يمنع بعض أولي الأمر من العلماء في كل عصور الأندلس أن يأمروا بهدمها وتغييرها وحط سقفها وما على من حيطانها.
ومن الطقوس الممارسة هو اتباع الجنازة والمشاركة في الدفن، وهذا شمل حتى الأمراء والأئمة فقد كان الأئمة الرستميين يحضرون الجنائز.
ذكر ابن صغير المالكي أنه رأى أبو اليقظان محمد بن أفلج، في مصلى الجنائز وأنه جلس ينتظر فراغ دفن رجل مات من وجوه الناس.
كان الأئمة الأدارسة أيضا يشاركون في تشييع الموتى، ويواسون المصابين ويخففون عنهم وكان الأمراء الزيريين يحضرون الجنائز خاصة منها ما تعلق بأفراد أسرتهم.
واتخذ أهل الأندلس شواهد القبور من الرخام الفاخر المصقول، الذي كانت تشتهر به المرية وغيرها من المدن الأندلسية ونقشوا عليه اسم المتوفى وتاريخ وفاته وتبارى بعضهم في كتابه المرائي وذكر فضائل الميت والمبالغة في ذكر خصاله وأفعاله، حسب ما يذكره ابن الخطيب أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني، ومصادر أخرى.
وهناك من الناس من كان ينظم لنفسه بعض الأبيات ويوصي أن تكتب على قبره بعد وفاته، بحسب ما ورد في كتاب صلاح خالص، اشبيلية في القرن الخامس الهجري، دراسة أدبية تاريخية.
ويوضح خالص، أنه في حالة وفاة أحد العلماء كثيرا ما يقوم بعض من رفاقه بتغسيله تطوعا او يكون المتوفي قد أوصى بأن يقوم بهذه المهمة أحد بعينه، واستعمل في تكفين الميت أثواب القطن أو الكتان أو الحرير تباهيا وفخرا، وكثيرا ما كان يصلي على المتوفى أحد من أفراد أسرته خاصة إذا كانت الأسرة من العلماء كأن يصلي الإبن على الأب أو العكس أو يصلي الأخ على أخيه، ويدفن عادة في مقابر المدينة إلا إذا أوصى المتوفي أن يدفن مثلا داخل مسجد بناه.
ويشير محمد بن محمد بن عبد الواحد الشيباني، في كتابه “الكامل في التاريخ”، ط2، إلى التباين في مستوى الموتى في قبورهم من الناحيتين الإجتماعية أو الاقتصادية يتجلى في تمايز قبورهم من شكل لآخر، فقبور الأغنياء محاطة بمربع مثل الحدائق، التي يطوقها جدار من حجر ثمين مثل ما وجد في باب ألبيرة.
ويصف عبد الواحد الشيباني، شكل القبور بأنه قبر له نصبان سميكان على شكل لوح مستطيل من صخر أو رخام مثبتان في وضع عودا متجه نحو القبلة -مكة- يغرس النصب الأول عند الرأس والأقصر عند الرجلين تبعا للطقوس الجنائزية الخاصة بالمذهب المالكي، الذي يقتضي وجود شاهدي يميزان قبر المؤمن.
طبقة العامة هم الأغلبية الأقل امتيازا، والطبقة الوسطى تضم كبار التجار واصحاب الأعمال والمشاريع وموظفي الدولة التابعين والملاكين الصغار، بما فيهم المزارعون الكبار يتمتعون بمستوى إجتماعي متوسط، وإن كان المستوى يختلف ارتفاعا وانخفاضا باختلاف الأشخاص ومهنهم.
وتمثل هذه الفئة الأشخاص الذين ارتبطت مصالحهم بمصالح الفئة الحاكمة فهم يقتربون منها أكثر كما يقتربون من عامة الناس، والذي يميزها عن سائر الفئات هو المستوى الاجتماعي والمعيشي.
والطبقة السفلى كانت تتألف من مجموعتين من السكان، لم تكن لها امتيازات في المناطق الحضرية أو الريفية، وهي أكثر الطبقات فقرا في المجتمع ويمثلون السواد الأعظم منه، ويضاف إلى ذلك معاناتهم من الظلم والتعسف.
اختلفت مراسم الدفن عند الطبقة العامة حسب الوضع المادي للأشخاص فمنهم من رغب في جنازة متواضعة، لم تكلف أكثر من سبعة دراهم في حين أبى بعض أهالي المتوفي الى ان يتأنقوا في بناء قبره وزخرفته وهو ما كلفهم مبالغ باهظة.
كانوا يوصون وهم أحياء بمن يصلي عليهم بعد وفاتهم. فقد أوصى أحد الآباء ابنه بذلك وكان البعض يعين المكان، الذي يريد أن يدفن فيه وكانت الرغبة في يوم الجمعة وتفضيلها على كافة أيام الأسبوع لقدسية هذا اليوم.
ومن بعض التقاليد الجنائزية الرجال يقفون لتلقي التعازي بينما تحيط النساء بالميت يندبنه ويبكين عليه ويصحن بأهازيج خاصة، وجرت العادة ان يلبس أهالي الفقيد لباس أبيض تعبيرا عن حزنهم لفراقه.
