تتحدث العديد من المصادر لمؤرخين جزائريين مثل ناصر الدين سعيدوني، وأبو القاسم سعد الله وعائشة غطاس، ومؤرخين فرنسيين عن الحياة الإجتماعية والإقتصادية للجزائريين في العهد العثماني.
كان للحياة الإقتصادية والإجتماعية بمدينة الجزائر في العهد العثماني طابع خاص من خلال العادات والتقاليد، التي كان يمارسها سكان مدينة الجزائر.
في هذا الصدد، تناولت المرحومة المؤرخة عائشة غطاس، في كتابها “الحرف والحرفيين في مدينة الجزائر 1700-1830″، عن لباس الجزائريين والمواد الغذائية التي تستهلكها العائلة الجزائرية أنذاك، وهذا استنادا لمصادر سجلات المحاكم الشرعية.
تقول عائشة غطاس: ” اشتمل البيت الدزيري في الثمانينيات من القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر على مفروشات الحايك، الزريبة، المضربة، المطرح والحنبل، والمخذة”.
وتضيف: ” يبدو أن الحايك أكثرها شيوعا وانتشارا اذ ورد في 21 حالة ثم تليه الزربية بثمانية عشرة حالة ونجدها في التركات، التي فاقت سبعين ريالا اما المطرح فقد ورد في سبع حالات وفي التركات التي فاقت 300 ريالا، كما وردت المضربة في ست حالات لكن لم ترد سوى التركات، التي فاقت قيمتها 600 ريالا، باستثناء حالة واحدة وهي حالة غريبة حالة الحوات الذي خلف 26ريالا.“
وتشير المؤرخة الى ” انه غالبا ما تسرد محتويات التركة من ممتلكات عقارية ومحتويات البيت من أدوات مطبخية ومفروشات وأثاث وملابس دون تمييز بينها.“
وتبرز في هذا السياق: ” تبدو مكونات بيت الحرفي بسيطة للغاية، ففي معظم الحالات اقتصرت المفروشات على حايك وزربية، وفي حالات أخرى انعدمت فعلى سبيل المثال اشتمل اثاث الحاج السعدي الصباغ، على صندوق واحد وعلى مكونات لا قيمة لها، لخصت في عبارة “تفاتف وقربرطال”، بينما كانت مكونات ابراهيم الزواق، هامة ومتنوعة اذ احتوت على أربع زرابي، وثمان مضربات، وحايك، وعدد هام من المخايد”.
وتضيف: “اما أنواع الأثاث الأخرى فهناك الأواني النحاسية أبريق وليان، سني، وهناك أيضا الفانوس، المرأة، والمصابيح وهي قليلة جدا فالحرفيون، الذين كانوا أقل يسرا انعكس ذلك على مكونات تركاتهم اذ تميزت بالبساطة”.
وتشير الباحثة، إلى أن “دفاتر المخلفات تخبرنا بأنواع الملابس ومسمياتها مما يسمح بالتعرف على الأزياء الرائجة وقتذاك، وهي البرنوس، البدعية، الغليلة، العمامة، السدرية، السروال، الكباية، القمجة، الفريملة، الكبوط، الشال، القفطان، الحزام، والتفصيلة.“
وتراوحت الثروة الموظفة في اللباس بين 4,41% إلى 38,26%، وتميزت ملابس الذين كانوا أكثر يسرا والأثرياء من اهل الحرف بالتنوع والكثرة، تقول عائشة غطاس.
في هذا الصدد “تعطي مثالا بحالة الكسكاسي، بتركة تقدر ب 7192 ريالا، اشتملت الثياب على 18 مكونا وضمت من البلغة الى الغليلة والكبوط والكباية والحزام والسروال والبرنوس والقمايج لكنها لم تشكل سوى 3,57%.، من التركة.”
تقول:” بينما اقتصرت مكونات اللباس في تركة الصمار، المتوفى ربيع الأول 1214، على كباية واحدة ب16 ريالا شكلت 26,66% من مجمل التركة، التي لم تتجاوز 60 ريالا، وخلف عمار القزاز، سروالا واحدا وبدعية واحدة وبرنوسا واحدا فضلا عن قماش ملف فشكلت من مجموع تركته 4,41%، وكان الحرفيون الذين وظفوا ثروة هامة في الملابس على التوالي ابن حمزة الحرار الإنكشاري، ب 38,26%، وحسن الخياط ب 35,14%، وحسن السبساجي، ب 26.80%،وسي احمد البناء، ب 29%، والحاج مصطفى الحرار، ب 10%، وبابا يوسف القهواجي، ب 10٫68%.“.
وتشير المؤرخة، إلى ” أن ما يشد الانتباه انعدام الإشارة إلى أي نوع من اللباس، حيث لم تكن الفروق في اللباس دائما تبعا للفروق في الثروات وهو ما تبرزه حالة ابن حمزة الإنكشاري الحرار، الذي لم يكن صاحب ثروة هامة قدرت ب 544 ريالا، لكن متروكة من الثياب ضم 16 مكونا متنوعا وواضح ان ذلك ارتبط بطبيعة مهنته”، توضح.
