أكد الدكتور عمار بوحوش، على الدور البارز للعمال الجزائريين بفرنسا ومساهمتهم في تمويل الثورة الجزائرية عن طريق الإشتركات التي تدفع شهريا من راتبهم، وأشار في حواره مع ” الشعب” إلى الأسباب التي دفعتهم للهجرة والظروف الصعبة التي واجهتهم.
الجزائر تحيي ككل سنة ذكرى مجازر الـ17 أكتوبر 1961، ما هي الأسباب الحقيقية وراء تنظيم مظاهرات الـ17 أكتوبر 1961؟.
الدكتور عمار بوحوش: جاء تنظيم المظاهرات بسبب حظر التجول على الجزائريين المسلمين بقرار من السفاح موريس بابون، وهذا قرار عنصري اتجاه الجزائريين، حيث أن العمال كانوا يجتمعون بعد العودة من العمل في المقاهي ويجمعون اشتراكات لتمويل جيهة التحرير الوطني، وكانوا ايضا يعقدون اجتماعات لمحاربة المصاليين، الذين كانوا بالنسبة لهم اعداء.
فالدولة الفرنسية شعرت بأن هذه الأموال هي التي تذهب إلى جبهة وجيش التحرير وبالنسبة لها لابد من حرمان جبهة التحرير من هذه الأموال التي تجمع وتوجه لهم لشراء السلاح لأن حوالي 80%من ميزانية الحكومة المؤقتة وجبهة التحرير كانت تأتي من العمال المهاجرين لان عندهم عملة صعبة.
كذلك هناك سبب آخر مهم جدا وهو ان حكومة ديغول وميشال دوبري، كانت تعاني من اللوبي اليميني المتطرف الذي يرفض المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني ومثلما هو معروف فإنه في ماي 1961،بدأت الحكومة الفرنسية تميل إلى التفاوض مع جبهة التحرير الوطني كسلطة تمثل جميع الجزائريين فلا توجد فيه القوة الثالثة ولا توجد قوة اخرى مناهضة لها، ولهذا تحرك اليمين المتطرف لمنع الدولة الفرنسية من التفاوض مع جبهة التحرير الوطني في فرنسا.
ميزة لقاءاتهم لجمع الأموال كانت تسمح لهم بمناقشة السياسات ووضع الخطط والإستيراتيجيات لهذا موريس بابون ،أراد حرمانهم من هذه اللقاءات و جمع الأموال فأصدر قرار بحظر التجول للجزائريين وعدم لقاءهم في المقاهي.
اليمين المتطرف، الذي كانت له قوة في فرنسا يضم المعمرين والجيش و المنظمة السرية للجيش L’oas، الذي كان يحافظ على الجزائر فرنسية اصبحوا أقوياء ومنعوا الدولة الفرنسية من التفاوض.
نقطة اخرى يجب ذكرها بمناسبة الذكرى الـ62 لمجازر ال17 اكتوبر 1961، ان هذه السنة تعتبر انطلاقة جديدة بالنسبة للسياسة الأمريكية اتجاه الحرب في الجزائر بسب انتخاب جون فريدريك كيندي في 1961،وبمجرد نجاحه أيد الجزائريين، وبالتالي نقل الميزانية الامريكية المخصصة لتمويل الحرب في الجزائر ومساعدة فرنسا نقصت فالحكومة الفرنسية وجدت نفسها مجبرة على التفاوض مع جبهة التحرير لأنه لا يوجد تمويل كافي للحرب من طرف الخزينة الأمريكية لتمويل الحرب في الجزائر.
وزير الخارجية في الحكومة الامريكية، دير روسك، هو الذي ضغط على ديغول وأجبره على اجراء المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني في تونس، نقطة اخرى مهمة ايضا ان جبهة التحرير الوطني وضعت إستراتيجية كبيرة لخلق التأييد لها في الجزائر وفرنسا.
التأييد الكبير جاء بفضل مظاهرات 10ديسمبر 1960،في الداخل وكانت لجبهة التحرير الوطني نية لتحريك العمال الجزائريين بفرنسا وتكون هي المفاوض الوحيد للجزائريين، اليمين المتطرف كان دائما بالمرصاد لاي شئ يساعد جبهة التحرير لتكون المفاوض الوحيد والقوة الثالثة.
الحكومة المؤقتة كان لها استيراتيجي كبير هو لخضر بن طوبال، وزير الداخلية فكان مسؤولا عن المنظمات سواء في فرنسا،تونس او مصر وكانت اتحادية جبهة التحرير بفرنسا تحت سلطته بصفته وزير الداخلية فهو الذي كان يحرك المظاهرات.
