منطقة تكسلانت بأعالي نقاوس بالأوراس الشامخة، تروي قصة أخرى من ويلات المستدمر الفرنسي.
مغارة أو كهف بن شطوح بجبال تكسلانت أوى إليه سكان المنطقة ومناضلين هروبا من قصف ووحشية القوات الإستعمارية التي طاردتهم بالطائرات، ظانا منهم أنهم سينجون، لكن حقد المستعمر كان لهم بالمرصاد ولم يسلموا.
الجريمة أرخت في أغنية بالشاوية
ألقت فرنسا أسلحة كيمياوية محرمة دوليا على هؤلاء الأبرياء العزل ليموتوا خنقا داخل الكهف، الذي بقي شاهدا على بشاعة الجريمة النكراء حين تم انتشال بعض الجثث، أجساد وملابس الشهداء بقيت كما هي وكأنهم استشهدوا اللحظة، وعثر على بقية الجثث بعد الإستقلال.
محطة أخرى من محطاتنا التاريخية التي لم تدون بعد من قبل المؤرخين، وتم إغفالها تستحق أن تكتب بقلم من ذهب ليعرف جيل اليوم ما عاناه أجدادهم، علما أن تفاصيل الجريمة النكراء أو بالأحرى المحرقة أرّخت في أغنية باللغة الشاوية كانت ترددها النسوة، لكن المؤرخين لم يدونوها في الذاكرة الجماعية.
للأسف منطقة تكسلانت التي زرناها تعاني التهميش وغياب التنمية المحلية بها، رغم ما قدمته من قوافل من الشهداء الذين ارتوت بهم أرض الجزائر الطاهرة ، ما دفع محدثنا يقول بنبرة غضب، «أليس لنا حق في هذه البلاد، ألسنا جزائريون».
شاهد على بشاعة الإستعمار
العباسي عمر الذي كان عمره عشر سنوات آنذاك، يروي تفاصيل المجزرة التي وقعت في 14 من شهر رمضان ما بين 21 و22 مارس 1959، قائلا لـ «ذاكرة الشعب» :»هذا المكان يشهد على هذه الكارثة، إنه يوم مشؤوم، وللأسف لا أحد يتكلم عنها همشت المنطقة».
ويضيف أن فرنسا استعملت أخطر سلاح كيمياوي في تاريخ البشرية، ألقته بمغارة بن شطوح، راح ضحيتها 118 فرد لقوا حذفهم، حتى الضريح لم يسلم من القصف، و أن أغلب الذين شاهدوا المجزرة من بدايتها إلى نهايتها ماتوا و بقي شخص واحد عمره 90 سنة، لكن ذاكرته ضعيفة لأنه أصيب بالغاز الكيمياوي، ويصف ما حدث في تلك الليلة بأشبه بيوم القيامة.
هذه المغارة لها تاريخ عظيم، استهدف الجيش الفرنسي فيها المجاهدين، ومن كانوا يخيطون لهم الألبسة، وقد تمت بوشاية يجهل صاحبها، ففي حدود الساعة الثانية بعد الزوال تم قصف المغارة بالطيران والبازوكا، بحيث كان بداخلها أكثر من 140 شخصا خرج منهم في تلك الليلة حوالي 100 شخص، والباقي رفض الخروج فقرر الجيش الفرنسي استخدام السلاح الفتاك وفيه ثلاثة أنواع، النوع الأبيض والأسود والأصفر وأخطرها النوع الأحمر، بحسب ما روى له شقيقه الذي ما يزال على قيد الحياة.
في الصباح، بقي من الضحايا حيا حوالي 30 فردا ، قتل 118 شخصا، أغلبيتهم رجال أما النساء فكانت معهم ممرضة، تم انتشال جثتها من طرف الجيش الوطني الشعبي والدرك سنة 1976، وجدت بنفس لباسها ويدها مرفوعة تلقي الشهادة، وكأنها توفيت اللحظة، صبيحة المجزرة هو يوم مشؤوم على المنطقة، الرجال لم يبقوا، إلا النساء والأطفال فقد أفرغت القرية من رجالها، ظل سكان منطقة تكسلانت طيلة النهار ينتشلون الجثث.
يقول العباسي وهو يستذكر هذا الفصل الدموي الشنيع من جرائم الإستعمار الفرنسي التي خلفت معاقين، من بينهم شقيق المتحدث بدموع حارقة، لأنه كان آنذاك طفلا ذي العشر سنوات.
