نشرت صحيفة “المجاهد” نداء لكريم بلقاسم، وزير القوات المسلحة الجزائرية، يوم الأحد 14 جوان 1959. هذا نصه:
من السيد كريم بلقاسم وزير القوات المسلحة الجزائرية
أيها الجيش الوطني المظفر
أوجه إليك تهنئة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية على مواقفك المشرفةونضالك القوي الظافر، كما نعرب لك عن اعجابنا بروح الإيمان والتضحية التي تتمتع بها والتي هي سلاحك الذي لا يفنى.
وأنت أيها الشعب الجزائري فإن حكومتك الوطنية – تسجل لك شكرها على تأييدك الشامل لجيشك الوطني المحارب – كما نسجل لك وقوفك الدائم إلى جانبه وتقويتك لمساعده.
إن تظافر جهودكما، هو الذي جعل قوة الثورة تزداد نموا وعمقا كلما طال عليها الأمد، ومرت بها الأيام.
أيها الجيش العظيم المظفر.
إن الإستعمار الفرنسي بلغ درجة من الإنهاك والضعف جعلته يحاول أن يصور أن قوتنا العارمة المتأججة انقلبت إلى ضعف، وأن الهدف من دعايته ليس فقط التأثير على معنويات الشعب الجزائري وجيشه الوطني المحارب، بل أن هدفها بالخصوص هو رفع معنويات الجيش الفرنسي التي أخذت تهبط وتنحدر وتسير نحو الإنهيار بعد خمس سنوات من الجهود اليائسة وبعدما تبين لهذا الجيش الإستعماري أن من المستحيل عليه التغلب على قوتنا الوطنية وبعد ما تبين لجيش فرنسا هذا أخيرا أن كل ما قام به من تضحيات، هو سبيل مصالح استعمارية خاسرة، وأمن أفراد الجيش الفرنسي بأنهم يموتون من أجل الدفاع عن أقلية من الإستعماريين.
أيها الشعب الجزائري، أيها الجيش الوطني، أن الإنتصار، انتصاركم، أمر يقين لا يشك فيه حتى أعداؤكم، وأن الحرب يمكن أن تستمر طويلا، ولكن هدفنا الذي مات من أجله 900 ألف من أبناء الشعب، وضحوا في سبيله، هذا الهدف لابد أن نصل إليه.
إن ضحايانا لم تمت، بل أنها تحدثنا وتعيش في نفوسنا وتغذى الكفاح البطولي الذي يقوم به شعبنا وجيشنا الوطني، هذا الكفاح الذي أثار إعجاب العالم كله.
لقد حدثني صحافي يوغسلافي عاش مع جيشنا الوطني مدة من الزمن فقال :
“إن ما مر فوق رأسي من رصاص وأنا مع جيش التحرير الجزائري_طيلة شهر واحد_هو أكثر مما استهدفت إليه طيلة عام كامل في ثورة يوغسلافيا “.
وهذا يدلكم على أنه بالرغم من القوة المادية التي تتمتع بها فرنسا اليوم ورغم الإعانات التي لا تحصى والتي تتلقاها من حلفائها، وخاصة من منظمة الحلف الأطلسي، التي أسست لتدافع ضد هجومات أجنبية، لا لشيء هي هجومات على الشعوب المطالبة بالحرية_إن هذا يدلكم على أن فرنسا لو كانت وحدها، لما استطاعت أن تستمر في الحرب طيلة خمس سنوات.
ولكن ثق أيها الشعب الجزائري ثق أن نهاية الإستعمار في العالم _في جميع أشكاله وتحت كل سمائه ومهما كانت درجته =إن نهاية الإستعمار قد دنت ساعتها، وأن عجلة التاريخ تدور، وليست هناك قوة في العالم تستطيع أن توقفها عن الدوران، وعن السير المتواصل بالشعوب نحو الإنتصار.
أيها الجيش الوطني!
في الوقت الذي يبرهن فيه استعمار فرنسا على أنه يعيش ساعات اليأس ويوالى المجازر التي تذهب ضحيتها النساء والأطفال والشيوخ، نجدك أنت أيها الجيش الوطني المكافح دائما من أجل قضية عادلة، استطعت أن تبرهن للعالم كله عن مشاعرك النبيلة، وأجبت على تلك المجازر الفرنسية بإطلاق سراح الأسرى من أبناء فرنسا عندك، أولائك الذين كانوا هم أنفسهم يقومون بهذه المجازر، وهذه منك قوة يعترف بها العالم، وبفضلها يعترف بنضجك، وبأنك لا تعتمد لتحقيق أهدافك النبيلة على الأعمال المشينة التي لا تشرف.
وأنك أيها الجيش الوطني_مع شعبك القوي الصابر، قد كتبت تاريخك المجيد، واستطعت أن تدفع الوطن في طريق التحرير، وهذا ما جعلك لا تقف وحيدا أمام الإستعمار، وإنما أنت تتمتع بتأييد الشعوب، ومناصرة الحكومات الشقيقة ماديا وأدبيا، وتتمتع بتضامن كل الأصدقاء المحبين للسلام والحرية في العالم.
إن سياسة فرنسا اليوم، هي سياسة الإرتجال واليأس كما برهن على ذلك تهديد ديبري لحلفائها إذا لم يعينوها أكثر في الحرب الجزائرية وسياسة التمويه على الرأي العام العالمي، بأنها تعمل من أجل السلام في الوقت الذي تندفع فيه في الحرب القذرة إلى الأذقان.
إن أسطورة الإدماج، ومشاريع الإدماج التي تلوح بها فرنسا اليوم هي عبارة عن حركة تقهقرية إلى الوراء، ولكن التاريخ لا يمشي إلى الوراء.
إن إدماجهم لم يستطيعوا تحقيقه طيلة مائة وثلاثين عاما عندما كنا نقاومه مقاومة سلمية، فكيف يحققونه اليوم ونحن نقاومه بالدماء والسلاح وبالحرب القائمة على قدم وساق منذ خمس سنوات؟.
إن أولئك الذين كانوا يسيرون سياسة فرنسا، التي أدت بنا إلى ثورة 54 هم أنفسهم الذين يواصلون السياسة الإستعمارية اليوم.
وإننا_بهذه المناسبة_نريد أن نقول كلمة لبعض الجزائريين الذين أدخلهم الإستعمار مجالسه المزورة من جديد لنذكرهم بالانتخابات السابقة المزيفة، وبالمجالس السالفة التي قضى عليها الشعب، ونحذر أولئك الجالسين في البرلمان الفرنسي والذين لا يمثلون إلا أنفسهم، بأن يفكروا في أمرهم قبل أن يفوت الأوان، وبأن لا ينسوا أن الشعب الجزائري الذي وحد صفوفه في الكفاح، إنما يخوض معركة حياة أو موت.
إن الشعب الجزائري يحارب من أجل المبادئ السامية، وأن الإستعمار الفرنسي يحارب من أجل الغرائز الحيوانية المنحطة وأن الإنسانية لن تنس جريمة الإستعمار الفرنسي ضد شعب يحارب من أجل الحرية.
إن الذين يحاربون حريتنا، سينتهي بهم الأمر حتما إلى أن يقتلوا الحرية في ديارهم ذاتها والتاريخ يشهد، وهو أصدق شاهد.
والسلام وإلى الأمام