طبقة العبيد من الفئات المكونة لحركية المجتمع الأندلسي، لم تخل دار ثري في الأندلس أثناء عصر ملوك الطوائف من العبيد وكانوا يجلبون عادة من بلاد بعيدة وجلهم من السود الأفارقة أو من أواسط أوروبا ويطلق عليهم اسم الصقالبة، ومن اعمال العبيد الخدمة المنزلية كخدمة البيت المتمثلة في العجين والطبخ والكنس وترتيب السرير واستقاء الماء وغسل الثياب والنسيج.
تولى العبيد أيضا خدمة الدواب والقيام بشؤونها من علف ورعاية إلى جانب جمع الحطب للتدفئة، وتوالوا فتح باب المنزل، ويتسوقون لقضاء حاجات وتعتبر أسماء العبيد ذكورا واناثا مؤشرا قويا على رغبة دمجهم من طرف السادة في المجتمع ومن بين هذه الاسماء ذكورا تجد مسرور، خران لحصول العبد على المواطنة والاندماج الإجتماعي باعتباره فردا من هذا المجتمع.
وجه ملوك الطوائف عناية خاصة في اقتناء العبيد، وزاد الإقبال في بلنسية، بحكم موقعها البحري واتصالها بممالك النصارى في اقتناء العبيد للعمل في فلاحة الأرض، استطاع العبيد ان يكونوا طبقة هامة في المجتمع الأندلسي، كان لها الدور الخطير في مساندة السلطة الارستقراطية وتوطيد نفوذها، وارتقى هؤلاء العبيد إلى المناصب السياسية واستقلوا في كثير من المدن الأندلسية أثناء السيل الجارف للفتنة البربرية كالفتيان العامرية.
وعن طقوس الجنائز عند العبيد، تؤكد بعض المصادر التاريخية أنه لم يرد الحديث عن وفاة العبد أو الأمة في الكتابات الفقهية إلا نادرا حيث تصل إلى حد التغيب، ينص رأي فقهي على ان من حقوق العبيد على سيدهم ان يكفنهم اذا ماتوا. يغسل الرجل زوجته وان كان عبدا وهي حرة وتغسله زوجته وان كانت امة وهو حر.
كانت طقوس الجنائز عند اهل الذمة النصارى واليهود، تتميز بخروج اقارب الميت نحو الكنيسة، وهم يحملون الميت داخل نعش ليلتقوا بمجموعة أخرى تنتظرهم في الكنيسة من الاقارب اصحاب الصلة البعيدة واصدقاؤه ليبدأو موكب الجنازة وهم مرتلين ترانيم معينة ،بعد الدفن يعود أهل المتوفى إلى البيت ويدخلون في فترة حداد.
يتميز النصارى في الأندلس بمدافنهم الخاصة، حيث تكون القبور على شكل بيوت مملوءة بالتوابيت، وفي حالة كانت النصرانية متزوجة بشخص مسلم وقد توفي يمكنها غسل زوجها بحضرة المسلمين.
عند اليهود يجرد الميت من ملابسه ويوضع عاريا على الأرض ثم يغطى بإزار. ويحدث أيضا ان يعزل الميت بستار يعلق بين حائطين فتغطي المرايا، اذا ما كانت موجودة او تقلب ونتردد تضرعات التوبة والمغفرة ويطول الترتيل بقراءة المزامير والابتهالات والتوسلات وقراءة العقائد الثلاث عشرة.
تنتهي هذه اللحظة بطقس خاص يسمى “صوق ها الدين” او قبول أمر الله، ويختتم بالتسبيح التالي: حمدا لك يا رب أنت العادل الحق”.
وترفق هذه العبارة بعملية لفريعة او التمزيق، وهي رمز الانقطاع وتذكير بالختان بشكل من الأشكال وترمز للفراق الذي لا لقاء بعده بعد ان اعلن عن الوفاة المكلفون بمراسيم الدفن.
يرى اليهود ان أكبر اهانة يهان بها الميت هي أن يدفن بطريقة غير شرعية.
وتؤكد النصوص التلمودية ان الدفن في التراب يمنع من خلل الجسد، ولكنه يساعد كذلك على التكفير عن الذنوب حسب عقيدتهم وينبغي ان يدفن المتوفي في نفس يوم الوفاة، إلا إذا كان هذا يوم سبت وفي هذه الحالة يؤجل إلى اليوم التالي.
توضع جثة الرجل في النعش، الذي يكون مغطى بغطاء أسود او جلباب كان يلبسه الفقيد في حياته ويحمل الحمالون او الكتافون النعش فوق اكتافهم إلى المقبرة، ويحرصون ان يكون رأسه في المقدمة عند الخروج من الدار بعده يسير الاهل والأصدقاء، ويفرض احترام المتوفى ان يكون النعش في رأس الموكب، وعلى كل شخص يلتقيه ان يسير طبقا لفريضة مصاحبة الميت وتكون المسافة بين النعش والذين يتبعونه أربعة أذرع على الأقل وعلى اليهودي احترام فريضة المصاحبة.
ويعلن عن مرور الموكب بالبوق وبمجرد سماع النفخ تغلق الدكاكين وكلما تقدم الموكب كلما تزايدات جمهرة السائرين وراء النعش حتى وصول المقبرة، بعد وضع النعش تبدأ سريعا طقوس الطواف، وهي سبع دورات في دائرة ضيقة يقوم بها عشرة أفراد مشدودي الايدي حول النعش وهم يرددون دعاء خاصا.