وهب الشهيد مصطفى بن بولعيد، أحد قادة الثورة نفسه وممتلكاته الخاصة من أجل تحرير الجزائر.
تجمع مصادر تاريخية على نبل أخلاق مصطفى بن بولعيد ووطنيته، لأنه كان من الرواد الوطنيين الذين بادروا للتحضير للكفاح المسلح، بعدما تأكد أن ما أخذ بالقوة لابد أن يسترجع بالقوة وأن الإستعمار الفرنسي لا تنفع معه إلا لغة السلاح.
في هذا الصدد، يقول الباحث مسعود عثماني، في كتابه “مصطفى بن بولعيد مواقف وأحداث”: ” اتاه الله مالا وفيرا ومنزلة رفيعة بين الناس.. فزهد في ماله وأنفقه بسخاء لصالح القضية الوطنية وعندما شحت عليه الحركة بالمال رهن قسما من ممتلكاته ليشتري بثمنها السلاح للثورة، سخر ممتلكاته لخدمة القضية الوطنية فحول المزارع إلى مراكز للتدريب على إستعمال السلاح وصناعة القنابل وملاجئ لإيواء الفارين من مطاردات الشرطة الفرنسية”.
ويذكر الدكتور الطاهر جبلي بقسم التاريخ جامعة تلمسان، في دراسة بعنوان “شهيد الجبل الأزرق مصطفى بن بولعيد، 1916-1956″، نشرت في العدد الـ15 من مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية، أن الشهيد، كانت تبدو عليه ملامح الذكاء والرزانة والهدوء والإتزان والصرامة على شخصه مما أهله ليقود رفاقه في بعض المواقف ويفصل النزاعات بينهم.
ويضيف عثماني: “نشط بن بولعيد في جمع السلاح وتكوين خلايا داخل وخارج التراب الوطني ظلت تنشط في نقل السلاح في سرية تامة من ليبيا وتونس إلى الأوراس الى أن جمع ترسانة من الأسلحة في مستودع قرية الحجاج وبها كانت الإنطلاقة الأولى للثورة، جمع بين النشاط الإجتماعي في النوادي والجمعيات الدينية والنشاط السياسي والعسكري”.
جلب الأسلحة من وادي سوف
وتؤكد مصادر تاريخية أن بن بولعيد، كان من المتحمسين للثورة منذ كان مناضلا، فكر في مصادر لجلب الأسلحة وطرق الحصول عليها، وفي العناصر التي تتولى هذه المهمة الخطيرة وفي طرق تخزينها وحفظها من التلف، بعيدا عن أعين الإدارة الإستعمارية، إضافة إلى “تشجيع المناضلين والمواطنين المخلصين على إقتناء الأسلحة العسكرية، فتهافت المناضلون في جلب هذه الأسلحة وقد راحت قوافل من الجمال والبغال تنقل السلاح في سرية تامة من غدامس الى وادي سوف، إلى صحراء أولاد عمر، بزريبة الوادي ومنها منطقة أريس، مركز نشاط بن بولعيد، حيث أماكن التخزين مستودع الأسلحة عن طريق تاجموت وكيمل، تضيف مصادر تاريخية.
وفي هذا الصدد، يبرز الإعلامي والمؤرخ محمد عباس، أن بن بولعيد اشترى كمية أسلحة بأمواله الخاصة بواسطة المناضلين محمد عصامي، وعبد الله لعمودي، خلال سنتني 1948و1949، حيث كان بن بولعيد، يتولى بنفسه الإشراف على تخزين ومراقبة وتبديل أماكن هذه الأسلحة عند الضرورة وحفظها في أماكن معزولة لا يعلمها إلا هو وقلة من الرجال الثقات المخلصين ممن تشبعوا بالقيم الوطنية ولديهم القدرة الكافية على ضبط النفس وكتمان السر.
وبحسب شهادة محمد عباس، نشاط الشهيد برز في اجتماع مجموعة الـ22 الذي انعقد في منزل إلياس دريش، بحي المدنية الجزائر يوم 24جوان 1954، وهو إجتماع تقرر فيه تفجير الثورة المسلحة، حيث أسندت الى بن بولعيد، رئاسة هذا الإجتماع التاريخي.
