الشهيد محمد بودية، كان مثقفا ثوريا ناضل من أجل استقلال بلاده، ومن أجل القضية الفلسطينية.
زاوج بودية بين الثقافة والمسرح كغطاء خارجي، وأسس خلايا ثورية جمعت جنسيات، خاصة الفرنسيين، أصرت الإمبريالية والصهيونية على التخلص منه، لقبته رئيسة وزراء الكيان الصهيوني غولدا مائير، بالرجل ذو مائة وجه، والرجل الشبح وأيضا صاحب اللحية الزرقاء.
قال عنه الرئيس الراحل أحمد بن بلة، في منتدى المجاهد، بتاريخ 21 جوان 2004، “إنه رجل غير عادي، ومثقف لامع ومجاهد شجاع، بعد أن دافع عن القضية الوطنية، جعل قضية الشعب الفلسطيني قضيته… لقد كان حقاً رجلاً مضيءً، لقد كان هو النور.”
وأكد المجاهد بشير بومعزة، في شهادة بثت على التلفزيون الجزائري أن الشهيد بودية، نموذج بشري فريد يحتاج دارسة لفائدة الأجيال الصاعدة.
وأشار المجاهد المرحوم لخضر بورقعة، الى أن بودية، ناضل من أجل قضايا عادلة سواء كانت وطنية أو عربية، ووصفه المجاهد المرحوم سليمان عميرات، الذي كان رفيقه في فيدرالية جيهة التحرير الوطني بفرنسا أثناء الثورة، بشي غيفارا الجزائر.
وقال إن الشهيد، شاب حيوي اجتماعي مكافح ويحب الحياة، وهو ما جعله يستمر في نضاله بعد استرجاع السيادة الوطنية لخدمة القضية الفلسطينية على وجه الخصوص. وأضاف: ” ما ميز محمد بودية، هو أنه رجل يمكنه النضال جسديا وفكريا بقلمه، واصل نضاله في السجن”.
تجمع جل شهادات من عرفوه على أن الشهيد، كان مثقفا محبا للسينما والمسرح ومطالعة الكتب، اشتهر بمقولات أبرزها “أنه لا يمكن أن يكون الإنسان ثوريا دون أن يكون مثقفا، ويعرف كيف يعيش”، كان يكره الشعبوية.
انضم إلى الحركة الكشفية في صغره، كان شغوفا بالمسرح، الذي قُدر له أن يصبح رجلا ثقافة متعدد المواهب، التحق بودية بالخدمة العسكرية في الجزائر العاصمة في إطار التجنيد الإجباري في ديجون بفرنسا.
استقر بودية، أو أبو ضياء، الإسم الذي لقب به عندما شرع في النضال من أجل القضية الفلسطينية، في فرنسا وعاش لفترة في ديجون، وفي هذه المدينة، نما شغفه بالمسرح من خلال حضور العديد من العروض، وهناك تعرف على فرقة مسرحية جزائرية في الضاحية الباريسية. وفي العاصمة الفرنسية أنشأ مسرح غرب باريس.
في هذا الغليان النضالي والثقافي، قدم محمد بودية، عروض صحوة سياسية في باربيس، وسان دوني وكلينانكور، بمساعدة المخرج الراحل محمد زينيت.
أدى دورا كبيرا في المسرح من خلال توعية الجماهير وحماية الطبقة الكادحة، عمل في فرقة المسرح التابعة لجبهة التحرير الوطني.
وفي 1963 أصبح مدير الإدارة للمسرح الوطني وهو أول مسرح أقيم في الجزائر بعد الاستقلال. وهو أول مؤسس لمجلة أول نوفمبر ومدير جريدة “الجزائر هذا المساء”.
كان صديقاً لأهل المسرح الكوبي، وخاصة المناضل فيدل كاسترو، وتبادل الزيارات لفنانين من المسرح الكوبي إلى الجزائر ، حيث قرر تخصيص مداخيل الموسم الصيفي للمسرح في 1964 دعماً لكفاح الشعب الفلسطيني.
ولد محمد بودية يوم 24 فيفري 1932 بباب جديد بالقصبة العليا من أسرة فقيرة، مثل غالبية العائلات التي سكنت هذه المدينة القديمة، التي تحولت خلال الثورة إلى معقل بطولي للمقاومة ضد الاستعمار، مثلما يذكره المؤرخ عمار بلخوجة.
باشر بودية نشاطه السياسي في الحركة الوطنية الجزائرية في فرنسا، قبل أن يصبح مسؤولا عن الخلية الباريسية لجبهة التحرير؛ التي نفذت عمليات فدائية بين سنتي 1957 و1958، ومن أهم تلك العمليات، تفجير أنابيب النفط في مرسيليا بتاريخ 25 أوت 1958.
وكانت عملية مرسيليا بمثابة الحادثة، التي لفتت انتباه السلطات الفرنسية إلى اسم محمد بودية، باعتباره واحدا من “أخطر المجرمين” وفق تقارير الإدارة الفرنسية.
أُوقف بودية في التاسع من سبتمبر 1958 من طرف الشرطة الفرنسية وحكم عليه بـ20 سنة سجنا مع الأشغال الشاقة، لكنه تمكن من الهرب في العاشر من سبتمبر 1961، قبل أشهر من استقلال بلاده.
بدأت علاقة محمد بودية بالقضية الفلسطينية من خلال تردده على ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر سعيد السبع، انخرط في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثم انتقل إلى كوبا وهناك التقى وديع حداد، المسؤول العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
قرر بعد هذا اللقاء وضع خبرته السابقة خلال الثورة الجزائرية في خدمة النضال الفلسطيني، كما نجح في إقناع كثيرين بعدالة قضية فلسطين وساهموا بخبراتهم في دعم النضال.
كان بودية، المدبر الرئيسي لجميع عمليات الجبهة الشعبية في أوروبا في مطلع السبعينات، مثلما ذكرت تقارير المخابرات الفرنسية والبريطانية والأمريكية والموساد، ورغم ذلك لم يثبت أي دليل ضده، خصوصا مع ظهوره الدائم بثوب المسرحي الحاضر في باريس.
وأثناء تنقلاته بين فيينا وجنيف، اختار أسماء مستعارة كثيرة منها: بوايي وموريس وأندريس وبيرتان وروبيرت، ورودريغ وروجي، وسعيد بن أحمد.
واستعمل اسم أبو خليل، خلال زيارته المتكررة إلى معسكرات تدريب الثوار الفلسطينيين بالضفة الغربية مع بداية السبعينيات.
من عملياته التخطيط لإرسال ثلاث ألمانيات شرقيات إلى القدس لتفجير أهداف إسرائيلية وقد كشفت العملية فيما بعد، خطط أيضاً لتفجير مركز «شونو»، بالنمسا وكان مركز تجمع ليهود الإتحاد السوفياتي المهاجرين إلى إسرائيل.
خطط أيضا لتفجير مخازن إسرائيلية ومصفاة بترول في روتردام بهولاندا، وأهم عملياته الناجحة هي تفجير خط أنبوب بترولي بين إيطاليا والنمسا في 5 أوت 1972 مخلفا خسائر قدرها 2,5 مليار دولار، وضياع 250 ألف طن من نفط ينتجه العرب ويستغله أعدائهم.
خطط الموساد لاغتياله بتجنيد يهود فرنسيين يعملون في مديرية أمن الإقليم، وزرع لغم ضغط تحت مقعد سيارته الرونو 16 الزرقاء اللون، استشهد محمد بودية، صباح 28 جوان 1973 أمام المركز الجامعي لشارع فوس برنار في باريس، ودفن بمقبرة القطار بالجزائر.