الشاعر عبد الكريم العقون (1918 – 1959) أحد أبناء الجزائر، الذي وهبوا حياته لخدمة الجزائر، حمل رسالة المفكر العربي الواعي، وآمن بقناعاته الخاصة، وبالمبادئ الإنسانية ودافع عنها، إلى أن قدّم روحه قربانا لشعلة الحرية.
لم يكن العقون، شاعرا فحسب، بل تعددت مواهبه ونشاطاته الوطنية، كان معلما وإماما ومرشدا ومصلحا اجتماعيا، يعلم النشء اللغة العربية، التي أراد المستعمر طمسها، ويزرع في نفوسهم بذور الوعي السياسي والوطني.
استحضار الحس الثوري لدى الشاعر الشهيد
ناضل العقون، بالكلمة شارك في الحركة الإصلاحية مع شيوخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، انضم بعد ذلك إلى الثورة التحريرية وانخرط في صفوف جبهة التحرير الوطني.
ولد الشهيد عبد الكريم عقون، ابن محمد المسعود وفاطمة الزهرة بنت عمار ابن زيوش، في 1919 بقرية العقاقنة، التابعة لولاية برج بوعريريج، كان أبوه من حفظة القرآن الكريم، وكان لأمه الحظ في حفظ ثلاثة أرباع منه.
أمضى الشهيد حياته الأولى في مسقط رأسه، فتعلم القرآن الكريم على يد والده ثم على يد سي عبد الرحمان، وانتقل إلى قرية أولاد سيدي منصور، فتعلم خلال سنة بعض مبادئ اللغة والدين، على يد الشيخ موسى الأحمدي نويوات، ما بين عام 1932 – 1936، انتقل بعدها إلى مدينة قسنطينة، فتتلمذ على يد الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس لمدة، ثم ذهب إلى تونس فانخرط في سلك جامع الزيتونة.
عكف على طلب العلم والمعرفة، حتى حاز منه على شهادة التحصيل ثم عاد من تونس في 1939، ففرحت به أسرته أين بادر بتعليم أبناء قريته، إلا أن الإقامة بها لم تدم طويلا، فانتقل إلى مدينة برج بوعريريج، واشتغل بالتدريس في إحدى مدارسها الحرة، وفي 1946 انتقل إلى الجزائر العاصمة وفيها انخرط في سلك التعليم لمدة 15 سنة، كان ذكيا نشيطا شغوفا بالنظر إلى الكتب ميالا إلى الشعر راغبا في أن تكون له فيه مكانة.
كان الشاعر الشهيد، في رجولته معلما يتمتع باحترام وتقدير كبيرين بين من عاشرهم ومن عمل معهم، في سعة خاطره ورحب صدره وثبات موقفه، إضافة إلى كل هذا كان كريما عطوفا نظيف المعشر بارا بالأهل والأصدقاء.
كانت الابتسامة لا تفارق شفتيه، التي كان ينشر بها الطمأنينة ويبعث من خلالها الدفء والأمان في نفوس بنيه وذويه، كان للشاعر صداقة واسعة مع رجال جمعية العلماء المسلمين، وبالأئمة والشعراء والمعلمين منهم الشيخ البشير الإبراهيمي، العربي التبسي، الشيخ أحمد توفيق المدني، الشاعر الشهيد الربيع بوشامة والشاعر أحمد سحنون..
القضية.. وطن..
الشاعر الشهيد، كان من المناضلين الأوائل الذين أعلنوا انضمامهم إلى الثورة التحريرية المجيدة مواصلا نشاطه فيها، مؤمنا بفعالية الكفاح المسلح في تحقيق الاستقلال الكامل، رحل شاعر الشهداء من غير أن يفقد يوما إيمانه بقدوم ربيع الاستقلال، وظل على عهده إلى أن نال الشهادة ليلة 13 ماي 1959 بمنطقة خرايسية بالجزائر العاصمة.
ومن جانب آخر، استعرضت الاحتفالية مدى وعي الشاعر النضالي من خلال كتاباته الأولى وقصائده الشعرية، التي أرّخت لأحداث عديدة، ويظهر ذلك من خلال ما رصده الباحثين والأكاديميين ممن نشطوا الاحتفالية.
ذكر البروفيسور الشريف مريبعي، رئيس المجمع الجزائري للغة العربية، أنه عبر جريدة إفريقيا الشمالية لصاحبها المترجم إسماعيل لعرابي، ومن خلال ما عثر عليه من كراسته الشخصية، التي احتفظت بها عائلته واكتشفها الباحث خلال ثمانينات القرن الماضي، تحتوي على قصائده، تظهر مدى حرص الشاعر ووعيه الكبير بالمسائل النضالية قبل انطلاق الثورة التحريرية المباركة، حيث تظهر الأبيات التي نظمها الشاعر مدى اهتمامه بالقضايا النضالية في الوطن العربي.
واعتبر البروفيسور مريبعي، أن هذه السمة البارزة في جل كتاباته، وهي ما ميزته وجعلته يتفوق على أقرانه وجيله ممن ظهرت شاعريتهم بعد الحرب العالمية الثانية، أمثال مولود فرعون، الربيع بوشامة، الشاعر محمد الأمين العمودي والكاتب أحمد رضا حوحو، وغيرهم من شعراء وشهداء وأدباء الثورة التحريرية، وكان لا يفوّت أي مناسبة أو حدث إلا واستغلها لنشر دعوته الثورية التحريرية.
وأضاف أنه عندما نحلل شعره نجد مجمل نضمه شعرا مناسباتيا، فمرّة يحتفل بافتتاح مدرسة للتهذيب، فيتخذ من المناسبة دعوة لنشر الإصلاح الاجتماعي، ومرة أخرى لصدور وميلاد جريدة البصائر، فيتخذ من المناسبة طريقا للإصلاح.