يشكل عيد النصر، الذي تحتفي به الجزائر في 19 مارس من كل سنة، محطة هامة من تاريخ ثورة أول نوفمبر المجيدة، توجت تضحيات أجيال متعاقبة من أبناء الشعب الجزائري من أجل استرجاع السيادة الوطنية، طوال 132 سنة من الاحتلال الفرنسي.
كما يأتي الاحتفال بهذه المناسبة تخليدا، لوقف إطلاق النار, الذي أعقب التوقيع على اتفاقيات إيفيان في 18 مارس 1962 بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية والادارة الاستعمارية, بعد سلسلة عسيرة وشاقة من المفاوضات بدأت بأول اتصال سنة 1956 لتنطلق في يونيو 1960, غير أنه لم يكتب لها النجاح بسبب سعي الطرف الفرنسي لفرض شروطه.
وفي يوم 11 ديسمبر 1960، دفعت المظاهرات الشعبية التي شهدتها الجزائر الجمعية العامة للأمم المتحدة الى إدراج القضية الجزائرية ضمن جدول أعمالها, حيث وجد الطرف الفرنسي نفسه مضطرا تحت الضغط الدولي للجلوس مجددا الى طاولة التفاوض، لتستمر المفاوضات بداية من سنة 1961 الى غاية الإعلان عن وقف اطلاق النار والتوقيع على الاتفاقيات يوم 18 مارس 1962، قبل اجراء الاستفتاء حول تقرير المصير يوم الفاتح يوليو 1962 ثم إعلان تاريخ الخامس يوليو عيدا للاستقلال.
وخلال تلك المفاوضات، خط الوفد الجزائري، برئاسة المجاهد المرحوم, كريم بلقاسم صفحة منيرة في النضال الدبلوماسي والثبات على المواقف من خلال تمسكه الشديد بوحدة التراب الوطني و رفضه كل أطروحات الطرف الفرنسي التي كانت تستهدف وحدة التراب الوطني لاسيما مسألة فصل الصحراء.
وبهذا الخصوص، أكد عضو الوفد الجزائري في المفاوضات، المجاهد المرحوم رضا مالك، أن الاتفاقيات اقتبست بشكل “كامل” المبادئ الاساسية المتضمنة في بيان أول نوفمبر 1954 سيما ما تعلق بالسلامة الترابية و وحدة الشعب الجزائري والاستقلال الوطني.
وعلاوة على الجانب الرمزي والتاريخي, يأتي إحياء هذه المناسبة منسجما ومتناغما مع مجهودات الدولة في الحفاظ على الذاكرة الوطنية وسعيها الحثيث من أجل تسليط الضوء على تاريخ البلاد وتدوين بطولات صانعي أمجاد الجزائر, وفاء لتضحيات الشهداء والمجاهدين من جهة و من جهة أخرى ضمان تنشئة جيل متشبع وفخور بمآثر ثورة لازالت إلى اليوم علامة فارقة في تاريخ الانسانية في سبيل التحرر والانعتاق من الاستعمار وحق تقرير المصير.
الرئيس تبون: الاهتمام بالذاكرة “واجب وطني لا يقبل أي مساومة
و في هذا الشأن, أكد رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, مباشرة بعد انتخابه على رأس البلاد في 12 ديسمبر 2019 , أن مسألة الذاكرة “واجب وطني مقدس لا يقبل أي مساومة, وسوف يظل في مقدمة انشغالات الدولة لتحصين الشخصية الوطنية وفي صميم الوفاء لشهداء ثورة نوفمبر المجيدة والمجاهدين الأخيار”, مبرزا بالقول :”إننا لن نتخلى عن ذاكرتنا أبدا, ولن نتاجر بها”.
كما أكد الرئيس تبون في مناسبة أخرى “حرصه الشديد” على التعاطي مع ملفات التاريخ والذاكرة, “بعيدا عن أي تراخ أو تنازل, وبروحِ المسؤولية, التي تتطلبها المعالجة الموضوعية النزيهة, وفي منأى عن تأثيرات الأهواء وعن هيمنة الفكر الاستعماري الاستعلائي على لوبيات عاجزة عن التحرر من تطرفها المزمن”.
ومن بين المكاسب التي تحققت في هذا المجال, قرار الطرف الفرنسي بتسهيل الاطلاع على الأرشيف السري الذي يرجع تاريخه لأزيد من 50 سنة, بما في ذلك المتعلق بالثورة التحريرية (1954-1962)، وقبلها استعادة رفات 24 شهيدا من شهداء المقاومة الشعبية و رفقائهم من مختلف مناطق الوطن ودفنهم إكراما وصونا لحرمتهم في أديم الارض التي استشهدوا من أجلها وتغربوا في سبيلها وذلك وفاء لعهد ورسالة الشهداء الابرار وعرفانا لرصيد التضحيات التي ساهموا بها في مسيرة الحرية والاستقلال.
كما قرر رئيس الجمهورية أيضا ترسيم تاريخ الثامن مايو يوما وطنيا للذاكرة, تخليدا لذكرى 45 ألف شهيد سقطوا طلبا للحرية والاستقلال في سطيف وقالمة وخراطة ومدن أخرى من الوطن, في واحدة من أبشع جرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر, الى جانب ترسيم الوقوف دقيقة صمت, سنويا, عبر الوطن, ترحما على أرواح شهداء مجازر 17 أكتوبر 1961 بالعاصمة الفرنسية باريس في خطوة تهدف الى تثمين تضحيات أبناء الجالية الجزائرية بالمهجر ومساهمتهم في استقلال بلادهم.
وفي سياق متصل، تعزز الاعلام الوطني من خلال التلفزيون العمومي بقناة للذاكرة أصبحت منذ انشائها نافذة للاطلاع على تاريخ البلاد عبر برامج متنوعة تشمل ندوات وشهادات وأفلام وثائقية وسينمائية تخلد مآثر الشعب الجزائري وبطولاته عبر التاريخ لاسيما خلال الحقبة الاستعمارية.
من جهة أخرى، لا يمكن فصل المجهود المبذول في مجال تثمين الذاكرة والاهتمام بها، عن مسار بناء الجزائر الجديدة التي يتطلع اليها الشعب الجزائري تجسيدا لأمانة و حلم الشهداء, حيث يأتي إحياء هذه المناسبة هذه السنة في ظرف ميزه استكمال مسار البناء المؤسساتي للدولة بإجراء انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الامة, يوم 5 فبراير الماضي و قبله الاستحقاق الخاص بتجديد المجالس الشعبية البلدية والولائية التي جرت يوم 27 نوفمبر2021، مرورا بالاستفتاء حول تعديل الدستور في الفاتح نوفمبر 2020 و تشريعيات 12 جوان 2021، لتكتمل بذلك أجندة الانتخابات التي كانت من بين التزامات الرئيس تبون في حملته الانتخابية والتي يجري تنفيذها ميدانيا من خلال عديد الورشات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.