شعراء وكتاب الثورة الجزائرية ارتبطت أسمائهم بالثورة فأبدعوا في قصائدهم وكتاباتهم الصحفية، منهم مفدي زكرياء، محمد العيد أل خليفة، محمد الأخضر عبد القادر السائحي، محمد الشبوكي، أبوبكر بن رحمون، منهم من استشهدوا كمحمد الأمين العمودي، محمد رضا حوحو، الربيع بوشامة، عبد الكريم العقون، ومولود فرعون.
أحيا الشاعر بشعره البطولة وحب الوطن والتضحية في نفوس الجزائريين.
الشاعر الجزائري كان يتحسس هموم ومشاكل الأمة، وخلد مآثرها في شعره، مدافعا عن أبناء جلدته.
واكب النص الشعري المقاوم انتفاضات الشعب الجزائري. هو نص حي مكتنز بالحقائق التاريخية، ومتمرد على الإستعمار والواقع المأساوي الذي أوجده الاحتلال.
الأديب ضمير الأمة
كان الأديب دائما ضمير الأمة وصدى همومها ولسانها المعبر عن معاناتها وطموحها.
ومن الأدباء في هذا الجانب، كاتب ياسين في روايته نجمة، وآسيا جبار التي عبرت عن المحاربين وعن مخيمات اللاجئين في روايتها “القبرات الساذجة”، التي عبرت فيها عن عالم المرأة الجزائرية إبان الحرب التحريرية.
نقلت كتابات مولود فرعون معاناة الشعب وأهتم الكاتب بتصوير جرائم المحتل، ودعا من خلال رواياته إلى التمسك بالعادات والتقاليد وبالإسلام.
الثورة كانت المحور الأساسي في أعمال فرعون، ثورة ضد مستعمر أراد مسخ الجزائريين وتحويلهم إلى فرنسيين، وعبر الكاتب عن فترة اليأس والقنوط التي عاشها الشعب الجزائري بعد الحرب العالمية الثانية.
من خلال ابن الفقير في 1953، والأرض والدم في 1957 والدروب الصاعدة في 1969، الذكرى في 1972، استطاع الروائي التعبير عن المأساة التي يعيشها الطفل الجزائري، زمن الاستعمار، وصور مأساة فلاحين كادحين في أرض ليست ملكهم، مقابل المرض والتعب والسقم.
وتناول محمد ديب، رائد الرواية الجزائرية، حياة تعيسة للأسرة الجزائرية في المدينة والقرى، على السواء.
نشر رواية الدار الكبيرة في 1952، تناول فيها حياة الناس في ظل الثورة وما تكبده من فقر وجوع، وفي 1955 الجزء الثاني من ثلاثية الحريق.
وفي 1959 أنتج رواية “صيف إفريقي”، واكب من خلالها الثورة الجزائرية، وتطرق لشخصيات المجاهد، الشهيد، والثوري والخائن.
وتفرد مفدي زكرياء بنصوص لا ينافسه فيها أحد، من بين شعراء الثورة: النشيد الوطني قسما، فداء الجزائر، نشيد الشهداء، نشيد جيش التحرير الوطني، نشيد الاتحاد العام للعمال الجزائريين، اتحاد الطلاب الجزائريين، المرأة الجزائرية، بربروس، إلياذة الجزائر.
يقول مفدي زكرياء: “لم أعن في اللهب المقدس بالفن والصناعة عنايتي بتعبئة الثورة وتصوير وجه الجزائر الحقيقية بريشة من عروق قلبي غمستها في جراحاته المطولة”.
كانت مهمة الأدب إنسانية اجتماعية تخدم أهدافا سامية نبيلة، ويعتبر صالح خرفي من أبرز الشعراء الذين دعموا هذا الفكر.
كانت له مساهمات فعالة في النشاط الأدبي تظهر من خلال ديوان له بعنوان “أطلس المعجزات”، والذي جعله سجلا لأحداث الثورة ومناقبها ومآثرها.
كان ينتهز كل مناسبة لإثارة الحماس والدعوة إلى الكفاح أو الإشادة بالانتصارات والتضحيات.
