مازالت حادثة “ماجن”، بمنطقة تكوت، بولاية باتنة بعد 63 سنة من حدوثها، تروى بتفاصيلها الدقيقة لزوار المنطقة جريمة الإستعمار الفرنسي.
هذه الحادثة شاهدا حيا على تعسف المستعمر الفرنسي والتنكيل بالمدنيين العزل إبان الثورة التحريرية المجيدة.
فقد عمد عساكر المستعمر الفرنسي في منطقة تكوت يوم 29 ديسمبر 1961، الذي كان فصلا شتويا باردا إلى جمع كل رجال الدشرة القديمة بتكوت، فاق عددهم أنذاك حسب شهادات من عايشوا الحادثة 50 شخصا وزج بهم في ماجن ماء بارد متجمد قصد الحصول على معلومات حول أفراد جيش التحرير الوطني، الذين مروا بمنطقة تكوت وحضروا وليمة زواج أحد شباب المنطقة.
يروي عبد الرحمان مزهودي، الذي صادف ذلك اليوم حفل زفافه وكان لا يتعدى عمره الـ 18 سنة، أن ”الحادثة وقعت يوم الجمعة وكان الجو شديد البرودة ومصحوب برياح قوية حيث تعرض للضرب من طرف العساكر قبل دفعه عنوة داخل الحوض المائي، الذي كانت برودته لا تطاق بعد أن وجهت له تهمة إطعام المجاهدين في وليمة العرس”.
و حسب الأستاذ عبد الكريم رحماني، أحد أبناء تكوت المهتمين بتاريخ المنطقة والذي وثق للحادثة وجمع شهادات الذين عايشوها، فإن عساكر العدو تنقلوا للقرية في حدود السابعة صباحا بعد حصولهم على معلومات تفيد بتواجد المجاهدين فيها.
وقام عساكر العدو -حسب المصدر ذاته- بمعاقبة سكان القرية لعدم تعاونهم والإبلاغ عن المجاهدين بإخراجهم من مساكنهم وجمع النساء في نادر الدشرة (المعروف محليا بإينورار) فيما حول الرجال إلى ماجن الماء البارد وكان من بينهم عبد الرحمان مزهودي، وبلقاسم زروال، وعمر بن مشيش، وعمار بوخلوف، ومسعود مسعودي، وحسين زغدود، وتيطاوين عمار وآخرون”.
ضاوية الشريف تتحدى عساكر فرنسا
استطاعت المناضلة ضاوية شريف، زوجة عبد السلام، التي غافلت عساكر العدو لفتح سداد الخزان وتغيير وجهة مياهه إلى منطقة “ألما” قصدا منها إفراغ حوض الماء البارد والتخفيف عن آلام الرجال المكدسين في الحوض، إلا أن الجنود تفطنوا إلى نقصان الماء من الماجن وأعادوا الصمام إلى مكانه ليتمكن بعد ذلك الطفل الصغير قرباعي، إبن الشهيد محمد بن البشير، بنزعه مرة ثانية ورميه في الأراضي الفلاحية المقابلة لكي لا يعيده عساكر العدو إلى مكانه مرة أخرى.
ويروي قرباعي، الذي تخطى عمره 72 سنة، في حديث لـ/وأج، أنه كان يراقب ما يحدث آنذاك من بعيد وشاهد الضاوية وهي تفتح سداد الماء وكيف أعاد الجنود الفرنسيون غلقه، ليقوم بعد ذلك بنزعه ورميه بعيدا عن المكان حتى لا يعثر عليه الجنود.
وأضاف : “مازلت أتذكر الحادثة رغم صغر سني وقتها وأتذكر أيضا أنين، الذين كانوا داخل الماجن وسط الماء المتجمد وكيف كان عساكر العدو يثبتهم في الماء البارد رغم محاولة بعضهم الخروج منه’’.
وتشير شهادات سكان المنطقة، إلى أن إخراج جميع المتواجدين بالخزان المائي تم عند الواحدة ظهرا بعد قدوم ضابط عسكري من آريس بواسطة حوامة عسكرية وتم إخلاء سبيل من لديه وثائق الهوية بعد التأكد منها. فيما تم نقل البقية إلى مركز تكوت ليطلق سراحهم قبل المغرب بعد تعرضهم للاستنطاق والضرب.
ولم ينس سكان تكوت الحادثة وأقاموا لها بمدخل الدشرة نصبا تذكاريا يستوقف كل من زارها ليحكي له باختصار عن حادثة الماجن بتفاصيلها وشخصيتيها المحوريتين الضاوية والطفل الصغير قرباعي اللذين تحديا المستعمر وبادرا إلى نزع قفل الحوض لإفراغه من الماء البارد.
وحالت المياه المتدفقة من الماجن دون تمكن عساكر فرنسا، رغم استعمالهم الكلاب المدربة، من تقفي أثر المجاهدين الذين كانوا قد مروا بمنطقة تكوت واستقبلهم السكان بحفاوة.
ويمكن لزائر المكان أن يكتشف على بعد أمتار، الخزان المائي الذي يعود تاريخه إلى الفترة الرومانية ومازال إلى حد الآن يعتمد عليه في السقي الفلاحي في دشرة تكوت القديمة التي تبذل جهودا لإدراجها ضمن المعالم السياحية، نظرا لما تمتاز به من سحر الطبيعة وجمال العمارة المحلية والتاريخ العريق الممتد للحقبة النوميدية، حسب نقيشة حجرية بأبجدية لوبية تم العثور عليها بالجهة.