ويوضح المؤرخ “أن بن بولعيد، أشرف على سلسلة من الإجتماعات التحضيرية بمنطقة الأوراس، حيث حرص من خلالها على إختيار الرجال المتمرسين على الشدائد وركوب المخاطر وتنفيذ المهام التي تسند إليهم، حيث خصص فترة جوان حتى نهاية أوت 1954، لتدريب مجموعات من الأفواج تدريبا عسكريا مع إجراء التمرينات على حرب العصابات والمراقبة الليلية”.
ويقول الباحث الطاهر جبلي: “الشهيد بن بولعيد، الرجل المتميز واحد من الرواد الوطنيين النشطاء، الذين أمنوا بعقم الكفاح السياسي ومن ثلة الأولين الذين قادوا المشروع الثوري وأخلطوا الأوراق في ماتنيون، هو ذلك الرجل الذي شاءت له الأقدار في الفترة القصيرة من عمر الثورة أن يقتسم فيها حياته بين السجن والجبل بالقدر نفسه، استثمر ثروته الشخصية لخدمة الثورة”.
ولد الشهيد في قرية إينكرب، قرب أريس بالأوراس في 5 فيفري 1917، ترعرع في أحضان أبويه مع أخيه الأكبر عمر وخمس أخوات ثلاث شقيقات إثنتان من أبيه، كان بن بولعيد، الإبن ما قبل الأخير في العائلة المتكونة من سبعة أبناء.
حفظ القرآن الكريم على أيدي شيوخ قريته، منهم الشيخ محمد بن ترسيه، درس في باتنة وحصل على الشهادة الإبتدائية العليا باللغتين العربية و الفرنسية، بقي سنتين قبل العودة إلى أريس. لكن والده أوقفه عن الدراسة خشية أن يتأثر ابنه بالثقافة الأجنبية.
انخرط بن بولعيد، في نادي الإتحاد بأريس الذي يرأسه الشيخ الأمير صالحي، وكان الشهيد كثير التردد في طلب العلم والمعرفة على نادي الشعبية الأوراسية “الأحباب”، التي ترأسها الشيخ عمر دردور في الثلاثنيات.
بعد وفاة والده في 1935، خلف الشهيد والده في مهنة التجارة وأنشأ شركة لنقل المسافرين على الطريق الرابط بين أريس وباتنة في 1944، وقد سمح له نشاطه الحرفي بنمو ثروته الشخصية، ففي 1952، أصبح يملك مزرعة مساحتها 93 هكتار لزراعة الحبوب وملكية فلاحية في منطقة فم الطوب، ومعصرة في العفراء، ومنزلا ومستودعا بأريس وأصبح رئيس تعاونية تجار الأقمشة في الأوراس، بحسب مصادر تاريخية.
يقول الدكتور جبلي، استنادا لشهادة جون موريزو، الذي إلتقى بمصطفى بن بولعيد في 1941، في أريس بأن الشهيد كان خجولا وغامضا وظريفا جدا وشريفا، وقد استطاع خلال مزاولته لنشاطه التجاري ان ينشأ صداقة مع جميع الدواوير.
ويضيف الباحث: ” في 1939، تمت تعبئته للتجنيد الإجباري، حيث شارك أثناء الحرب العالمية الثانية في صفوف الجيش الفرنسي، لكنه أعفي بعد إصابته بجروح ليعود مجددا الى الثكنة بمدينة خنشلة في 1942″. ويشير: ” أثناء وجوده في الثكنة أتهم بتحريض الشباب المجند من الجزائريين بالجيش الفرنسي على رفض بعض الأوامر وقيامه بحركة تمرد على قيادة الجيش فسجن بالسجن العسكري بقالمة، الى ان أطلق سراحه وتسريحه من الخدمة العسكرية، فعاد بن بولعيد، الى الحياة المدنية بعد ان حاز على رتبة مساعد ومدالية عسكرية وصليب الحرب، وفي 1942، تزوج وأنجب ستة أبناء وبنتا واحدة”.
تكوين وعيه السياسي
ويقول الباحث أيضا: “في هذه البيئة المتميزة، التي نشأ فيها مصطفى بن بولعيد، والتي تميزت بظهور الوعي السياسي وبروز الأفكار الوطنية، التي انتشرت في منطقة الأوراس بسبب العدد المتزايد للشباب الذين هاجروا الى فرنسا، إضافة إلى دور العلماء في الإصلاح الإجتماعي وطبيعة المنطقة الأوراسية المعروفة بالتمرد والرفض لأي دخيل برز الوعي السياسي لدى الشهيد ليكون ذلك بداية لدخوله معترك الحياة السياسية.”