يقول في إحدى قصائده:
بايعت من بين الشهور نوفمبر.. شهر المواقف والبطولة
قف بنا… في مسمع الدنيا وسجل للورى.
فلأنت مطلع فجرنا وزناد بركان… أثرت كمينه فتفجرا
دوت بمطلعك الخضيب رصاصة.. فاهتزت البيضاء وانتشت الذار
شاعر المقاومة
محمد العيد أل خليفة، من أبرز شعراء المقاومة، في كل قصيدة يبدعها يحاول إيقاظ الهمم من أجل الشعور بالحياة الكريمة، وتجاوز الأخطار التي تحيط بالأمة.
اهتماماته كانت موزعة على كل القضايا التي تتعلق بالوطن والعقيدة والهوية.
عمل على تهيئة النفوس لتغيير الواقع والتخلص من مآسيه وهمومه، كان غيورا على الأصالة وحريص على مقومات شخصية الأمة.
كان لشعره الأثر القوي في تبصير الأمة بمخططات العدو والاستعداد لمقاومته.
كان محمد العيد آل خليفة واسع الأفق، متحرر الفكر عن كل تعصب، متفتحا على التجارب الإنسانية، داعيا إلى الإفادة منها ومن كل منهج لا يمس بمقومات الشخصية الإسلامية العربية، ويهدف إلى بناء الحاضر والمستقبل.
ودعا محمد العيد آل خليفة أبناء الجزائر إلى التحرر من مخالب الاستعمار في قصيدة: “الأسر طال بكم فطال عنائكم…فكوا القيود وحطموا الأغلال
والشعب ضج من المظالم فأنشدوا…حرية تحميه واستقلالا
لا أمن إلا في ظلال مرفرف…حر لنا عال ينير هلالا.
الناقد الساخر
أحمد رضا حوحو، أحد أعلام الأدب الجزائري في القرن العشرين، رائد القصة القصيرة في الجزائر، عُرِفَ بمناهضته للاستعمار الفرنسي ودعوته لمقاومة المحتل.
ناقد ساخر، يهوى الفن والتمثيل والموسيقى، يمتاز أدبه بطابع الخفة والصدق والانتقاد.
ومن مؤلفاته “غادة أم القرى” (قصة طويلة 1947)، مع حمار الحكيم (مقالات قصصية ساخرة 1953)، صاحبة الوحي (قصص 1954)، نماذج بشرية (قصص 1955)، دون أن نغفل جانباً مهماً في نشاطه الفكري وهو القصص القصيرة.
يعتبر حوحو رائد القصة القصيرة الجزائرية، له بعض القصص، منها «يأفل نجم الأدب»، و«ابن الوادي»، و«الأديب الأخير».
ولد أحمد رضا حوحو بقرية «سيدي عقبة» ببسكرة في 1910، إلتحق بالمدرسة الإبتدائية وأكمل دراسته الأهلية في 1928، لكنه لم يستطع أن يتابع دراسته الثانوية نتيجة السياسات التي كان المستعمِر الفرنسي يتبعها بمنع أبناء الجزائريين من التعليم.
اشتغل الشهيد بمصلحة البريد فترة قصيرة، ثم هاجر إلى الحجاز والتحق بكلية الشريعة في المدينة المنورة، حصل منها على أعلى الدرجات؛ ما أهَّله للعمل بها بعد تخرُّجه في 1938، وعُيِّنَ بعدها سكرتيرًا للتحرير في مجلة المنهل بمكة المكرمة بقصص يترجمها من الأدب الفرنسي ومقالات في مجلة الرابطة العربية المصرية وذلك مدة عامين.
انتقل رضا حوحو إلى مكة المُكَرَّمَة وعمِل في مصلحة الهواتف والبرق، عاد إلى الجزائر في 1946، وانضم إلى جمعية العلماء المسلمين وكان عضوا نشِطًا بها وعمل مدرسا فمديرا ثم مفتشا للتعليم.
