المخطوطات من أهم المصادر في كتابة تاريخ الأمم، باعتبارها مادة خام للكثير من الأبحاث والدراسات في مختلف التخصصات.
في السنوات الأخيرة بدأ اهتمام الباحثين بالمخطوطات لنفض الغبار عن اسهامات العلماء الفكرية و الإنسانية وما حققته الأمم من ازهار وتقدم وإحيائها صونا لذاكرة الشعوب والأمم.
وفي هذا الصدد، بذلت الجزائر جهودا في فهرسة المخطوطات بعد الإستقلال، لإنقاذ العديد من المخطوطات التي كاد يطويها النسيان، يؤكد الدكتور العيد قويدر، من جامعة أدرار في دراسة بعنوان “إسهامات الجزائر في فهرسة المخطوطات العربية”، نشرت بمجلة إشكالات في اللغة والأدب العدد الرابع لسنة 2020.
يقول الدكتور قويدر: ” لا يمكن التقليل من الجهود المبذولة في هذا المجال، فقد لجأت الدولة الى حث الجمهور على التطوع بإهداء ما في حوزتهم من مخطوطات ووثائق الى المكتبة الوطنية مع اللجوء أحيانا إلى شرائها منهم”.
ويشير الأستاذ الباحث الى تشكيل لجنة للبحث في المخطوطات ودراستها في سبتمبر 1969، كان من أعضاءها وزير التربية والإعلام انذاك أحمد طالب الإبراهيمي ومحمود بوعياد مديرا للمكتبة الوطنية، وأصدرت هذه اللجنة أول فهرس في 1970، أعده كل من جلول بدوي، ورابح بونار، وأنجز بإعتماد فهارس سابقة لكل من البارون دوسلان، وبير بروجي، ومحمد بن أبي شنب، محمود بوعياد وعبد الغني بيوض.
ويضيف: ” للأسف هذه المحاولة لم تكتمل كما أنها لم تطبع أو تنشر وفقدت بعد تقديمها للمؤسسة الوطنية للكتاب لنشرها”.
هناك جهود معتبرة أخرى، كانت تضطلع بها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وتقوم المكتبة الوطنية الجزائرية بعمل هام في هذا المجال، ويعد قسم المخطوطات بالمكتبة الوطنية من الأقسام الهامة، حيث يحتوي على 4259 مخطوطا، معظمها باللغة العربية وقليل منه باللغتين التركية والفارسية، وتعود تواريخها للقرنين الـ11 والـ12 والـ13 ميلادية.
وبذل الدكتور مختار حساني، أستاذ بقسم التاريخ بجامعة الجزائر 02، مجهودات في تحقيق مجموعة من المخطوطات وإخراجها في طبعات متتالية، منها الدرر المكنونة في نوازل مازونة، وهي نوازل للشيخ أبو زكرياء يحيي بن موسى المغيلي المازوني، في سبعة أجزاء وله ثلاث طبعات.
أيضا الرحلة القمرية للشيخ ابن زرفة الإدريسي، وفتح مدينة وهران لعلامة عبد الرحمن الجامعي، والتراث الجزائري المخطوط في الجزائر والخارج صدر في سبعة أجزاء، هذا الأخير قدم فيه الباحث فهرسة كاملة تشمل التراث الجزائري المخطوط سواء الموجود في الخزائن الوطنية او خزائن الدول المغاربية او المشرقية او الدول الأوروبية، حتى يمكن الإطلاع على إنتاج العلماء الجزائريين في ميدان التراث المخطوط سواء المنشورة او التي لم تنشر بعد.
ويؤكد الدكتور مختار حساني، أن المكتبة الوطنية تحتوي أكثر من 6500 مخطوط بعضها أصلي والأخر مصور.
ومن بين الفهاريس، يذكر الباحث قويدر “الفهرس العام لمخطوطات المكتبة الوطنية الجزائرية، نشر باللغة الفرنسية، وطبع في باريس سنة 1893، ويعد هذا الفهرس في نظر الفرنسيين الجزء 18 من فهاريس المخطوطات في المكتبات العامة في فرنسا، ويشتمل على 1987 مخطوطة”.
فهرس مخطوطات المكتبة الوطنية، وضعه عبد الغني بيوض، حين كان محافظا بالمكتبة الوطنية في عهد الإحتلال، وبعد الاسـتقلال انتقـل إلى المكتبة الوطنية في باريس، وقد أنجزهذا الفهرس في 1953 باللغة العربية، وهو بخط يده من الحجم الكبير وغير مرقم.
