أولت الصحف العراقية، اهتماما كبيرا بسير المفاوضات الجزائرية والفرنسية، في إيفيان.
نقلت الصحف العراقية مراحل تلك المفاوضات، وتوقفها بسبب تعنت الحكومة الفرنسية، وصولا إلى توقيع اتفاقيات إيفيان، التي وصفتها بالإنتصار العظيم للجزائريين على أعتى قوة استعمارية ظالمة.
ما تناقلته الصحف العراقية عن توقيف القتال
تناول الأستاذ بجامعة الشلف، الدكتور علي العبيدي، في دراسة بعنوان “أصداء اتفاقيات ايفيان في الصحافة العراقية رؤية اعلامية للنصر الدبلوماسي الجزائري”، نشرت في مجلة الواحات للبحوث والدراسات في العدد 19 من سنة 2013، كيف تناولت الصحف العراقية مفاوضات إيفيان معتمدا في ذلك على نماذج من الصحف، التي تابعت مجريات المفاوضات وصولا إلى توقيع الاتفاقيات في 18 مارس 1962، والإعلان عن توقيف القتال، كما نقلت فرحة الشعب العراقي والمسؤوليين العراقيين بهذا الخبر والحدث التاريخي.
ويؤكد الباحث أن موضوع اتفاقيات ايفيان نال اهتمام الصحافة العراقية، حيث أشارت جريدة الزمان البغدادية، الى تصريح وزير الاستعلامات الفرنسية، الذي يقول فيه بأنه من المحتمل الشروع في المفاوضات الخاصة بمستقبل الجزائر في موعد قريب بين الحكومة الفرنسية والحكومة الجزائرية المؤقتة.
وعلقت جريدة الجمهورية، على الحدث في خبر مستعجل تصدر صفحتها الأولى بالقول: “إن الشعب الجزائري يحقق انتصارا جديدا لا يقل أهمية عن الانتصارات العسكرية، التي يحققها جيش التحرير واعتبرت ان إجبار الفرنسيين على الجلوس مع الوفد الجزائري على طاولة واحدة من أجل التفاوض لتحديد مستقبل الجزائر هي الخطوة الأولى نحو تحقيق مطالب الشعب الجزائري في الحرية والاستقلال.”
وأضافت: ” إن المفاوضات في ايفيان تعني الاصرار، الذي أظهره الشعب الجزائري حينما إلتف حول قيادته وضحى بكل شئ من أجل جزائر حرة مستقلة”.
وأبرزت جريدة البلاد أن الثورة المسلحة كانت الأداة التي جعلت الحكومة الفرنسية ترضخ لمطالب الشعب الجزائري، واشارت الى أن المفاوض الجزائري سيكون هو المتحكم بسير المفاوضات وأرجعت ذلك الى الإنتصارات، التي كان يحققها جيش التحرير في جبهات القتال ضد القوات الفرنسية”.
وتناولت الصحف العراقية، أيضا الاستعدادات التي كانت تقوم بها الحكومة الجزائرية المؤقتة لإختيار أعضاء الوفد، الذي سيرسل من أجل التفاوض في ايفيان وكتبت حريدة الزمان، بهذا الخصوص: “الحكومة الجزائرية المؤقتة ستجتمع لإختيار أعضاء الوفد، الذي سيمثلها في محادثات الصلح المزمع اجراؤها مع الفرنسيين في مدينة ايفيان”.
في هذا الصدد يقول الدكتور العبيد، ” حاولت الجريدة من خلال متابعتها وقراءتها للواقع السياسي في الجزائر تقديم للقارئ العراقي توقعات عن تشكيلة الوفد الجزائري، الذي سوف يسافر الى ايفيان وتحديد أبرز الشخصيات فيه”.
وأكد الباحث “ان الصحف العراقية كانت تحلل الأحداث الجزائرية وتقدم القراءات السياسية وعندما انطلقت جلسات المفاوضات في مرحلتها الأولى ما بين 20 ماي-13 جوان 1961 في مدينة ايفيان، ثم توقفت نجد الصحف العراقية تابعت سيرها واتفقت أغلب الصحف العراقية على مسألة إصرار المفاوض الجزائري على الثوابت الوطنية وعدم التفريط بالحقوق التي ضحى من أجلها الجزائريون عبر سنوات ثورته المسلحة ضد الإحتلال الفرنسي”.
وكتبت جريدة الرأي العام “إن ما تقوم به فرنسا هو سلوك عدائي وهو جزء من الخطط الإستعمارية، الذي تعتمدها فرنسا والتي يقوم على أساس المكر والحيلة والإستخفاف بحقوق الآخرين وعلى الوفد الجزائري ان يكون حذرا من هذه الأساليب الخبيثة”.
وركزت الصحف العراقية- يقول العبيدي- على ما كان يحدث من تطورات في غاية الخطورة في الجزائر وفرنسا، نتيجة الأعمال الإرهابية التي كانت تقوم بها منظمة الجيش السري، حيث نشرت جريدة الزمان، تغطية اخبارية بخصوص ما يجري من سلوك عدائي وهمجي تقوم به المنظمة من أجل عرقلة سير المفاوضات في ايفيان.