في 25 سبتمبر 1946 نشر أول مقال في جريدة البصائر، وفي 1948 انتخب عضو في المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، مثل الجزائر خير تمثيل في مؤتمر باريس الدولي للسلام في 1949.
قام بإنشاء جمعية المزهر القسنطيني للمسرح والموسيقى ومن خلالها كان يعرض مسرحيات مثل: ملكة غرناطة، بائعة الورود، البخيل.
اشتغل أيضا في الصحافة فكانت له مقالات في جريدة البصائر، أثارت الكثير من الجدل والنقاش بعناوين: ما لهم لا ينطقون؟ ما لهم يثرثرون؟، وكتب في جريدة الشعلة الأسبوعية التي تصدر بقسنطينة بأسلوب تهكمي ساخر قصد جلب الانتباه والتأثير على القارئ.
في 29 مارس 1956 اغتيل محافظ الشرطة بقسنطينة واعتقل حوحو من منزله على الساعة السادسة مساء ذلك اليوم ليعتقل بسجن الكدية، ومنه حُول إلى جبل الوحش وأعدم هناك.
كاشف آلام الجزائريين
سبق عصره، كان من رواد الدعوة إلى الأصالة والمعاصرة وتعليم المرأة، إنتاجه جمع بين الأدب نثرا وشعرا والصحافة والترجمة والسياسة والوطنية.
كان شاعرا وأديبا، شعره اجتماعيا ساخرا يتميز بالدعاية والطرفة الهادئة، يدعو للنهوض بالأمة بسلاح العلم والمعرفة والتحرر من الفكر الخرافي. تميزت كتابته بالبساطة والموضوعية.
عمل على إيصال صوت الجزائر إلى المحافل الدولية والتعريف بقضيتنا، إيمانا منه بأن كسب المعركة العسكرية يمر عبر كسب رهان المعركة الدبلوماسية.
يقول الأستاذ حاج عبد القادر يخلف، في مقال عنه بعنوان “محمد الأمين العمودي شهيد القلم والكلمة”، أن العمودي أحد رموز النهضة الوطنية، ومن رواد الحركة الأدبية والفكرية والسياسية في النصف الأول من القرن الـ20 إبان العهد الاستعماري بالجزائر، ولا يزال مجهولا حتى بين الأوساط المثقفة من أبناء الجزائر.
ولد العمودي في 1890 بوادي سوف، تلقى تعليمه بمسقط رأسه، تخرج بشهادة تسمح لصاحبها بتولي منصب عون قاض أو وكيلا لدى المحاكم الشرعية أو عدلا بمحكمة القاضي من المدرسة الفرنسية الإسلامية بقسنطينة.
عمل كاتب عدل، ثم وكيلا شرعيا في بسكرة والجزائر العاصمة وعميد للوكلاء الشرعيين في العاصمة.
شغل منصب الأمين العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في السنوات الخمس الأولى من تأسيسها، ترأس جمعية شباب المؤتمر الإسلامي الجزائري في جوان 1937.
برزت الموهبة الصحفية للعمودي منذ شبابه خاصة وانه كان يتمتع بإتقان وامتلاك اللغتين والثقافتين العربية والفرنسية، فمنذ صغره كان يكتب القصائد الشعرية والخطب القوية.
ومن بين الجرائد التي كتب فيها باللغتين العربية والفرنسية، جريدة الإقدام، النجاح، المنتقد، الإصلاح، صدى الصحراء، جريدة الجزائر، الشهاب، الجحيم، الشريعة، الصراط السوي.
إضافة إلى جرائد البرق، البصائر، والأمة وAlgérie République. كتب في الجرائد التونسية بإسمه وبأسماء مستعارة مثل الفتى الزيباني وسمهري.
نتيجة لمواقفه اللاذعة تعرض للمضايقات والسجن، ويؤكد الأستاذ يخلف أن هناك الكثير من الوثائق التي تشير إلى براعة العمودي في الترجمة، اشتغل ببسكرة مساعد الترجمان الشرعي، فكان يقوم بفرنسة المطالب والشكاوى والعقود، وما يتقدم به المواطنون من وثائق زيادة على الترجمة الفورية بين المواطنين وأعوان السلطة الاستعمارية الذين كانوا لا يعرفون اللغة العربية.