ويبرز الباحث “أن منطقة الأوراس، عرفت نشاطا سياسيا كبيرا بعد تأسيس أول تنظيم سياسي في أريس، على يد محي الدين بكوش، المعروفة في عنابة بولد الصادق الأمين، الذي اعتقلته السلطات الفرنسية وأبعدته من عنابة الى أريس، ويعتبر هذا التنظيم السياسي النواة الأولى للحركة السياسية في منطقة الأوراس، يضيف الباحث.
“ضم هذا التنظيم أربعة مناضلين هم مختاري الصالح، أسمايحي أزراري، بعزي لخضر، قربازي لخضر، واتسع هذا النظام مما اقتضى تعيين مسؤولي القسمات ومن بين هؤلاء المسؤولين مسعود بلعقون، الذي عين على قسمة أريس”.
ويؤكد الدكتور عثماني “أن الشهيد بن بولعيد، انخرط في الحياة السياسية على يد المناضل الحاج أزراري أسمايحي. وفي 1944 عين على رأس قائمة أحباب البيان في الأوراس، التي لم تكن سوى تجمعا لجميع تيارات الحركة الوطنية ماعدا الحزب الشيوعي وعندما علم بحقيقة مؤامرة الإدارة الفرنسية في 8 ماي 1945، قام بإلغاء الإحتفالات المقررة بأريس واختار المحافظة على صمعة المنظمة والمناضلين.”
تأسيس نظام سري..
وتشير مصادر تاريخية إلى مجازر الثامن ماي 1945، التي عرفتها مدن الشرق الجزائري سطيف، قالمة، وخراطة، والتي راح ضحيتها 45 ألف شهيدا كانت سببا مباشرا في إختيار نظام سري والتحضير للعمل المسلح، والذي تأسس في منطقة الأوراس في 1947 بقيادة مصطفى بن بولعيد.
“بين سنوات 1945-1948، إلتحق حوالي 50 مناضلا بالجبال وتولى بن بولعيد، هيكلتهم في الأوراس وبن بلة في وهران، وقد ظهر الدور الذي أداه بن بولعيد في هذه الفترة بحكم علاقته مع قيادة حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية في إشرافه على تنظيم سياسي محلي، تؤكد شهادات المؤرخين.
ويشير جل الباحثين إلى تقرير للدرك الفرنسي بباتنة بتاريخ 27 جوان 1947، الذي تحدث عن شراء بن بولعيد أسلحة لكن المصالح الخاصة لم تكن لديها أدلة قطعية على ذلك.
ترشح بن بولعيد، للإنتخابات النيابية بتاريخ 04 أفريل 1948، وفاز بالمجلس الجزائري، بـ10الاف صوت لكن ادارة البلدية المختلطة بالأوراس ألغت النتيجة وعينت مكانه القاضي عبد القادر من الموالين للإدارة الإستعمارية، وكُشفت ألاعيب الإدارة الإستعمارية وخداعها.
أسندت للشهيد، مهمة إيواء إطارات المنظمة السرية المطاردين من قبل الشرطة الفرنسية، حيث كان يسافر بانتظام الى الجزائر، قسنطينة، باريس، سويسرا، بلجيكا، تونس وليبيا في مهام نظامية تطبعها السرية التامة احيانا.
وبعد اكتشاف المنظمة الخاصة من طرف المصالح الفرنسية في 1950، أوقف بن بولعيد بعد عمليات المتابعة، التي شنتها الشرطة الفرنسية ضد أعضاء المنظمة لكنه هرب من سجن عنابة في 1952، رفقة زيغود يوسف، وفي 23 فيفري 1954.
زار بن بولعيد، زعيم الحركة الوطنية مصالي الحاج، في منفاه بنيور في فرنسا من أجل الحصول على موافقته أو إعطاء إشارة للعمل المسلح ودامت المحادثات ثلاثة أيام لكن دون جدوى لأن زعيم الحزب اعتبر أن الوقت لم يحن بعد.
وفي هذا الصدد، تؤكد شهادة الباحث عثماني أن بن بولعيد، هاجر الى فرنسا وعاش عيشة العمال البسطاء وسط أحياء قصديرية في مدينة فليري، بين المهاجرين، أين اطلع خلالها على ظروف عيشهم السيئة واختير ممثلا نقابيا للعمال فرافع دفاعا عن حق العمال في العيش الكريم، حيث دعي الى الخدمة العسكرية مرتين، حيث تلقى تكوينا عسكريا وتعلم فنون القتال.