يشتمل على وصف 343 مخطوطة، بها 65 مجموع وهو يبتدئ من الرقم الذي توقف عنده فانيان 1988 إلى 2332. إلا أن هذا الفهرس لم يطبع بسبب ضياع النسخة الأصلية في مديرية المكتبات الفرنسية في باريس ولم تبق منه في المكتبة الوطنية الجزائرية إلا المسودة، حسبما تذكره مصادر تاريخية.
السجل العام لمخطوطات المكتبة الوطنية وضعه محمود بوعياد، وقد كان مديرا سابقا للمكتبة الوطنية وشرع فيه سنة 1954، وقيل 1962، وهو عبارة عن قائمة عادية مكتوبة على الحاسوب تشمل على 318 مخطوطة تبدأ من الرقم 2333 الى 2651، به أزيد من 20 مجموعا، يوضح الأكاديمي.
ويضيف أنه هناك “سجل مكمل لمخطوطات المكتبة الوطنية وهو عبارة عن قائمة عادية مرقونة باللغة العربية تشمل على 720 مخطوطا تبدا من الرقم 2610 الى 3329، وهذا الفهرس غير متداول خارج المكتبة الوطنية”.
وأيضا سجل مخطوطات الأمير عبد القادر، وحسن بن رحال، الموجودة بالمكتبة الوطنية وهو عبارة عن فهرس كتب باللغة العربية وضعه محمود بوعياد، يضم 59 مخطوطة منه 21مخطوطة في خزانة الأمير عبد القادر، و38 مخطوطة في خزانة ابن رحال، وكلا الخزانتين في المكتبة الوطنية.
ويشير الباحث إلى فهرس مخطوطات مكتبة ابن حمودة، وضع الفهرس حسن غوارزو، باحث من نيجيريا زار المكتبة الوطنية لإنجاز بعض المتطلبات العلمية حول الإمام الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي، فانتهز الفرصة وأعد الفهرس في 1993، وهو متداول في المكتبة فقط.
ويؤكد أن ” المكتبة الوطنية قامت بجهود معتبرة اخرى، وهي إعادة طبع بعض الفهارس كفهرس فانيان في 1995، مع مقدمة كتبها المدير العام انذاك محمد عيسى موسى، ابرز فيها حاجة المكتبة الوطنية خاصة والعربية عامة لمثل هذه الأعمال لخدمة البحث العلمي وقد وقعت في صفحتين بالعربية.”
إضافة إلى فهرسة خزائن المخطوطات بولاية أدرار “خزائن دائرة أولف”، أعده مخبر مخطوطات الحضارة الاسلامية في شمال إفريقيا التابع لكلية العلوم الإنسانية والحضارة الاسلامية بجامعة وهران، يحتوي على وصف 258 مخطوطا وتناولت هذه المخطوطات الفقه الإسلامي بكل أبوابه، القضاء الشرعي، تفاسير القرآن الكريم، ذخائر السيرة النبوية وموضوعات اخرى منوعة لغوية، ثقافية، اجتماعية، تاريخية، وعلوم الطب والفلك .
موازاة مع ذلك بذل المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ و المركز الوطني للمخطوطات جهودا معتبرة في فهرسة مخطوطات ولاية أدرار أعدها الياحثين بشار قويدر ومختار حساني، حسبما يؤكده الباحث.
ويوضح أن “هذا الفهرس ضم حوالي 476 مخطوطا من فقه وتفسير وأدب وقواعد اللغة العربية وعلم الكلام، التوحيد، السيرة النبوية، التاريخ وعلم الفرائض، وبعض من مخطوطات الطب والفلك والات الحرب، كما احتوى الفهرس على تعريف لبعض خزائن المخطوطات بالمنطقة”.
وقد استحدثت في السنوات الأخيرة مؤسسات تابعة للجامعات الجزائرية تعرف بمخابر البحث العلمي في الدراسات والمخطوطات وكان لها الأثر الكبير في العناية بالمخطوطات فهرسة وتحقيقا، وكان لهذه المخابر دورا كبيرا في تشجيع الباحثين على العناية بالتراث المخطوط وتثمينه وإنقاذه من الضياع، يقول الدكتور قويدر.