قال العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس: “لا أرضى بغير العمودي ترجمانا لي، فهو الذي يستطيع تبليغ أفكاري وترجمة كلامي إلى المسؤولين الفرنسيين، وينقل إلي كلامهم بأمانة وإخلاص فالأمين العمودي هو لساني (الأمين) الذي لا أبغي به بديلا”.
توج العمودي تجربته الصحفية بإنشاء جريدة باسم “الدفاع La Défense صادرة باللغة الفرنسية لإيصال الرسالة الكاملة والواضحة لمبادئ ومشروع التيار الإصلاحي الجزائري، وللرد على إشاعات الإدارة الإستعمارية.
صدر عددها الأول في 26 جانفي 1934، وكانت تصدر كل يوم جمعة واستمرت خمس سنوات كاملة ولم تتوقف إلا بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية.
كان خطها السياسي يتمثل في الدفاع عن الجزائريين ضد تجاوزات وتعسف المستوطنين، وممثلي الإدارة الفرنسية واهتمت كثيرا بالدفاع عن التيار الإصلاحي ضد خصومه.
أوقفت صدورها في 1937، ويصفه أحمد توفيق المدني وهوأحد من عرفوه عن كثب بأحد رجالات الصحافة البارزين.
قال: “أنه ما لبث أن أصبح من رجال الصحافة المبرزين، وكان قلمه فرنسيا بديعا يضاهي أو يفوق أقلام مهرة رجال الصحافة الغربيين”.
ويضيف”كانت تلك الصحيفة “الدفاعLa Défense” مرآة مشرقة تصور الرأي العام الجزائري أصدق تعبير، وهو ما يوحي بأنها كانت بالفعل القلم الذي يدافع عن ألام وآمال الجزائريين في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الأمة الجزائرية”.
ندد بقانون شوطان Chautemps الصادر في 8 مارس 1938، الذي ينص على منع ومعاقبة التعليم العربي دون رخصة مستهدفا جمعية العلماء ومدارسهم الحرة، وقد طالب بإلغاء هذا القانون الظالم.
خرج ذات يوم من منزله بحي سانت أوجان إلى المحكمة الشرعية بالجزائر، فخطفته عناصر من منظمة اليد الحمراء الإرهابية ولم ترحم كبر سنه، ومرضه فقتلته بكل برودة وعثر عليه قرب البويرة في أكتوبر 1957.
المناضل بالكلمة
كان عبد الكريم العقون شاعرا ملتزما تحمل عناء الكلمة إبان الاحتلال والثورة بكل جرأة وشجاعة، لم يفقد الأمل في الاستقلال وكان يردد دائما: لا تخر فالنصر يأتيك غدا…فتأهب للفدى في كل حين.
كان يوقع قصائده باسمه الحقيقي ولم يستخدم اسم مستعار .
ناضل بالكلمة وشارك في الحركة الإصلاحية مع شيوخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ثم انضم إلى الثورة التحريرية وانخرط في صفوف جبهة التحرير الوطني.
تؤكد الدكتورة مليكة بن بوزة، من جامعة الجزائر 02 في دراستها حول الشهيد، أنه كان يعمل جاهدا على نشر الوعي السياسي والوطني بين الجزائريين، سواء من خلال التعليم أو داخل المساجد أومن خلال المحاضرات التي كان ينشطها ضمن الحلقات الفكرية التي كانت تشرف عليها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، نادى الشباب الجزائري عام 1949 وحثهم على الثورة .
وتشير الباحثة الى أن شعره واكب حركة النضال الوطني، وتناول المناسبات الدينية والقضايا الاجتماعية.
خصص العقون باقي قصائده للثورة ولكفاح الشعب الجزائري والتنديد بالاستعمار، ومجازر 8 ماي 1945. أشاد بثورة الجزائر وتاريخها، دعا للمحافظة على الوحدة الوطنية ومقومات الشخصية والهوية الجزائرية.