لقاء الرائد فانسون بالشهيد
تؤكد دراسة أجراها البروفيسور بوعزة بوضرساية، مؤرخ وعميد جامعة برج بوعريريج بعنوان لقاء الرائد فانسون مونتاي، بالشهيد مصطفى بن بولعيد، عام 1955 من الاستنطاق إلى الإستجواب نشرت بمجلة الدراسات التاريخية العسكرية – المجلد الثاني، العدد الرابع – جويلية 2020، ان الشهيد مصطفى بن بولعيد أدى دورا رئيسيا في التحضير لإنتفاضة الأوراس، حيث ألقي عليه القبض بالقرب من بن قردان، بالأحواز التونسية.
ونُقل الشهيد بحراسة مشددة إلى تونس، قبل أن يُحول إلى سجن الكدية بقسنطينة.
في هذا الصدد، يقول المؤرخ: “كانت هذه الحادثة المفاجئة فرصة للرائد مونتاي، لم يكن ينتظرها لذلك طلب من مسؤوله الأول الحاكم العام الترخيص له لمقابلة بن بولعيد، واستجوابه في معتقله بالعاصمة التونسية تونس، بعد فشل الشرطة وجهاز الإستخبارات الفرنسية في استنطاقه، وبالتالي لم يتمكن من معرفة الحقيقة الكاملة عن مهمة مصطفى بن بولعيد، بتفاصيلها وكان تقريرها، الذي وجه للحكومة العامة في الجزائر عن ظروف وملابسات الإعتقال والإستنطاق دون المستوى ولم يأت بالنتيجة المنتظرة”.
ويؤكد بوضرساية: “قبل لقاء بن بولعيد، اطلع الرائد فانسون، على محضر الإستنطاق الذي قام به جهاز الإستخبارات والذي تضمن العديد من المعلومات، التي استفاد منها”.
ومما جاء في هذا المحضر ما يلي: “بن بولعيد، هو صاحب مطحنة في منطقة لامباز ويقطن آريس، متزوج وأب لسبعة أطفال وينتمي إلى أسرة شريفة من الأوراس، جند في خنشلة كقناص Algériens Tirailleur جزائري وشارك في الحرب العالمية الثانية في 1944 في جبهة إيطاليا وتحصل عىل رتبة رقيب Sergent مع شارة صليب الحرب والميدالية العسكرية”.
ويضيف المحضر: ” بعدها تولى بن بولعيد، خط النقل بين آريس وباتنة، إلا أن الإدارة كانت تخشى نشاطه الوطني لذلك سحبت منه رخصة النقل لتسلمها لأحد أعيان المنطقة كما كان بن بولعيد، ضمن اللجنة المركزية للحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية وانتخب ممثلا عنها في المجلس الجزائري عام 1948، لكن انتخابه ألغي، كما كان على صلة بأعضاء من الحزب الشيوعي الجزائري وعضو المنظمة الخاصة، شارك في 1950 بإحدى العمليات العسكرية سجن على إثرها لأشهر عديدة ولعب دورا في التحضير لانتفاضة في الأوراس في 1نوفمبر1954 وحتى أجهزة الإستخبارات لم تكن على علم بأنه هو قائد جبهة التحرير في المنطقة الأولى”.
ويقول التقرير أيضا: “كان بن بولعيد على استعداد للدخول إلى طرابلس ومنها إلى القاهرة لطلب الأسلحة من ممثلي الجبهة في الخارج، وأن يمر عن طريق قفصة، لكنه غير دليله للدخول إلى ليبيا عبر الطريق الجنوبي وأن المعلومات الواردة من تونس والجزائر على حد سواء هي التي كانت وراء اكتشافه في الحدود وعند إلقاء القبض عليه ادعى أنه مواطن ليبي، لكنه اعترف فيما بعد لمحافظ الشرطة وعضو جهاز الإستخبارات لونغ شومب Longchamp بهويته الجزائرية”.
ويشير التقرير الى “أنه عند إلقاء القبض على بن بولعيد، كان يحمل على ظهره حقيبة مملوءة بالأوراق والوثائق عليها رمز جيش التحرير الوطني ودفاتر خاصة أكدت أن أعضاء جبهة التحرير في الأوراس كان عددهم ثلاثمائة وتسع وخمسون عنصرا 359، (مجاهدا)، مع نقص في الرجال والأموال والسلاح والمعدات الخاصة بالإتصالات”. استنادا لما ورد في الدراسة.