تنظيم الجزائريين بفرنسا كان متماسك و65 الف متظاهر شاركوا في المظاهرة منهم زوجات الجزائريين، الذين لديهم جنسية فرنسية وكذلك اليسار كلهم جاؤا بإرادة قوية لتأييد الثورة الجزائرية والضغط على اليمين كي لا يمنع الحكومة الفرنسية من التفاوض مع جبهة التحرير الوطني.
هذه بصفة عامة الأسباب والظروف التي جاءت فيها مظاهرات 17اكتوبر 1961، ونشير إلى أن عدد الجزائريين الذين قتلوا في المظاهرات بين 300و400 الف.
للتذكير، في 2001قام رئيس بلدية باريس بإقامة نصب تذكاري في جسر سان جيرمان تخليدا لضحايا مجزرة 17اكتوبر 1961،وفي 2011وضع الرئيس الفرنسي اكليلا من الزهور على نهر السين للذين تم رميهم وفي 2012قرر الرئيس هولاند فرانسوا بحدوث المجزرة.
وأخيرا اعترف ماكرون ان الجزائر التي ارتكبت فيها فرنسا جرائم لم تعترف بحرب الجزائر الا في 1999،وكانت تسميها عمليات فرض الأمن.
لماذا اختير يوم 17 اكتوبر بالتحديد لتنظيم هذه المظاهرات ؟
مثلما ذكرت أنفا أنه في هذا الوقت بالذات وقعت صراعات بين اليمين الفرنسي والحكومة الفرنسية لأن اليمين الفرنسي المتطرف، كان مدعم من طرف الجيش في فرنسا والمنظمة السرية للجيش الفرنسي لواس، كانوا يحاولون منع التفاوض مع جبهة التحرير الوطني ولهذا 17اكتوبر جاءت الفرصة حظر التجول لكي يظهروا التأييد المطلق.
وفي الحقيقة 65ألف متظاهر غيروا وجه الثورة الجزائرية في فرنسا لانهم اخذوا إلى قصر المعارض في فرساي ورحلوا الكثير من الجزائريين الى الجزائر، بسبب خلق بلبلة في الرأي العام الفرنسي بحيث أصبح يعرف ان جبهة التحرير الوطني هي المفاوض الوحيد وان القوة الثالثة التي حاولت فرنسا انشاءها فشلت والمصاليين لم يعد لهم نفوذ للتفاوض معهم ،في هذا الوقت في اكتوبر 1961،كان لابد من القيام بمظاهرات لإجبار اليمين الفرنسي ومنظمة السرية للجيش الفرنسي انه لا مفر من التفاوض مع جبهة التحرير وانهاء الحرب في الجزائر وهذا هو الذي حصل بالضبط.
حوالي 80%من ميزانية الحكومة المؤقتة من اشتراكات العمال الجزائريين
قلتم ان العمال يجتمعون في المقاهي لجمع الإشتراكات لتمويل الثورة، كم بلغ عدد الإشتراكات؟
كان فيه نظام يجمع الاشتراكات ويرسلها إلى جبهة التحرير الوطني عن طريق سويسرا،كان كل مناضل يدفع إشتراكات شهريا من راتبه تقدر ب 3000الاف فرنك ،وفيه تبرعات.
في الولايات المتحدة الامريكية عندما كنت امين خزينة الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين من 1960 الى 1962، كطلبة ندفع من منحتنا اجباريا خمس دولارات وترسل الى با أحمد، في الهلال الأحمر الجزائري بتونس.
ما هي الأسباب الحقيقية، التي دفعت بهجرة الجزائريين هل من أجل البحث عن لقمة العيش ام من أجل اسباب اخرى؟
خطة الإستعمار الفرنسي كانت مدروسة وكانت لها منهجية وهي توطين الفرنسيين واستيلاءهم على الأرض والسلطة والثروة،الجيش الفرنسي في الجزائر كان يريد ان يبقى الى الأبد في الجزائر ويظهر انه منتصر في الحروب وأن لا تتكرر هزيمته في الفيتنام، التي خسرها كان الجيش متعاون ومتواطئ مع المستوطنين على توطين الإستعمار.
أنبه إلى نقطة كان المستوطنين الأوروبيين متواجدين بكثرة بنسبة 55% تقريبا جاءوا للإستيلاء على الأرض والثروة وتسخير الجزائريين سواء لخدمة الأرض او الجيش الفرنسي او لدفع الضرائب، الجزائريون كانوا آلة في أيديهم صاروا محرومين من الحصول على العيش والتعلم ومن كل شئ ولهذا هؤلاء العمال المزارعون وجدوا أنفسهم في ضيق مالي خاصة في 1914،فهاجروا لكسب لقمة العيش في أوروبا لأن العيش هناك فيه مدخول أحسن،و يحصلون على مزايا.