وتضيف: ” فيما يتعلق بالأثاث والملابس يلاحظ أنه ليست هناك أية إشارة إلى عبارة أعجمي، مما يحملنا على الإعتقاد ان الصناعة المحلية كانت المصدر الأساسي الذي يوفر حاجات السكان ومتطلباتهم، كما يؤدي بنا إلى طرح مسألة المؤثرات الغربية.“
وتؤكد: ” حينما شرعنا في استقراء مكونات التركات لفت انتباهنا وجود المصاغ ضمن مخلفات الرجال اذ ورد في ثمان تركات، واختلفت قيمته من حالة إلى أخرى اذ تراوحت بين 14,56% في تركة القزداري، إلى 84,54% في تركة الحفاف.“
أطعمة مفضلة لدى الجزائريين
إن المواد الغذائية المستهلكة في مجتمع مدينة الجزائر، مثلما تظهرها دفاتر المخلفات هي الخليع، الذي هو عبارة عن شرائح من اللحم المملح والمجفف، تستعمل بوجه خاص في فصل الشتاء في أنواع من المأكولات، والكسكسي والسمن والبرغل، هذا الأخير عبارة عن قمح يغلى ويجفف ثم يطحن، الزيت، الزيتون، العسل، حسب ما تناولته دراسة الباحثة غطاس.
إضافة إلى والقورمة، وهي لحم يفرم ويخلط بالسمن ويحفظ كمادة غذائية لفصل الشتاء، الدقيق، السكر والقهوة، كما وردت في التركات عبارتان هما العولة، والمقصود بها ممارسة اجتماعية – اقتصادية تتمثل في تحضير مواد غذائية متنوعة بكميات هامة نسبيا، تشمل العجائن من كسكس ومحمصة وبرغل وغيرها، كما تشمل أيضا اللحم المجفف المعروف بالخليع، بغرض الإستهلاك في فصل الشتاء وفي الأيام الصعبة وتحضر عادة في فصل الصيف، وعبارة الماكول، وحسب -الأكاديمية- فإنها لم تتمكن من معرفة المعنى الحقيقي للكلمة وحسبها ربما تدل هي الأخرى على عدد من المواد الغذائية المحضرة من القمح أي أنواع مختلفة من العجائن.
تقول الباحثة غطاس:” كانت أعلى نسبة في تركة الحمامجي، الذي لم تناهز ثروته 29 ريالا، وفاقت قيمة المواد الغذائية نسبة 20% في خمس حالات، ففي ثلاث حالات، كانت التركات تخص التجار، إثنان كانا من بائعي الخضر والفواكه، وبلغت قيمة المواد الغذائية في تركة الجيلالي الفكاه، 21,80%، وكانت في معظمها من مادة الخل، إذ شكلت نحو 19,54%، وبلغت في حالة التاجر السمان 19%، وكانت في مجملها سمنا 9,47%، وعسلا 8,95%، بينما لم يشكل البرغل سوى 0,79%، كانت مواد الخل والسمن والعسل موجهة للتجارة واستخدم هذان التاجران فضاءهما الخاص “المنزل” كمخزن”. اما مادتا الكسكسي والبرغل فكانتا للإستهلاك العائلي اليومي”.
وتشير المؤرخة، إلى “حرص الشريحة الأكثر فقرا على توفير المواد الغذائية للإستهلاك العائلي اليومي، بسبب الحاجة. اما الذين كانت أوضاعهم اكثر يسرا لم يوظفوا مالا كثيرا في المواد الغذائية”.
وتؤكد ” ان مادة الخليع، كانت مادة اساسية ومستهلكة على نطاق واسع وعلى مستوى شرائح عديدة الفقيرة منها والميسورة الحال، حيث شكلت في أغلب الأحيان أهم مادة من حيث قيمتها في التركة واختلفت كميتها من حالة إلى أخرى، اما مادتا السمن والزيت فاقتصر استعمالهما في الأسر الميسورة الحال”.
في هذا الصدد، تقول:” وردت في التركات التي فاقت 500ريالا، اما مادة القاورمة، تحضيرها كان عادة تركية اذ وردت في مخلفات عدد من الأتراك مثل شاوش العسكر، اما العسل فكان على ما يبدو غير مستعمل على نطاق واسع اذ ذكر في حالة واحدة”.
وقد أشارنا في مقال سابق، عن مذكرات القنصل الأمريكي ويليام شاللير، الذي يتحدث عن عادات الجزائريين في الأكل خلال العهد العصماني، حيث يؤكد أن الخبز والضأن والدجاج والسمك والحليب والزيدة والخمر وزيت الزيتون والزيتون والفواكه والخضروات والكسكسي، شكلت الأغذية الرئيسية لسكان بلاد البربر.
أما الطبقة الفقيرة، التي لا تستطيع شراء اللحم تحضر الكسكسي بزيت الزيتون او مدهونا بالزبدة، في حين طبقة العمال فهي تقتنع بالخبز والزيت متى أمكنها الحصول عليه.
وحسب القنصل الأمريكي، فإن كثير من العائلات الجزائرية تعمد في أجود الفصول، التي يكثر فيها العشب الى ذبح ثور او ثورين وتقطع لحمه ثم تجففه في الشمس وبعد ذلك يغلى في الزيت ثم يحفظ في أواني بالزيت او بالسمن لإستهلاكه في وقت آخر.