يؤكد الدكتور بوضرساية في دراسته: ” هذه الملعومات، التي وردت في التقرير الخاص باستنطاق مصطفى بن بولعيد، من طرف الاستخبارات الفرنسية أنكرها الشهيد جملة وتفصيلا في لقائه بالرائد فانسون مونتاي، بتاريخ 16 فبراير 1955 وكان اللقاء في فيلا بضواحي العاصمة تونس تحت حماية رجال الإستخبارات الفرنسية وقد حاول بن بولعيد، في هذا اللقاء الثنائي مع مونتاي، التعتيم على هياكل جبهة وجيش التحرير وادعى أنه لم يحمل السلاح بتاتا وأنه ليس القائد الفعلي إنما هو مساعد للقائد الأعلى المدعو سي مسعود، ويشير التقرير النهائي كخلاصة للإستجوابين أن بن بولعيد، حاول تغليط الرائد مونتاي، ولم يعترف بكل التفاصيل على الرغم من أن مونتاي، تحدث مع بن بولعيد بالعربية واستعمل في حواره اللهجة الشاوية.”
ويضيف المؤرخ: ” أكد تقرير الشرطة أيضا أن الحوار بين الرجلين أخذ منحى آخر في المجال السياسي عكس المجال العسكري، حيث اتهم بن بولعيد، السلطات الفرنسية بتزوير الإنتخابات على عهد الحاكم العام السابق نايجلان Marcel Naegelen Edmond– كما عرض كل الأوضاع، التي يعاني منها الجزائريون جراء سياسة فرنسا النفسية والإجتماعية والسياسية، التي دفعت رجال مثله والمئات إلى الثورة وطرح بن بولعيد في نهاية محادثاته مع مونتاي، الخطوط العريضة لحل سياسي منطقي ومقبول من طرف الجميع بإمكانه تحقيق السلم على الأرض الجزائرية، التي يحبها الجميع”.
ويشير الأكاديمي: ” قد تأكد الرائد مونتاي من خلال تقرير الإستنطاق من صدق نوايا مصطفى بن بولعيد خاصة العبارة التي قالها له :” …لا أطلب شيئا يخصني شخصيا سيدي القائد فحياتي لا قيمة لها، أنا مستعد للإمضاء على أي تصريح أعترف فيه أنني أقبل بقتلي رميا بالرصاص إذا كان موتي ينقذ الجزائر…”.
يقول الباحث: “انتهى استجواب الرائد فانسون مونتاي، مع الشهيد مصطفى بن بولعيد بالتقرير التالي :” من خلال اعترافاته كثائر ومن خلال الوثائق المحجوزة، التي كانت بحوزته تظهر أن الوضع العسكري في الأوراس أقل خطورة، وليس كما يتصورونه في الجزائر و باريس وأن العلاقات بين جبهة التحرير في الداخل ومؤيديها ومدعميها في الخارج شبه مقطوعة حتى لا نقول معدومة، بالنسبة للوضع السياسي فهو على العكس تماما من الوضع العسكري، إنه خطير جدا وسوف يتطور مع الوقت إن لم نسارع إلى اتخاذ إجراءات وقرارات فورية من أجل إنقاذ الحاضر وتحضيرالمستقبل”.
ويضيف التقرير أيضا: ” لابد من بناء حوار مباشر ليس مع كل الشخصيات الممثلة للرأي العام للمسلمين فقط، إنما مع مختلف الوطنيين المسجونين منهم بن بولعيد، وآخرون حتى يتمكن الفرنسيون والجزائريون على حد سواء من كيفية معالجة الوضع معا وبأسرع وقت، ولعل أول إجراء يفرض نفسه هو التطبيق الحرفي للقانون الخاص بالحزائر لعام 1947، والذي تمت عرقلة تطبيقه إلى اليوم”. يضيف الرائد الفرنسي.
وقد كتب الرائد مونتاي، هذه الإقتراحات وقدمها بشكل رسمي للحاكم العام بتاريخ 22 فبراير 1955 حيث احتفظ لنفسه بنسخة من اقتراحاته جاءت بعنوان: ” من أجل حل سلمي للحركة الثورية في الأوراس”، يشير البروفيسور بوضرساية.
ألقي القبض على بن بولعيد، وحكم عليه بالمؤبد ثم بالإعدام، لكنه استطاع الفرار من السجن والإلتحاق بالثورة.
استشهد ليلة 22-23 نوفمبر 1956، بعد انفجار مذياع كان بصدد إصلاحه.