العمال المهاجرون وجدوا الحرية في عقد الإجتماعات والإتصال والنقاش عكس الجزائر اين تطاردهم الإدارة الإستعمارية. لا ننسى ان الحركة الوطنية انتعشت في فرنسا منذ 1925،وسط العمال هؤلاء هم الذين بادروا بتحريك قضايا التحرير. واصبحوا يجمعون الاموال لتمويل الثورة.
الأوروبيون كان عندهم فكرة وهو البحث عن الأشخاص، الذين يمكن جلب الجزائريين إلى فرنسا وابعادهم عن الوطنيين، لكن عندما اندلعت الثورة ظهرت هذه الفكرة بقوة، واشير الى ان موريس بابون، هو من أنشأ ما يسمى بالمكاتب العربية لاصاص، كان لديها 800مركز والاف المحتشدات كي يسجلوا الجزائريين ويقتفوا اثارهم ويظطهدونهم.
الجزائريون كانوا محرومين من استغلال الاراضي و التعلم والحصول على وظائف.
متى بدأت هجرة الجزائريين الى فرنسا وهل كانت هجرة جماعية ام فردية؟
بدات الهجرة بسبب التجنبد الاجباري للجزائريين في الحرب العالمية الأولى 1912، حيث كانت تنشط مجموعة من الجزائريين الموالين لفرنسا وتجمع الشباب الجزائري وتحثه على المشاركة في الحرب ومساعدة فرنسا سواء في الإقتصاد او الجيش، ولهذا هاجر الكثير من الجزائريين هروبا من التجنيد الإجباري.
الحرب العالمية الاولى خلقت فراغ في المصانع واصبحت فرنسا تأخذ الجزائريين عنوة لسد الفراغ في المصانع والفلاحة لانتاج ما يلبي احتياجات الفرنسيين من المواد الاستهلاكية، والتصنيعية للحرب لأنه لا توجد يد عاملة كافية لسد هذا الفراغ واعادة بناء فرنسا ومن هناك بدات الهجرة تتكاثر، حيث بلغ عددهم في 1947 حوالي 67 ألف عاملا .
وأشير إلى أنه بسبب مخطط ماريشال، الذي استحدثته الولايات المتحدة الامريكية في الحرب العالمية الثانية، طبقته فرنسا على العمال بشمال افريقيا لأن اقتصادها كان مهدم، وبفضل العمال تمكنت فرنسا من تحقيق انعاش اقتصادي كبير إلى يومنا.
بدأ الجزائريون يشعورون بالفرق بين العمل في سجن في الجزائر وتسخيرهم لخدمة دنيئة وحصولهم على رواتب ضعيفة وبين العمل في فرنسا ففكروا في تحسين مستواهم الإجتماعي والمادي وتوفير مدخول كافي لعائلتهم في الجزائر.هكذا تطورت الهجرة.
أشير إلى أنه من كان يسافر من الجزائر إلى فرنسا لا يمكنه الحصول على العمل دون رخصة فرنسا كانت منظمة في هذا الجانب، لديها قوائم بأسماء من سافر ومن بقي في الجزائر.
لكن لا يوجد تخطيط لأفراد او منظمات للهجرة إلى فرنسا،بل كانوا يسافرون كأفراد،لكن فيه تجمعات اقليمية من منطقة القبائل او سطيف او وهران او جيجل ومن الشلف، لان من يسافر ويستقر في عمله يجلب احد اقاربه للعمل في فرنسا.
العمران، الترصيص وكنس الطرقات أهم الوظائف التي مارسوها
ماذا قدمت لليد العاملة الجزائرية للإقتصاد الفرنسي ؟وما هي الوظائف التي كانوا يمارسونها؟
الكتب الفرنسية كلها تتحدث عن دور العمال الجزائريين، الذين وصلوا إلى فرنسا بأعداد كبيرة اصبحوا يسدون فراغ الفرنسيين الذين ماتوا في الحرب العالمية الثانية وهم الذين يؤدون اي وظيفة كانت.
العمران من اهم القطاعات التي اعطتها فرنسا اهمية لاعادة بناء فرنسا في السكنات والمصانع، كانوا يحتاجون يد عاملة خاصة في العمران وهو عمل شاق وصعب والفرنسيون يرفضون العمل فيه، العمال الجزائريون كانت لهم القابلية للتعلم وتحسين المستوى مثلا طلاء العمارات الجزائريين بارعين فيها، كانوا يشتغلون في الترصيص وكنس الطرقات وطلاء العمارات وانشاء المقاهي والفنادق لإيواء العمال الجزائريون.
