الأميرال العلج علي باشا، المدعو “الكلابري”، معروف أيضا لدى سكان الجزائر، في فترة الحكم العثماني، باسم محبب لجيه: “علي الفرطاس”حكم الجزائر ثلاث سنوات من مارس 1568 إلى أفريل 1571.
علي العلج كبير أميرالات الأسطول العثماني، كان عائدا من القسطنطينية، حيث قلده السلطان لقب سيف المؤمنين وهو أعلى تشريف، مكافأة له على سلوكه البطولي في المعركة البحرية الكبرى نهاية القرن الـ16 وهي معركة الإمبراطورية العثمانية ضد إسبانيا في شهر أكتوبر 1571.
نجح العلج في هذه المعركة في تخريب سفينة أميرال فرسان مالطا رمز المسيحية، والإستيلاء على رايتها وهي أكبر إهانة لدون جوان النمسا والبابا والضربة القاضية التي محت نصر القوات المسيحية.
حكم الجزائر بعدل وإنصاف مدة ثلاث سنوات من مارس 1568 إلى أفريل 1571، ما جعل سكان الجزائر والقبائل المجاورة تحبه وتقدره .
كان على الباشا يأتي لتعليق الرايات المسلوبة من فرسان مالطا فوق القنطرة الواقعة على أمتار من بابا مرزوق، كانت الزغاريد تنبعث من أسطح القصبة، كان صف من الإنكشارية يشكل تشكيلة شرفية وكانت الزرنة تدوي فرحا تمجيدا للبحرية الجزائرية.
وأعلنت دقات الطبول وصول العلج علي مصحوبا بكبار نبلاء الديوان وأربعة من أصلب الإنكشارية، يحملون خشبة دائرية وضعوها عند قدميه، فصعد عليها وحمل على أكتافهم وهو ما جعل الباشا على إرتفاع قوس القنطرة وأطلقت 12 طلقة مدفع غطتها تصفيقات حارة وزغاريد تعالت من الأسطح.
كان القناصل الأجانب المقيمون في الجزائر حاضرين، مذهولين غير مصدقين أعينهم، وعند نهاية المراسم انفصل العلج علي باشا عن المجموعة ليتجه وحده نحو بابا مرزوق المنصب عند طرف الرصيف.
قال العلج وهو يداعب المدفع الأسطوري: “هو ذا يا صديقي، أنت تدافع عن الجزائر بشراسة في غيابنا وبفضلك استطعنا أن نشارك في معركة ليبانت، حيث أمكنني أخذ رايات أعداء الإسلام، إن رموزهم معلقة على بعد خطوات منك قبالة المدينة كي يراها الجميع، يمكن القناصل الآن إفشاء الخبر فهذه الرايات قد باتت تحت حمايتك”.
عند تعيين العلج تبناه سكان الجزائر المقرون بفضله حتى سموه الكالابريه أو علي الفرطاس نسبة إلى صلعته، هذه الكنية دليل على الحظوة التي كانت له عند سكان الجزائر الذين اشتهروا منذ ذلك الوقت بمنح الشخصيات العامة ألقابا لم تكن دائما مطرية تعبيرا في الغالب عن المحبة والتبني.
ولم يندموا على ذلك، إذ أن الكالابريه الصغير الذي خفي إسمه في ظلام السرية سيصبح من أبرع الرياس منذ خير الدين وصالح رايس، وقد حقق نجاحا ومجدا إلى جانب حسن باشا ابن خير الدين الذي أصبح ذراعه الأيمن الرئيس.
أثناء حصار مالطا سنة 1565 عين مكان دراغية الشهير أميرال البحرية العثمانية المتوفى في تلك المعركة، ليخلفه على رأس مملكة طرابلس ، حيث عرف الثروة والمجد وقد عين أيضا باشا على الجزائر سنة 1568.
خاض العلج ضد الإسبان معركة فطردهم من تونس ولاغولات، و في سنة 1571 دخل الأسطورة بمشاركته في معركة ليبانت ضد الأساطيل المسيحية التي كان يقودها دون جوان النمسا ، قد انضم على رأس أسطول من 250 سفينة جزائرية للأسطول التركي الذي كان يقوده الأميرال بيالي وسنجاق طرابلس ان صالح رايس.
