محمد بن شنب (1869-1929) من كبار علماء الجزائر ومفكريها، تميز بإطلاعه الواسع على العديد من اللغات والثقافات ورقي فكره وثقافته.
كان صورة للأديب العربي المسلم الذي عرف كيف يطلع على الأساليب الأوروبية في العمل من غير أن يفقد شيئا من مقومات هويته ومكونات شخصيته. حافظ على التقاليد العربية وحرص على ارتداء اللباس الوطني والظهور به في المحافل العربية والأوروبية.
أول جزائري حاصل على الدكتوراه
فاق إنتاجه المعرفي الخمسين كتابا في فنون متعددة تراوحت بين التأليف والتحقيق والتنقيح والتصحيح، إلى جانب تحكمه الدقيق في الأدوات المنهجية.
جلس إلى كبار المستشرقين محاورا ومناظرا، ساهم في خدمة التراث الجزائري واستعمل علمه ومنهجه ورؤيته لتسليط الضوء على الاثار والتراث ووضعه موضع الإفتخار والإعتزاز.
قال عنه الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس عندما علم بوفاته: “إننا عندما عرفناه فقدناه”، لأن بن باديس كان يثري صفحات مجلة الشهاب الباديسية بمقالاته وفكره القيم.
وقال عنه الشيخ البشير الإبراهيمي: “فقدنا بفقده ركنا من أركان العلم الصحيح و علما في أعلام التاريخ الصحيح”.
وقال الشيخ عبد الحليم بن سماية: “ما علمت في حياتي كلها معلما يرجع إلى تلميذه غيري و إنني معترف له بالفضل و النبوغ.”
وقال أحمد راسم: “لقد كان معجما لغويا يمشي على وجه الأرض”.
وقال عنه عميد كلية الأداب، م. ماريتينو: “إن كان بن أبي شنب قليل النظير في الجزائر فهو عديم المثال في فرنسا… وكانت حياته مما يضرب بها الأمثال لدى الحكومة الفرنسية.”
وقال عنه المستشرق الفرنسي ألفريد: “كان ابن أبي شنب مخلصا لدينه متمسكا بلباسه التقليدي، ولكي لا يتنكر لتقاليده الإسلامية لم ير من الواجب أخذ الجنسية الفرنسية مما يجبره على التخلي عن الشرائع الإسلامية وعن منزلته الشخصية”.
وصفه البروفيسور مصطفى شريف، في المؤتمر الدولي الذي نظمته ولاية المدية عام 2014 بعنوان: “محمد ابن شنب والإستشراق”: أنه رجل الأدب الجزائري الأول الذي مارس حوار الثقافات، متشبع بثقافة الكرامة الجزائرية منذ ملحمة الأمير عبد القادر وأقرانه من النوابغ الذين يزخر بهم التراث الجزائري والإسلامي.
حاور ابن شنب أكبر المثقفين الغربيين والعرب المعاصرين له، واجه النظرة المشوهة والعنصرية والإستعمارية التي كانت لدى عدد من المستشرقين بخصوص الجزائر والدول الإسلامية، أكد على حقيقة أن الجزائر ومنطقة المغرب تنتميان لحضارة عريقة وتعتبر ملتقى للحضارات.
أظهر للنخبة الذين عاصروه من دول حوض البحر الأبيض المتوسط أن المسلمين سباقون في الحوار الحضاري ووضع الأسس العلمية والمناهج التعليمية.
جعل ابن شنب التعليم مفتاح التنمية البشرية والتقارب بين الشعوب، اهتم منذ صغره بنقل المعارف وناظر المستشرقين في ذلك، خط بقلمه مؤلفا يعلق فيه على فكر الفيلسوف الغزالي بخصوص تعليم الناشئة.
ويشير البروفيسور شريف إلى أن عبقرية ابن شنب تتمثل في ترحاله بين اللغات والثقافات والمعارف، فلم يكتف بلسان عربي فصيح بل كان موسوعة لغات ألم بالكثير منها وهي الفرنسية،اللاتنينة،الإغريقية،العبرية،الإنجليزية،الإسبانية،الألمانية،التركية والفارسية.
الجمع بين الهوية الجزائرية والعالمية
كان هدفه الجمع بين الهوية الجزائرية والعالمية، صار من أعلام الباحثين والأكاديميين في العالم أجمع، كان متعدد التخصصات يجمع بين مجالات شتى باحثا في الليسانيات، مؤرخا، عالم اجتماع، فيلسوفا، رجل قانون وباحثا في الدين، أديبا، شاعرا، ومربيا، كان يمثل الثقافة العالمية بكل أبعادها.
أبهر ابن شنب الحاضرين في المؤتمر الدولي الرابع عشر للمستشرقين في 1905 بالجزائر بعلمه الموسوعي وفي 1920 صار عضوا بأكاديمية دمشق، كان جسرا بين الثقافة الوطنية والغربية وحظي بإحترام كبار المستشرقين أمثال البروفيسور روني باسي René Basset، جورج مارسي Marçais Georges وميكال أسين بالاسيوس Miguel Asin Palacios.
في 1928 قدم آخر أعماله في مؤتمر المستشرقين بأكسفورد في بريطانيا العظمى منها “الأمثال العربية في الجزائر والمغرب العربي”، والذي أظهر فيه العبقرية الشعبية.
ترك ابن أبي شنب بحوثا كثيرة منشورة في الدوريات العلمية الرصينة الشرقية والغربية، وعددا كبيرا من المصنفات المختلفة والمفيدة في الدراسة الأدبية والتحقيق والفهرسة والبحث الميداني باللغتين العربية والفرنسية.
من مصنفاته المطبوعة كتب «تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب» في 1906، وكتاب «أبو دلامة وشعره» وهو أطروحته لنيل شهادة الدكتوراة سنة 1924، «ما أخذه دانتي من أصول إسلامية» مطبوع بالفرنسية، «الأمثال العامية الدارجة في المغرب»، ثلاثة أجزاء في 1907، «الألفاظ التركية والفارسية الباقية في اللهجة الجزائرية»، وكتاب «طبقات علماء إفريقية لأبي ذر الخشني » ترجم للفرنسية في 1915، “الألفاظ الطليانية الدخيلة في لغة عامة الجزائر” (لم يطبع).
إضافة إلى كتب “خرائد العقود في فرائد العقود سنة 1909، فهرست الكتب المخطوطة في خزانة الجامع الأعظم في الجزائر صدر في نفس السنة، “الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية في1920.
أخرج شرحا لنظم مثلثات قطرب، وشرحا لكتب «جمل الزجاجي»، و «عنوان الدراية في علماء بجاية» للغبريني، «نزهة الأنظار» للورثيلاني، «البستان في ذكر الأولياء وعلماء تلمسان لإبن مريم التلمساني في1908»، وصايا الملوك وأبناء الملوك من أولاد الملك قحطان ابن هود النبي مع تعليقات عليه، وشرح ديوان عروة بن الورد لإبن السكيت في 1926.