حسب ما رواه له شقيقه أنه حين جاء الضابط الفرنسي تعرف عليه أحد المناضلين يدعى فريك أعمر الذي شارك معه في حرب الهند الصينية، وسأله قائلا:» لماذا تفعلون هذا بشعبنا الأعزل، كما هو معلوم لدي إن ثقافة الجيش الفرنسي هي حماية الشعب وليس قتله»، فرد عليه الضابط : «إنكم مسؤولون عن هذه الوضعية، والآن قد فات الأوان».
الكارثة كانت في 14 من شهر رمضان من سنة 1959، فطلب الناجون الماء لأنهم عطشى وأمر الضابط الفرنسي جنوده بإعطائهم السيجارة، ومن يرفض يقتل، وبالفعل تم قتل أحد المواطنين الذي رفض التدخين، و بعد المغرب توجهت التعزيزات العسكرية بأكثر من 50 شاحنة وأكثر من40 دبابة والطيران نحو المنطقة، وعند بلوغ خبر المجزرة لمسامع المجاهدين قاموا بنصب كمين لشاحنات العدو بمنحدر نقاوس، ولم يتركوا الشعب يصعد لمشاهدة الضحايا نظرا لبشاعة المنظر .
المحرقة خلفت 56 أرملة و150 يتيما
لخضاري أحمد بن محمد ابن شهيد يقول بحرقة : «إن المجزرة التي تعد جريمة في حق الإنسانية خلفت 56 أرملة و150 يتيما ومن لم يمت أخذ إلى عين توتة وقتلوا برميهم من أعلى سفح الجبل، من بينهم والد لخضاري كان في المغارة رفقة الضحايا.
خرج في الصباح امتثالا لأمر الضابط الفرنسي ظانا أنه سينجو، لكنه أقتيد مع 3 مناضلين إلى سجن بعين توته لمدة ستة أشهر، بسبب أنه كان يحمل وثائق تثبت نشاطه مع جبهة التحرير الوطني، أين تعرض لأبشع أنواع التعذيب، بعدها تم رميهم من فوق الكهف في المكان المسمى جبل رفاعة.
وحسب المتحدث فقد شهدت المنطقة معارك كبيرة، منها معركة عمر داود بتاريخ 28 أفريل 1956، معركتا سي نعمان وحمومة استشهد فيها سبعون شخصا، بحيث أن الجيش الفرنسي لم يترك جبل أوشطوح حتى الإستقلال.»
مجزرة دموية لم يدونها المؤرخون
المجاهد الشيخ مخلوفي موسى بن سعيد: المولود سنة 1936 روى لنا أنه كان فدائيا يقوم بالإتصال وعمره 18 سنة وذلك عام 1954، عمل بالناحية الأولى، القسمة الرابعة بالمكان المسمى تارشوين بنقاوس، شارك في معركة رأس الكهف بتارشوين حوالي أربعين شخصا استشهد في تلك المعركة، إضافة إلى قتل الشعب انتقاما من المجاهدين،و قامت معارك منها عبد الله بوسماحة، محمود دعاس، مركز في رفاعة.
ويضيف مخلوفي، أن المجاهدين كانوا ينتقلون من منطقة لأخرى ويسيرون ليلا، وأحيانا في النهار عندما تأتيهم رسالة من قيادة الثورة بالتحرك نحو الجهة المطلوبة، حيث كانوا يأخذون المجاهدين الجرحى إلى مركز أو مستشفى أنشئ بالجبال منها مركز موسى بن قاسم بالقلعة، ومستشفى آخر في منطقة الشعابنة وبريش، لكن للأسف تم اكتشاف تلك المراكز وتدميرها.
أربع أفراد من عائلة الشيخ مخلوفي استشهدوا في معركة سي نعمان، وثلاثة أفراد في كهف أوشطوح ، وهم مخلوفي عمار وصالح وسرتاني حميدة، و تعرض محدثنا للتعذيب بسجن بريكة بعدما ألقي القبض عليه و بقي هناك قرابة ثلاثة أشهر.
ومن تلك اللحظة قرر عمي مخلوفي القيام بكل ما في وسعه كي لا يلقي القبض عليه مرة أخرى، بسبب ما تعرض له من تعذيب وحشي بالسجن، وبالفعل نجا من مطاردات العدو إلى غاية الإستقلال وهو دائما ينشط في العمليات الفدائية، ويؤكد أن منطقة ترشاوين كلها كانت تضم فدائيين وأن كل من لا ينضم للثورة معناه أنه ضدها ويحكم عليه بالإعدام.