هم من خلقوا في فرنسا دولة ذات عمارة مزدهرة وصناعة لان الكثير منهم صاروا يتعلمون وتحسن مستواهم وتمت ترقيتهم في الوظائف ولهذا النهضة الفرنسية جاءت بفضل العمال والمهاجرين.
ما هي المشاكل التي كانت تواجه العمال الجزائريين ؟
مشاكل كثيرة منها انهم لم يكن لهم تكوين جيد في بعض المهن، وظائف بسيطة لا تذر عليهم أموال كثيرة ولا يستفيدون منها كثيرا، حتى الاستقرار الوظيفي لم يكن فبمجرد انتهاء عقد العمل يبقى بدون وظيفة ويبحث عن اخرى، المشكل الكبير كيف يوظفون ما يحصلون عليه لسد رمقهم وتوفير الدخل الكامل لعائلاتهم في الجزائر.
فكانوا يرسلون الأموال عن طريق اشخاص، لم يكن فيه تنظيم مالي او بنكي، لم يكن لهم نقابة او منظمة تحميهم كانوا يعيشون في ظروف صعبة.
لديك كتاب حول العمال الجزائريون بفرنسا، هل يمكن اعطاءنا لمحة عن هذه الدراسة والفئات العمرية المستجوبة ؟
عندما كنت طالب في الولايات المتحدة الامريكية بجامعة ميزوري، قررت ان اكتب عن جبهة التحرير الوطني، لكن هذه الاخيرة قامت بالثورة وانتصرت واصبحنا مستقلين، الموضوع الحالي الهام هو العمال الجزائريون الذي مولوا الثورة واعطوا وجه مشرف لهذه الأخيرة وكانت لهم مكانة في المجتمع الجزائري في 1968،أدى العمال دورا كبيرا في تمويل عائلاتهم في الجزائر واصبحت ودادية الجزائر لها نقابة تدافع عنهم .
وجاءت اتفاقية 1968،التي اعطت حقوقا للجزائريين منها استقدام عائلتهم للم الشمل والحصول على رخص لإنشاء مقاهي خاصة بهم عكس التونسيين وكان لديهم حقوق وامتيازات في الضمان الاجتماعي.
صار الجزائريون مهميين للداخل لأنهم يغذون عائلتهم و يدفعون اشتراكات للودادية التابعة لجبهة التحرير الوطني، كانوا يجمعون أموال لمساعدة المرضى في الجزائر ويساهمون في بناء المدارس في قراهم وشكلوا خلايا.
يساعدون بعضهم البعض، أعرف الكثير من الطلبة الذين سافروا للدراسة في فرنسا في عهد الاستقلال ساعدوهم في دفع تكاليف الدراسة، شارك العمال بنسبة كبيرة في تمويل الطلبة لمواصلة الدراسة.
اصبحوا يتحصلون على مدخول جيد وتحسن مستواهم وصاروا يتقنون التقنيات في العمل، استفادوا من التواجد الأوروبي في الجزائر وعرفوا اللغة و القوانين وقاموا بتربصات، الان هناك الجيل الثالث او الرابع ابناء المهاجرين، الذين اصبحوا ينافسون الفرنسيين في المناصب العليا.
اغلب من استجوبتهم في الإستبيان كانت نسبة كبيرة في Nanterre،واجارتان Arjintin,من ساعدني في الدراسة رئيس الودادية الجزائرية انذاك عبد الكريم غريب ، ونائبه أيت وزو، هم من منحوا لي رخصة كي يتحدث معي العمال لأنهم كانوا خائفين،الفئة العمرية كانت صغيرة بين 24و40 سنة ،ما أعجبني فيهم انهم كلهم وطنيين لديهم الحنين لبلدهم ليست لديهم النية في تغيير جنسيتهم ويفتخرون بانتماءهم إلى الجزائر.
المدن التي كان يتواجد فيها العمال الجزائريون بكثرة هي مارسليا ،ليون، باريس، ستراسبورغ ، أما عينة دراستي كانت عن العمال المقيمين في منطقة باريس لأن فيها العمران والمواصلات والعمل متوفر.
هل كان الجزائريون يتمتعون بنفس الحقوق مثل الفرنسيين؟
لم تكن لهم الحقوق نفسها، لأنهم مسلمين جزائريين ليس لهم ضغط على فرنسا لا يشاركون في الحياة السياسية، يستفيدون فقط من الحقوق العمالية المتمثلة في المنح العائلية من له اولاد كثر يأخذ عنهم المنحة، فرنسا فيها تفرقة عنصرية على عكس أمريكا التي تبحث عن الكفاءة.