أخذت الأفلام الثورية بالسينما الجزائرية منذ بداياتها نحو بوابة العصر الذهبي، وخلدت من خلال تلك الأعمال أسماء وبطولات وأقوالا ما تزال متداولة إلى اليوم.
ظلت تلك الصورة راسخة في أذهان كل جزائري، هذا ما يجعل السينما من أكثر الوسائل المؤهلة لحفظ الذّاكرة الوطنية، وفق ما اجتمع عليه آراء الكثير من المختصين في هذا المجال.
من جانبه، يتفّق الكاتب والمنتج السينمائي محمد كمون، مع هذا السياق، حيث يرى محدثنا أن ما حققته السينما الثورية في نهاية الستينيات والسبعينيات، يعود إلى الاهتمام الكبير الذي أولته الدولة لهذه الصناعة.
إذ وفّرت دعما خاصا وميزانية ضخمة، وكانت السينما وقتها تعامل معاملة خاصة، بسبب العهد الجديد بالاستقلال ومن أجل تخليد ذكرى بطولات جيش التحرير الوطني، وتضحيات الجزائريين.. في تلك الفترة كانت هناك شراكات مع دول عديدة تجسّدت في إنتاجات مشتركة من أجل إثبات نجاح التجربة.
سخّرت الدّولة كل الإمكانات، من العتاد الحربي، مناطق التصوير، السيناريوهات المحكمة، وهو ما انعكس مباشرة على جودة الأفلام التي نجحت فنيا وتجاريا، بل نافست في مهرجانات دولية كبرى وحصدت أكبر الجوائز العالمية، مثل فيلم “وقائع سنين الجمر” للمخرج لخضر حمينة.
لكن مع تغيّر الوضع الاقتصادي، وتدهور الوضع الأمني في التسعينيات تراجعت كثيرا، – يقول المتحدث – ويشير إلى أنه لا يمكن للأعمال السينمائية الحالية أن تعوّض الأفلام الثورية الكلاسيكية، مثل “الأفيون والعصا”، “معركة الجزائر”، “دورية نحو الشرق” وغيرها.
ورغم ذلك، تظل السينما – حسب الكاتب – أفضل ما يصدر تاريخ الأمم، معتبرا أن استعادة السينما الجزائرية لأمجادها يتطلّب كثيرا من الأمور، لعلّ أبرزها إصلاح قطاع السينما كليا،إنشاء سوق سينمائية تعود بالفائدة على المنتجين، إعادة فتح دور السينما وزرع ثقافة السينما.
وعن دور الأفلام الثورية، أكد أنه تربوي وتخليدي أكثر منه تجاري، مضيفا أن “ما فعلته أفلام الثورة داخل وجداننا لن تفعله آلاف الكتب، فكل جزائري محفور في ذهنه جمل خالدة شاهدناها في الأفلام الثورية، مثل “علي موت واقف”، “الكلاب الهاملة تموت في الطرق”، “إخواني لا تنسوا شهداءكم”، “من اليوم كل شيء يتبدل في القصبة”، وغيرها..
بالنسبة للكتابة في السينما الثورية، وكيفية توظيف الشهادات والاستعانة بها في إخراج نصّ قادر على المساهمة في إنجاح العمل السينمائي بشكل كبير، اعتبر الكاتب والمنتج السينمائي محمد كمون، أن الشهادات قد لا تكون من اختصاص المخرج أو سيناريست بالدرجة الأولى، بل من اختصاص المؤرخين.
لذلك يعتمد كتاب السيناريو عادة على مذكرات الأبطال، أو الكتب التاريخية لكتّاب ومؤرخين، ثم إن الفيلم السينمائي مثلما ذكر، يعتمد كذلك على خيال وإبداع المؤلف لو كان يريد أن ينقل الحقيقة كما هي لصنع فيلم وثائقي، بينما يعتمد السيناريست أولا على الخيال والرؤية الشّخصية للثورة.
وقال محدثنا، إن هناك أفلاما مجّدت المرأة ودورها، وهناك أخرى جسّدت دور السياسيين، كما أن هناك أفلاما مجّدت دور الأطفال ومنها ما جسّد معاناة القرى المهمّشة في الجبال، ويبقى لكل فيلم رؤية مختلفة وهدف محدد، وهو ما يخلق نوعا من التنافس في الإبداع، ينعكس مباشرة على كمية الإنتاج ويسمح بأن يتلقى المشاهدون على اختلاف أذواقهم ما يبحثون عنه.