تنوعت موضوعات شعره بين الاتجاه الوطني والقومي، ظل يناضل عن حقوق شعبه ضد الاستعمار وأطماعه.
كانت دراسته بتونس محطة أساسية ومهمة في بلورة نضجه الفكري ووعيه السياسي، وفرصة لقراءة ما جد في الصحف والمجلات، ولقاء العلماء والأساتذة الذين عرفتهم الساحة الثقافية آنذاك.
ولد العقون في 1918 بقرية العقاقنة ببلدية برج الغدير ولاية برج بوعريريج في أسرة محافظة في بيت أدب وعلم، اهتم والده بتعليمه وتحفيظه القرآن الكريم.
تتلمذ على يد العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، ومجموعة من العلماء والأساتذة من جمعية العلماء في الجامع الأخضر بقسنطينة بين 1933 و1936، وابتداء من 1936 واصل تعليمه بجامع الزيتونة بتونس.
شارك بانتظام في النشاطات العلمية والمحاضرات التي تقيمها النوادي الثقافية، فاكتسب خبرة وعمق معارفه، فتفجرت موهبته الشعرية، وكتب قصيدته الأولى في 1938 عندما كان طالبا في معهد ابن خلدون وعمره لم يتجاوز العشرين سنة.
ولكنه لم ينشرها واكتفى بإلقائها في اجتماع الطلبة الجزائريين الزيتونيين، بعنوان “يا شبابا قد طال نومك فنهض” يذكر فيها الشباب بمسؤولياته وينصحه بالتسلح بالعلم والمعرفة.
عاد إلى الجزائر في 1939 ونشر قصائده الأولى في الجرائد الوطنية كالبصائر والمنار والإصلاح، وأحس بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه، وهو يرى أبناء شعبه يتخبطون بين براثين الجهل والأمية والفقر. فقرر تكريس حياته لخدمة وطنه واختار المشاركة في الحياة الإصلاحية.
أنشأ مدرسة حرة بشارع صالح بوعكوير بالعاصمة أطلق عليها اسم الفلاح بمساعدة زميله الطيب العقبي، واشتغل معلما لمدة خمس عشرة سنة وهو يربي الأجيال ويغرس فيهم مبادئ الإسلام والوطنية.
منحته وظيفة الإمامة من محبة الناس وتقديرهم ما لم يمنح غيره من الأدباء، كان عضوا نشيطا في جمعية العلماء، كان يؤدي دور الواعظ والمرشد في المسجد، والمعلم والمربي في المدرسة ودور الشاعر المبدع في قصائده .
تعددت مواهبه ونشاطاته، فكان معلما وإماما ومرشدا ومصلحا اجتماعيا يعلم النشء اللغة العربية، ويزرع في نفوسهم بذور الوعي السياسي والوطني.
معظم إنتاجه الشعري منشور على صفحات البصائر، قصيدة واحدة في السلسلة الأولى 1935-1939، وحوالي 24 قصيدة في السلسلة الثانية 1947-1956، ونشر قصيدة واحدة بعنوان “أخيريه العقبي لازلت ملجأ”، في مجلة المنار العدد 39 عام 1941.
نشر في 1948 قصيدتين “روحي تناديك” و”عبرة” في مجلة إفريقيا الشمالية التي كانت تصدر شهريا بمدينة الجزائر ما بين 1948 و1949، توقف عن النشر بداية الثورة.
نشرت آخر قصيدة له بعنوان “مسجد أعظم من مسجد” في 21 ماي 1954، معظم قصائده التي كتبها عن الثورة أتلفها أو أحرقتها زوجته عندما ألقي عليه القبض حتى لا تعثر عليها الشرطة الفرنسية.
عندما اندلعت الثورة انتقل من جهاد الكلمة إلى الجهاد الثوري، انضم إلى صفوف المنظمة المدنية التابعة لجبهة التحرير الوطني التي اختارته أمينا لصندوق المال بالمرادية، وكان على صلة بالفدائيين يأويهم وينسق بينهم ويمدهم بالسلاح.