كان الأسطول الجزائري يضم الرايس مامي أرنوت وأخاه حسن فنزيانو واخرين، كان العلج علي يقود الجناح الأيسر وبيالي الأوسط ومحمد باشا ابن صالح رايس، الجناح الأيمن ومن جانب العدو في معسكر الحلف المقدس، كان دون جوان النمسا يحتل الوسط والأميرال دوريا الجناج الأيمن وأميرال بندقي الجناح الأيسر، بينما كانت مراكب فرسان مالطا في الإحتياط على الجوانب.
المخطط الاستراتيجي
بدأت المعركة يوم الأحد 7 أكتوبر 1571 ودامت يومين، وانفصلت التشكيلات منذ بداية المعارك وإختلط الحابل بالنابل، كانت السفن تصد على بعضها البعض خطوط الرمي جاعلة بذلك أي عمل منسق مستحيلا.
وتواصلت المواجهات العنيفة ، ولما رأى العلج سفينة أميرال فرسان مالطا أمر بالهجوم عليه وتمكن من إيقاف رمز فرسان مالطا وإضرام النيران فيه.
لم يتأخر علي العلج في أمر رجاله بأخذ رايات الفرسان البواسل، وحين علم العلج بأن الأميرال بيالي قائد الأسطول العثماني مات في المعركة أمر بالإنسحاب نحو عرض البحر منقذا بذلك القسم الأكبر من الأسطولين التركي والجزائري.
عمله في ليبانت جعله بطل المرحلة فدعاه السلطان سليم الثاني نفسه إلى القسطنطينية ومنحه لقب سيف المؤمنين، ورقاه مكان بيالي باشا بصفته أميرال الأسطول العثماني محتفظا له بلقب بايلرباي الجزائر وهو أمر نادر.
حين وصل العلج الجزائر استقبل بحفاوة كبيرة، فعلق رايات فرسان مالطا فوق باب الدزيرة حتى يراها جميع القناصل وسفن الأعداء مخلدا بذلك الهزيمة التي ألحقها بالمسيحيين والبابا بي الخامس.
عند مدخل الجنينية كان حشد هائج ينتظر لمشاهدة وصول البطل الذي استقبله الأغا والإنكشارية.
وقد أهدي جودادا رائعا محلى بركاب من ذهب ولجام مرصع بالأحجار الكريمة وبرنسا أبيض ودخل إلى قلب القصر على تلك الصفة.
لقد حارب دون هوادة في فارس وعلى حدود جيورجيا ولم يتخل العلج قط عن فكرة توحيد شمال إفريقيا في باشاليك واحد (حكومة مركزية).
وأثناء إقامته بالجزائر طلبت مرابطة مقام سيدي هلال الواقع بالقصبة السفلى مقابلته لتسلمه عصيين من الخيزران مفرغتين تحتويان على أندزها الولي نفسه، الذي كان بحارا كبيرا ورحالة (مقام سيدي هلال هو الوحيد الذي تديره إمرأة مرابطة بالجزائر).
سيد البحرية العثمانية
حينما نظر إليهما العلج فهم على الفور أن الأمر تعلق برسم يربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر فعرض الرسوم على مهندسين في القسنطنطينية وجسدهما مع تحديثهما، وأعلم السلطان بأمرهما باذلا كل قوة إقناعه وحجته في بيان مزاياهما المتمثلة في حفر قناة تربط البحرين الأبيض بالأحمر.
غادر الجزائر ووضع نفسه في خدمة الأسطول التركي في حملاته، تاركا كنائب له ملازمه الرايس مامي قورصو دون أن يثير غيابه أي إضطراب أو ثورة في البايلك.
عين العلج قبطانا باشا سنة 1572 وكان السيد المطلق للبحرية العثمانية وحامل السلطة العليا على السواحل والقواعد البحرية للإمبراطورية ومن بين جميع القباطين باشا الذين سبقوه.
يروى أنه حينما كان يتعرض لوساوس الحزن من الذكريات الأليمة لشبابه التي قضاها في كالابريا، والسنوات الأربع عشرة من العذاب والمعاناة كان يميل إلى إرتداء الأسود ، ويركن إلى سكون كئيب لا يسع أحدا أن يخرجه منه.
وعندما يرتدي اللون الفاتح يكون إشارة واضحة على عودته إلى السخاء والكرم الذين عرف بهما مزاجه وطيبته الأسطورية.
توفي علي العلج يوم 27 جوان 1587 مفعما بالثروة والتشريفات ، ودفن بمسجد بناه على ساحل البحر الأسود غير بعيد عن القسطنطينية