وكتبت :” تجددت أعمال العنف في الجزائر فقد انفجرت ثمان قنابل بلاستيكية في مدينة الجزائر، أسفرت عن مقتل جزائريين وأوروبي وسقوط ثلاث جرحى جزائريين”، وأشارت جريدة البلاد، إلى أن منظمة الجيش السري كانت تنوي مهاجمة السجن الذي يقيم به أحمد بن بلة ورفاقه”.
و”نشرت تصريح وزير الخارجية للحكومة المؤقتة الجزائرية سعد دحلب، بأنه لا وقف لإطلاق النار في الجزائر قبل القضاء على منظمة الجيش السري”.
ونقلت جريدة البلاد، البيان الذي صدر عن وكالة الأنباء الجزائرية بخصوص سير المفاوضات في ايفيان بعنوان “بيان جزائري يعلن نجاح المفاوضات”، وكتبت :” أعلنت وكالة الأنباء الجزائرية أن تقدما جوهريا قد تحقق في مفاوضات ايفيان الجارية الآن وأنه لا صحة مطلقا للأنباء الصحفية، التي نشرت خلال 48 ساعة خلافا لذلك، وقالت الوكالة الجزائرية أن النبأ السعيد الذي يترقبه الشعبان الجزائري والفرنسي والعالم بأسره بات وشيكا “.
واشارت الجريدة، “إلى عدم صحة الشكوك بخصوص المستوطنين فيما يخص ضمان حقوقهم التي ينص عليها القانون، وايضا موقف الحكومة المؤقتة الجزائرية من الأعمال الإرهابية التي تقوم بها منظمة الجيش السري “.
وعنونت جريدة الزمان، -أضاف الباحث- عشية التوقيع على اتفاقيات ايفيان في صفحتها الأولى”نهاية حرب الجزائر”، وكتبت في حكم المؤكد اعلان اتفاقية وقف إطلاق النار “.
تابعت الصحف العراقية التوقيع على اتفاقيات ايفيان، و”اشارت جريدة الثورة إلى أنه انتصار كبير في صالح قضايا الأمة العربية، ونقلت ردود فعل الرأي العام العراقي الذي بارك ما تحقق من انجاز”.
وكتبت جريدة فتى العراق، استنادا لما نقله العبيدي، مقالا افتتاحيا بعنوان:”عندما انتصرت إرادة الجزائر “..وأخيرا ينحني الإستعمار الفرنسي أمام أعظم ثورة تحررية، وأخيرا تنحني فرنسا أمام إرادة شعبنا العربي في الجزائر بعد ثورة عارمة دامت أكثر من سبع سنوات، فيعلن وقف إطلاق النار في أرض الجزائر الطيبة”.
وكتبت جريدة الزمان: “إننا نحي الوفد الجزائري، الذي وقف متحديا كل الأساليب والوسائل، التي أرادت فرنسا من خلالها إفراغ المطالب الجزائرية من قيمتها وأحقيتها”.
و”نشرت الجريدة نفسها تغطية صحفية حول الإحتفالات، التي شهدتها مناطق عديدة من مدينة بغداد، بمناسبة توقيع اتفاقيات ايفيان، واعتبرتها عيدا عربيا من حق جميع العرب الإحتفال به”.
ونقلت جريدة البلاد، حسب دراسة الباحث، ترحيب دول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بإتفاقية وقف إطلاق النار، “واشارت جريدة الأخبار، إلى ردود الفعل التي أحدثها توقيع الإتفاقيات داخل أروقة مؤتمر نزع السلاح، وركزت على تصريح وزير الدفاع الهندي وهو رئيس وفد بلاده في المؤتمر بالقول:”اما كريشنا منون، وزير الدفاع الهندي ورئيس وفد حكومته لمؤتمر نزع السلاح أدلى بتصريح أعرب فيه عن أمله في أن تكون هذه الإتفاقية فاتحة عهد سلام في افريقيا كلها”.
مسؤول عراقي: ثورة الجزائر رفعت رأس العروبة
وركزت الصحافة العراقية على متابعة ردود الفعل الرسمية والشعبية في العراق، -يضيف العبيد- ونقلت تصريح وزير الصناعة العراقي محي الدين عبد الحميد، بقوله:” إن ثورة الجزائر رفعت رأس العروبة عاليا بكفاح أبنائها الأشاوس ودماء شهدائها الأبرار وأعطت العالم أجمع مثلا حيا عن كفاح الشعوب وامتلأت الدنيا فخرا واعتزازا وإيمانا لإنتصارات أخرى ايذانا بتحرير باقي الوطن العربي الكبير”.
وقال الوزير محسن الشيخ:” لا أستطيع وصف شعوري ازاء ما تحقق من انتصار للشعب الجزائري…وأشعر بأنه من واجبنا أن نفرح بهذه المناسبة التي حققت الحرية والإستقلال للشعب الجزائري”.
ونشرت الصحف العراقية تحقيقا صحفيا لإحتفالات العراقيين بانتصار الجزائريين في ايفيان، وكتبت جريدة البلاد:” استقبل أبناء الشعب العراقي نبأ إطلاق النار في الجزائر بمزيد من الفرح وأصبح هذا الحدث العربي العظيم حديث الناس في كل مكان من البلاد”.
وكتبت جريدة العهد :” توجه عدد كبير من المواطنين وممثلي الهيئات والمنظمات العراقية إلى مكتب البعثة الدبلوماسية للحكومة الجزائرية في بغداد من أجل تقديم التهاني إلى أعضاء البعثة الجزائرية بهذه المناسبة العظيمة”.