ساهم في تكوين خلاياهم فأصبح بيته محل شبهة، ورغم أنه اعتقل مرات عديدة وذاق مرارة التعذيب في سجون الاحتلال، ولم يتخل عن مواقفه الثورية وعن حبه لوطنه، وإيمانه بعدالة قضيته ربط مصيره بمصير الجزائر.
تفطنت السلطات الفرنسية لنشاطه الثوري فشددت عليه الرقابة لكنه لم يستسلم ولم يتراجع عن مواقفه وكان يردد:
شباب الجزائر فك القيودا…وأثبت وجودك في ذا الوجود
في فجر 15 جانفي 1959 اقتحمت القوات الاستعمارية منزله، وألقت عليه القبض ذاق كل أنواع التعذيب في سجن الكورنيش بباب الوادي، وبعد ثلاثة أشهر نقل إلى سجن الدويرة أين أعدم يوم 13 ماي 1959.
عندما عرضت عليه جبهة التحرير الوطني فرصة مغادرة وطنه والهروب إلى المغرب، قال كلمته بكل ثقة “الجزائر بحاجة إلي فكيف سأتركها في محنتها وروحي فداء لها”.
الشاعر المجاهد
الربيع بوشامة من بين الشعراء الذين أطلق عليهم الشاعر المجاهد، كان واحدا من بين كثير من شهداء الكلمة في الجزائر.
متعدد الإسهامات بالكلمة المناضلة في كل الميادين، مصلحا ومربيا، وكاتبا وخطيبا وشاعرا، ومن قصائده “يا شهابا قد تجلى” في جانفي 1947، وقصيدته “شجون “في1958، شعره لم ينشره .
وزع نتاج شعره على مرحلتين من مراحل الشعر الجزائري الحديث أولهما مرحلة الإعداد للثورة ما بين 1939 و1954، ومرحلة مواكبة الثورة من 1954 إلى 1962، هو من الرعيل الثاني من جيل النهضة في الجزائر.
كان الشاعر المناضل عنصرا فاعلا في حركة الكفاح الوطني منذ منتصف الثلاثينيات، وأول المستجيبين لنداء الثورة، ظل في صفوفها مجاهدا يقدم لها الدعم المعنوي بتوعية الجزائريين بضرورة مساندتها والوقوف إلى جانبها، والتصدي إلى مصالح دعاية العدو ضدها.
كان يجمع الأموال، ويجند الشباب للإلتحاق بالثورة.
وظل الشاعر المجاهد في هذه الجبهات، غلب على شعره المضمون الثوري اشتملت جملة من القصائد على الثورة تمجيدا ومباركة لها، حاثا على الانضمام إليها ومصور بطولات مجاهديها وندد بجرائم المحتل، ويقول في إحدى قصائده
يا فتى الأوطان قم …فارفع اليوم العلم
وتقدم للفدا…باسلا راسي القدم
والق أبطال العدا … ضاحكا على الشمم
واسقهم كأس الردى…من يد تزجي العدم
وقصيدة أخرى يترحم فيها على الشهداء يذكر فيها الكولونيل عميروش:
حي في الأبطال فتيان الفداء…واخصص (اعميروش) منهم بالثناء
بطل الثورة يبلي أبدا… في جهاد المعتدي خير البلاء
جمع نتاج شعره وقدم له الدكتور المرحوم جمال قنان تناول فيه حياة الشاعر من الولادة إلى الاستشهاد، جهوده في مختلف وجوه الحياة الوطنية مصلحا مربيا، خطيبا وشاعرا، مجاهدا وشهيدا.
استمر الشاعر في نضاله بصفوف الثورة متنقلا ما بين الجزائر العاصمة، وسطيف وغيرها من الولايات إلى أن ألقي عليه القبض يوم 16 جانفي 1959، وهو في مكتبه بإدارة المدرسة واقتادوه إلى السجن، وظل به خمسة شهور يلقى ألوان التعذيب حتى استشهد على أيدي جلاديه في13 ماي 1959.